في عالم أصبح فيه وجودك الرقمي جزءاً لا يتجزأ من حياتك اليومية، يُعد “فيسبوك” أحد أكثر المنصات تأثيراً وانتشاراً على الإطلاق، إذ يستخدمه يومياً أكثر من 2.1 مليار شخص، بينما يرتفع عدد المستخدمين شهرياً إلى نحو 3.06 مليارات، وهو ما يعادل تقريباً نصف عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم. وبعبارة أخرى: من بين كل شخصين على الإنترنت، هناك واحد لديه حساب على “فيسبوك”، بحسب إحصائيات موقع “Backlinko” المتخصص في التسويق الرقمي.
لكن ما الثمن الحقيقي لاستخدام هذه المنصة المجانية؟ هل هو مجرد وقتك واهتمامك، أم أن هناك شيئاً أكبر تُقدمه دون أن تدري؟ الحقيقة أن “فيسبوك” لا يطلب منك المال، لكنه يجني الكثير من خلال ما يعرفه عنك.
مجلد ضخم لكل مستخدم: ماذا يعرف فيسبوك عنك؟
يتعامل “فيسبوك” مع كل مستخدم وكأنه مشروع دراسة متكاملة، إذ يجمع بيانات مفصلة عن أنشطتك وسلوكك، ويُخزنها في ما يشبه المجلدات الشخصية. تشمل هذه البيانات:
أنشطتك داخل المنصة: المنشورات التي تتفاعل معها، الروابط التي تنقر عليها، وحتى التعليقات التي تكتبها.
معلوماتك الشخصية: مثل الاسم، ومكان السكن، والعمل، والدراسة، وتاريخ الميلاد.
سجلك الكامل: من المحادثات الخاصة ورسائل “ماسنجر”، إلى بيانات الدفع والشراء داخل المنصة.
اهتماماتك وميولك: يتم استنتاجها بناءً على الإعجابات والتفاعلات، وحتى التصفح في مواقع أخرى.
ولعل أبرز ما كشفته دراسة جامعة “كامبريدج” أن 300 نقرة إعجاب تكفي لـ”فيسبوك” كي يفهمك أفضل من شريك حياتك. وبما أن متوسط عدد الإعجابات لكل مستخدم يبلغ نحو 277، فهذا يعني أن المنصة تعرف عنك أكثر مما تتخيل.
خوارزميات متطورة وذكاء اصطناعي
يمتلك “فيسبوك” قدرات تحليلية متقدمة تتيح له:
التعرف على الوجوه في الصور.
قراءة النصوص داخل المنشورات.
تحديد المواقع التي تزورها باستمرار.
جمع معلومات من التطبيقات الأخرى التابعة لـ”ميتا”، مثل “واتساب” و”إنستغرام”.
ويتم تحليل هذه البيانات لتكوين صورة شاملة عنك، تُستخدم في توجيه الإعلانات، وتطوير المنتجات، بل وأحياناً لتوقع سلوكك المستقبلي.
هل “فيسبوك” يتنصت على محادثاتك؟
لطالما دار جدل واسع حول سماع “فيسبوك” لمحادثات المستخدمين. وبينما تنكر الشركة تماماً استخدام الميكروفون للتجسس، كشفت وكالة “بلومبيرغ” في 2019 عن استخدام فيسبوك لشركات خارجية لتفريغ المحادثات الصوتية التي تتم داخل تطبيق “ماسنجر”، ما أثار ضجة كبيرة حول مدى اختراق الخصوصية.
خاصية “بيكسل”: التتبع خارج المنصة
لم تكتفِ المنصة بجمع البيانات من داخل تطبيقاتها، بل أطلقت في 2015 خاصية Facebook Pixel، وهي كود برمجي يتم زرعه داخل مواقع المتاجر الإلكترونية لتتبع سلوكك الشرائي وربطه بحسابك على “فيسبوك”.
هذا يعني أن “فيسبوك” يمكنه معرفة المنتجات التي بحثت عنها، والصفحات التي زرتها، حتى خارج المنصة، طالما أن “البيكسل” مثبت على تلك المواقع.
هل يمكنك معرفة ما يعرفه “فيسبوك” عنك؟
نعم، لكن بشكل جزئي. يمكنك الوصول إلى سجل نشاطك من خلال إعدادات الحساب، حيث يمكنك تحميل ملف يحتوي على الإعجابات والتعليقات والمشاركات والمحادثات. ورغم ذلك، تظل هناك بيانات مخفية لا يمكن الوصول إليها، وتُستخدم داخلياً ضمن خوارزميات المنصة.
هل يمكنك إيقاف “فيسبوك” عن تتبعك؟
الحقيقة أن منع “فيسبوك” من جمع البيانات داخل منصته يكاد يكون مستحيلاً، إذ أن استخدام المنصة يتطلب منحها الصلاحيات التي تحتاجها. لكن هناك بعض الإجراءات التي قد تساعد على الحد من جمع البيانات خارج التطبيق، مثل:
استخدام وضع التصفح الخفي عند زيارة المواقع.
استخدام متصفح منفصل لحسابك على “فيسبوك”.
تقييد أذونات التطبيقات في إعدادات الهاتف.
من يملك البيانات يملك القوة
بينما تبدو منصات التواصل الاجتماعي مجانية وسهلة الاستخدام، فإن “فيسبوك” يذكّرنا دائماً بأن “المنتج الحقيقي هو المستخدم نفسه”. فبياناتك هي رأس المال الأساسي الذي تعتمد عليه المنصة في تشغيل نموذجها الإعلاني والربحي.
في عالم تسيطر فيه البيانات على القرارات، لم تعد الخصوصية رفاهية، بل أصبحت ضرورة. لذا، احرص على مراجعة إعداداتك الرقمية، واعرف جيداً ما الذي تقدمه مقابل ما تأخذه.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم