- عبد الرزاق الجمل
- الجمعة 27 تشرين الثاني 2020
مكسب وحيد
على رغم أن “القاعدة” كان أبرز القلقين من الإعلان عن تمدّد “داعش” إلى اليمن، أواخر عام 2014، كون النواة الأولى للأخير تشكَّلت من منشقّين عن الأول، إضافة إلى أنه سيصبح منافساً وعدوّاً في آن، بسبب الخلاف المتصاعد بين الطرفين، إلّا أن “القاعدة” تجاوز معظم مخاوفه بعد ذلك. فالانشقاق كان لمجموعة صغيرة، ولم يكن من بين المنشقّين قيادات مهمّة يمكن أن تؤثّر على آخرين، عدا عن أن المنافس الجديد لم يصبح منافساً بشكل مؤثّر، كما كان منتظراً، نتيجةَ قلّة خبرته، وعدم معرفته بطبيعة واقع اليمن، وأسباب أخرى كثيرة.
وبخلاف المتوقّع، استفاد “القاعدة” من وجود تنظيم “داعش” في اليمن، وإن بشكل نسبي؛ وخصوصاً أن الطريقة العنيفة التي انتهجها الأخير قدّمت الأول بصورة أكثر اعتدالاً، ولعلّها المرّة الأولى التي يُنظر فيها إلى التنظيم بهذا الشكل. في وقت لاحق، تحوَّل المنافس الجديد إلى مجرّد خصم من الخصوم الذين يحاربهم “القاعدة”، بعدما صنَّفَه ــــ عقائدياً ــــ على مذهب “الخوارج”. وبطبيعة الحال، لم يكن هذا التصنيف العقائدي أمراً سهلاً بالنسبة إلى فرع “القاعدة” اليمني الذي كان أقرب إلى تنظيم “دولة العراق الإسلامية” منه إلى تنظيمه الأمّ، وهو الأمر الذي جعله يغرِّد، لأشهر، خارج سربِ موقف قيادته المركزية وباقي أفرع التنظيم من قضية إعلان “الخلافة”.
لا يعني استبعاد مواجهة «القاعدة» لمصير «داعش» في اليمن أن وضعه على ما يُرام
وحتّى لا يبدو الالتحاق بهذا الموقف كما لو أنه انقلاب غير مبرّر على ما كان بين الطرفين من انسجام وودّ، حرص “القاعدة” على إعلان موقفه في سياق ردّ الفعل على ما يصدر عن الطرف الآخر، كتصريح القيادي خالد باطرفي بأن “جماعة البغدادي” كشفت عن “مخبوء العقائد”، ردّاً على كلمة لناطق “داعش” بعنوان “ولو كره الكافرون”. من هنا، يمكن القول إن مكسب “القاعدة” الوحيد من هذا الانهيار تمثَّل في توقّف استنزاف مقاتليه جرّاء المعارك مع تنظيم “داعش” في البيضاء، وهو مكسب ذو تأثير محدود في حاضر التنظيم ومستقبله.
حالة استثنائية
بالنظر إلى أسباب انهيار تنظيم “داعش” في اليمن، يمكن القول إنه “حالة استثنائية”، ومن الخطأ أن تُبنى عليه توقّعات حول مصير “القاعدة” ومستقبله. ومن أسباب الانهيار: عدم معرفة “داعش” بواقع اليمن وبطبيعة أهله، إضافة إلى قلّة خبرته، واندفاعه الزائد، وافتقاره إلى العقل المخطّط. يؤكّد ذلك ما حدث في مديرية ولد ربيع، حين قرّر التنظيم القتال حتى النهاية في معركةٍ بدت فرص النجاة فيها شبه معدومة، بينما استجاب “القاعدة” لمقترح وساطة قبلية بالانسحاب إلى مناطق أخرى. كان الأخير سينسحب من دون وساطة، كما فعل سابقاً في أكثر من محافظة، لأن هذه استراتيجيته عندما يتعلّق الأمر بالمواجهات التقليدية، لكنه، على ما يبدو، أراد أن يعطي القبائل انطباعاً بأن لكلمتهم قيمة لديه. انهيار “داعش” في البيضاء رسَّخ اقتناعاً سابقاً لدى “القاعدة” بأن واقع اليمن له خصوصية في الحروب، وهي خصوصية تتطلّب تنظيماً زئبقياً وليس فولاذياً وصدامياً.
ركود طويل
لا يعني استبعاد مواجهة تنظيم “القاعدة” لمصير “داعش” في اليمن، بسبب خبرته الطويلة ومعرفته بالديموغرافيا، أن وضعه على ما يُرام؛ فلدى التنظيم مشاكله الخاصة التي قد تبقيه في حالة ركود لسنوات طويلة. ومنها: الاختراق الأمني الذي تسبّب في تصفية معظم قادته المؤثّرين، وقلّة العقول المدبّرة، وقلّة الكوادر المؤهّلة عسكرياً وأمنياً، إضافة إلى الخلافات الداخلية والضعف غير المسبوق في قمّة الهرم التنظيمي، على مستوى الفرع اليمني والتنظيم الأمّ. في ظلّ كلّ ذلك، يبدو من الصعب على جيل “القاعدة” الحالي تجاوز هذه المشاكل للعودة بالتنظيم إلى وضعه السابق.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)