قضت الحرائق التي اجتاحت غابات سوريا وحراجها في الآونة الأخيرة على نسبة كبيرة من الغطاء النباتي، مخربة بذلك العديد من الأصول الوراثية الهامة كالمجمعات الوراثية التي تعتبر سوريا الموطن الأصلي لها والتي تعد مع مكوناتها البيئية بنوكاً وراثية طبيعية عالية الأهمية.
ظهرت تقارير عديدة توضح حجم الخسائر في الثروة الحراجية وتقارير أخرى تفصل طرقاً للتعامل مع الأرض المحروقة، وفي أسئلة عديدة وجهتها “الحرية” لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ومثلها إلى البحوث العلمية الزراعية، أجاب مدير مديرية الحراج مجد سليمان: إن المساحة المتضررة بفعل الحرائق تقدر بـ 16 ألف هكتار ما بين زراعي وحراجي.
إعادة تقييم
وحول سؤاله عما إذا تم التوصل لخطة للوقاية من الحرائق مستقبلاً، قال سليمان في تصريحه للحرية: ستكون هناك إعادة تقييم فني لوضع الغابات لمنع تكرار هكذا حرائق بالإضافة لزيادة عدد المخافر الحراجية ونقاط الإطفاء.
وأما عن ملاحظات الوزارة والمختصين فيها حول مسببات الحرائق، فقد أكد سليمان أنه لا يمكن التكهن بالمسببات فيما اذا كانت مفتعلة أم طبيعية ولكن الوزارة ستعمل على اتخاذ كافة التدابير اللازمة.
تهديدات التنوع الحيوي
من ناحيتها الباحثة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ورئيس المحطة البحثية الحراجية في بحوث الغاب الدكتورة دلال ابراهيم، فصلت التهديدات الرئيسية للتنوع الحيوي بفعل الحرائق وهي: فقدان الموائل الطبيعية للأنواع وتجزئة الموائل والتدهور والاستغلال المفرط والأنواع الغازية و التلوث والتغير المناخي الناتج عن النشاطات البشرية المختلفة إضافة للحرائق.
وعلى الرغم من عدم معرفة نسبة مساهمة كل من هذه العوامل في فقدان التنوع الحيوي، فإن فقدان وتجزئة الموائل الطبيعية بسبب الأنشطة البشرية الخاطئة يشكل التهديد الأساسي والمباشر للتنوع الحيوي والقوة الرئيسية الدافعة لفقدان هذا التنوع حالياً، كون التنوع الحيوي بجميع أبعاده وجوانبه يرتبط بالموائل وفقدانها أو تجزئتها أحياناً وإدخال أشكال جديدة من استعمالات الأراضي ينعكس سلباً على الأنواع وليس المجتمعات.
مجمعات مهددة وراثياً
وأشارت د.ابراهيم إلى وجود مجمعات طبيعية مهددة وراثياً ومنها المجمعات الوراثية من الصنوبر البروتي المنتشرة طبيعياً على السفح الشرقي للجبال الساحلية المطلة على سهل الغاب، حيث تتعرض هذه المجمعات لأخطار تهدد وجودها نتيجة الحرائق المتكررة ويقتصر وجودها حالياً على بقع بسيطة معتمدة على الحماية.
خطة ترميم البيئات الحراجية المخربة..
وأوضحت د.ابراهيم أن حرائق الغابات في سوريا تمثل أزمة بيئية تتجاوز حدود الكارثة لتطول النظم الإيكولوجية والتوازن المناخي وخطة التدخل تتطلب أسساً علمية ممنهجة قابلة للتطبيق، وتعيد التوازن البيئي وتصون التنوع الحيوي والعمل على إعادة ترميم البيئات الهشة من الغابات بالأنواع الأساسية التي كانت سائدة، وزراعة المادة الوراثية للأنواع الحراجية البرية المثمرة الأصلية في الغابة لاستعادة البيئة الأصلية للغابات من عريضات الأوراق والمتعددة الأغراض ذات الفائدة الاقتصادية الهامة.
إعادة الترميم
وحول الطرق العلمية الأفضل لإعادة ترميم وتأهيل الغابات المحروقة وفق منهجية الإدارة المتكاملة للغابات، قدمت د.ابراهيم عدة توصيات ومنها حفظ وإكثار بعض النباتات المهددة بالإنقراض والنادرة والمهددة وراثياً من خلال تأسيس مرافق لحفظ المادة الوراثية داخل وخارج المكان.
إضافة إلى تأسيس مشاتل حراجية متخصصة لإكثار الأصول الوراثية للأنواع النادرة والمهددة بالانقراض والمهددة وراثياً ضمن استراتيجية الحفظ خارج المكان.
ومن التوصيات أيضاً تحديد حقول أمهات بذرية ذات مواصفات قياسية واعتماد ترقيم الأشجار بهدف الحماية للأنواع الحراجية التي نجت من الحريق كالصنوبر البروتي المهدد وراثياً والبلوط الرومي والدردار السوري وأنواع أخرى.
كما أوصت د. ابراهيم بتشكيل فريق علمي مشترك بين وزارة الزراعة والبيئة والدفاع المدني ووزارة التعليم العالي للتقييم الميداني ورسم الخرائط المتعلقة بالحرائق وفق نظم المعلومات الجغرافية وتقييم درجة الضرر وتحديد المساحات التي يمكن تجديدها طبيعياً و تلك التي تحتاج إلى تدخل أو تشجير، إضافة إلى إجراء مسح ميداني لتحديد سيادة النبت الطبيعي ونسبة الغطاء النباتي الباقي وتوصيف حالة التربة، ومن المهم عدم التشجير مباشرة بعد الحريق لإعطاء مجال للتعاقب النبتي الطبيعي بالإعادة وضرورة ترك التربة دون تدخل خلال أول سنتين على الأقل.
ماذا يحدث بعد الحريق؟
بحسب د.ابراهيم فإنه يتم استبدال المجمعات الأساسية بمجمعات ثانوية ذات دلالة تدهورية بعد الحريق وتتدمر البذور وكورمات النبات الطبي والعطري المرافقة للأنواع الأساسية في الغابة وزيادة مخاطر الفيضانات والانجرافات للتربة.
ولذلك من المهم التأكيد على عدم استبدال الأنواع الأساسية التي كانت سائدة في الغابة كالصنوبر والسنديان والبلوط، كون الصنوبريات تمثل نوعاً طبيعياً ضرورياً لاستقرار النظام البيئي، رغم اشتعالها السريع ورغم ذلك يبقى الموقع قادراً على تجديد ذاته إذا تُرك بدون تدخل بشري.
تقسيم موقع الحريق إلى قطاعات..
كما أوصت د.ابراهيم بضرورة تقسيم موقع الحريق إلى قطاعين: القطاع الأول بتشديد الحماية ومنع الرعي بعد الحريق لإعطاء فرصة للتجدد الطبيعي في حال ضمان وجود الوحدات التكاثرية. والقطاع الثاني بتحديد مناطق التدخل وإعطاء الأولوية للمناطق الأكثر تدهوراً وانحداراً، إذ يمكن التدخل فيه جزئياً بالتشجير وفق تقنية زراعة كرات الطين والتحريج وفق تقنية حصاد المياه وفق خصوصية الموقع.
كما أكدت د.إبراهيم على ضرورة الاستعاضة عن طرق التحريج التقليدي بمنهجية استخدام نثر البذور للأنواع الحراجية في المواقع الحراجية المتدهورة والمحروقة، والعمل على إدارة بيئية صحيحة تتضمن المحافظة على النظم البيئية من خلال إعادة تأهيل المواقع بالأنواع النباتية التي كانت سائدة وإعطاء فرصة للغابة بترميم نفسها من خلال التعاقب النبتي الذي يعد الأكثر ملاءمة للنظام البيئي في المواقع الحراجية، إضافة إلى تطبيق الحماية الكافية للمواقع الحراجية المحروقة وعدم التدخل الخاطئ بقطع الجذوع المحروقة والتشجير بطريقة غير مدروسة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية