آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ما بعد الذروة (2): توازن العجز والفخ الأمريكي

ما بعد الذروة (2): توازن العجز والفخ الأمريكي

 

انس جوده

قبل أيام، كتبت أن المواجهة بين إيران و إسرائيل بلغت ذروتها العملياتية دون أن تُفضي إلى حسم. لكن التطورات الأخيرة أعادت ترتيب الأولويات، فالحرب لم تعد تدور حول من ينتصر، بل حول من ينهار أولاً أو يصرخ أولاً لطلب التهدئة.

الصراع دخل مرحلة استنزاف مكشوف، تتبادل فيه الأطراف كشف قدراتها التسليحية، فيما تتحول معادلة “عض الأصابع” بين صواريخ الهجوم والدفاع إلى محور الحسم. وفي هذا النوع من المواجهات، يكون المنتصر ببساطة هو من استطاع الصمود دون الانهيار، والخاسر هو من فشل في تغيير الواقع.

سيناريو “حرب الوكلاء”، الذي كان مرجّحاً قبل أسبوع، بات مؤجّلاً أو محدود الأثر. فمجموعات الوكلاء لا تملك أوراق قوة حاسمة في هذا النوع من الحروب، ومن الأفضل إبقاء مواردها لاستخدامها في مرحلة ما بعد انهيار النظام المركزي وانفلات الفوضى، كما أن أي تصعيد من جانبها قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر، وهو ما تسعى طهران لتجنّبه في هذه المرحلة. كلما طال أمد المنطقة الرمادية بين الضربات المتبادلة والقرار السياسي، زادت قدرة إيران على التفاوض من موقع “الصامد”، لكنها بالمقابل تُستهلك داخلياً وتفقد ما تبقى من شرعيتها الشعبية.

في المقابل، الولايات المتحدة التي كانت تظن أنها تمسك بخيوط التصعيد وتوقيته، بدأت تفقد السيطرة. الخطاب المتردد للرئيس ترامب، والانقسام داخل الحزب الجمهوري، يكشفان أن واشنطن باتت عالقة في مأزق صنعته بنفسها. التحركات العسكرية تشي باحتمال تدخل عسكري ضد المنشآت النووية، في مغامرة مكلِفة قد تتسبب بانفجار إقليمي شامل، بينما التراجع سيُفقد واشنطن ما تبقى من هيبتها كما حدث مع خطوط أوباما الحمراء، وهنا تبرز احتمالات الحلول التوافقية مع الخصوم.

تحالف روسيا – الصين ، الذي يبدو حتى الآن ناعماً في أدائه، لا يسعى بالضرورة لحماية النظام الإيراني بل لمنع تفكك الدولة. رسم خطوط حمراء واضحة (استهداف المرشد، تفجير المفاعلات) هدفه إطالة أمد الاستنزاف، لا منعه، وإخراج واشنطن من معادلة الهيمنة المنفردة في المنطقة. في كل الأحوال أي “نصر” إيراني سيكون باهظ الثمن، وسيفتح الباب أمام تفكك داخلي شبيه بالنموذجين العراقي والسوري وسيكون الغرب محتاجاً لتقاسم النفوذ مع هذا التحالف لاحتواء التفتت ومنع الفوضى.

إقليمياً، تمارس السعودية و الإمارات حياداً ذكياً، يتحول تدريجياً إلى تمايز استراتيجي، فاستنزاف الطرفين مصلحة استراتيجية لهما، بينما الثعلب الموجود في #تركيا يتحرك في الظل، يراقب الطريدة الإيرانية ويعد أوراقه لقطف مكاسب استخباراتية وجيوسياسية شبيهة بما فعله في سوريا.

أما سوريا، فهي الجبهة المؤجّلة بانتظار الرابح. ولكن السلطة خاسرة حكماً، فإن انهار النظام الإيراني، فقد تتمدد سلطات الأمر الواقع مؤقتاً، ولكن على المدى المتوسط سيفتح الباب على البحث عن تمثيل أكثر اعتدالاً بسبب انتهاء الدور العسكري، أما إن بقي، فسيُغلق باب الاعتراف الإقليمي ويُعاد رسم مشهد النفوذ.
وتبقى الشرعية الداخلية هي العامل الفارق، فمن يستثمر هذا الوقت لبناء شرعية حقيقية يمكن ان يحجز مكانا في المشهد الجديد، ومن يكتفي بجمع المال استعدادا للعودة الى المغارة فلن يكون سوى وقودا للمرحلة القادمة.

نحن اليوم أمام توازن هشّ لا يُنتج حلاً ولا يُنهي حرباً. إيران لا تستطيع الانتصار، وإسرائيل لا تملك الحسم، وأميركا تخشى السقوط في المستنقع. وفي لحظة ما، قد يكفي اغتيال أو قصف خاطئ لتتفكك المعادلة. الندم قادم، والسؤال فقط: من سيبدأ به أولاً.
(اخبار سوريا الوطن ٢-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماذا عن مستقبل إسرائيل وحربها بعد ٧ أيام؟؟ “وفي اليوم السابع جلس على العرش واستراح”

  ميخائيل عوض 1 ستة أيام ثقيلة مرت على العالم وشرقنا العربي وإقليم العرب والعالم وتوازناته. وفي اليوم السابع ومنذ الصباح أمطرت إيران إسرائيل بالصواريخ ...