يحيى دبوق
مع تعليق بنيامين نتنياهو مسار ما وُصف بـ«الانقلاب القضائي» في إسرائيل، تنفتح الأزمة على مرحلة جديدة لا تزال غير واضحة المعالم. إذ على رغم الارتياح الذي خلّفته تلك الخطوة، تظلّ يد المعارضة على الزناد تحسّباً لعودة الائتلاف الحكومي إلى خطّته الأصلية متى سنحت له الفرصة. على أن الثابت إلى الآن هو أن نتنياهو وشركاءه أدركوا محدودية قدرتهم على فرض إرادتهم على الآخرين، من دون أن يعني ذلك انتفاء أسباب الأزمة التي تظلّ قابلة للتجدّد في أيّ وقت
ad
انعكس قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تأجيل خطّة التعديلات القضائية، تهدئة نسبية في شوارع تل أبيب ومؤسّساتها وقطاعاتها المختلفة، بعدما كادت حركة الاحتجاجات تصل إلى حدّ الشلل الكامل لـ«الدولة». إلّا أن تلك الخطوة لن تكون كفيلة بإنهاء الأزمة، وخصوصاً أن هذه الأخيرة ليست مقتصرة فقط على خلاف حول تشريعات أو تعديلات في الصلاحيات، بل هي متّصلة بانقسامات على الهوية وأسلوب العيش والإيديولوجيا والتطلّعات وتفسير الواقع والماضي والحاضر، بين جهات فاشية دينية وأخرى علمانية. إزاء ذلك، يمكن إيراد الآتي:
أوّلاً: لم يعلن نتنياهو استسلام الائتلاف أمام مُعارضيه، بل مثّلت خطوته محاولة لامتصاص الغضب، مع ترك الباب مفتوحاً للعودة إلى التعديلات القضائية، في حال هدأت الأمور. ومع ذلك، فإن التأجيل يحمل وجهاً «استسلامياً»، وهو قد يتحوّل إلى إلغاء في حال كان التقدير أن المحتجّين سيعودون إلى الشارع بزخم أكبر، إن قرّر الائتلاف استئناف العملية التشريعية. وعليه، يمكن القول إن التهدئة تظلّ مؤقّتة، في انتظار متغيّرات قد تكون أكبر وأشمل وأكثر حدّة. في المقابل، يسود اعتقاد معتدّ به بأن نتنياهو كان ينتظر فرصة الانفلات من قبضة شركائه في الحكومة، بعدما تسبّبت خطواتهم بضرب المصالح الإسرائيلية داخلياً وخارجياً، فيما الذي حال دون تراجعه إلى ما قبل مساء الإثنين هو انتظاره أن يتلقّى عرضاً ما من خصومه السياسيين، يمكّنه من الإفلات من المحاكمة الخاصة به بتُهم رشى وفساد، أو متغيّر ما يتيح له إلغاء التشريعات من دون التسبّب بإسقاط الحكومة. هذه الفرصة تَوفّرت له بقوّة يومَي الأحد والإثنين، حيث بدا بإمكانه تعليق العملية التشريعة من دون أن يستجلب تداعيات سلبية مباشرة على حكومته، ولا سيما أن أيّاً من العروض لم يأتِه من الجانب الآخر. وعلى رغم ما تَقدّم، يمكن القول إن الحكومة ورئيسها مُنيا بهزيمة مدوّية، في حين يُقدَّر أن لا تخبو الاحتجاجات سريعاً، وأن تتراجع تدريجياً، وخاصة بعد الانتصار الذي حقّقته من دون أيّ مقابل، على أن تعود في حال قرّر الائتلاف استئناف مسار التعديلات.
ad
ثانياً: وصلت الأزمة في إسرائيل إلى حدّ التسبّب بشلل كامل في العديد من المؤسّسات والقطاعات، بل وبلغت شراراتها مؤسّسة الجيش التي برزت تحذيرات من إمكانية تراجع الجاهزية العملياتية لسلاحَي الجوّ والاستخبارات فيها تحديداً، وخصوصاً أن هذين يعتمدان بشكل رئيس على جنود الاحتياط الرافضين للخدمة، والذين تحوّل «تمرّدهم» إلى أمر طبيعي، يَعسر معه إجراء أيّ مساءلة كونه واسع النطاق، وصولاً إلى تمدّده في مجال الخدمة الإلزامية والنظامية. وممّا زاد الطين بلّة، إقدام نتنياهو على إقالة وزير الأمن، يوآف غالنت، بعدما أعلن الأخير رفضه التعديلات القضائية ربطاً بتداعياتها المدمّرة على الجيش واستعداده القتالي. ومثّل ذلك خطأ فادحاً قلَب التموضعات، ودفع الجميع من مؤسّسات وقطاعات إلى الاتّحاد الكامل ضدّ ائتلافه. ولذا، لم يكن أمامه أيّ خيار إلّا التراجع، الذي أظهرت مكوّنات الحكومة تفهّماً له.
ad
لم يتسبّب تراجع نتنياهو بموجة استقالات كان لوّح بها عدد من مسؤولي الائتلاف ووزرائه وحتى أعضاء حزب «الليكود»
ثالثاً: لم يتسبّب تراجع نتنياهو بموجة استقالات كان لوّح بها عدد من مسؤولي الائتلاف ووزرائه وحتى أعضاء حزب «الليكود». ومردّ ذلك أن الجميع أدركوا محدودية القدرة على فرض الإرادة على الآخرين من دون الاعتناء بمصالحهم، وهو ما أنبأ به إعلان وزير القضاء، ياريف ليفين، ورئيسَي حزبَي «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وغيرهم، موافقتهم على التأجيل، على رغم تأكيد بن غفير أنه استحصل على «جائزة ترضية»، متمثّلة في وعد من نتنياهو بتشكيل «الحرس الوطني»، وجعْله تحت إمرة وزير «الأمن القومي».
ad
رابعاً: بات الحؤول دون سقوط حكومة اليمين هو المطلب الأوّل لمعظم مكوّنات الائتلاف، وإنْ بثمن تأجيل التشريعات التي كانت لتُمكّن الفاشيين من وضع اليد على القضاء والقرار في إسرائيل، بلا منازع. ومن هنا، وحتى ولو كان لاحتمال إقدام واحد من تلك المكوّنات على الاستقالة من الحكومة أن يتحقّق، فإن التقديرات لم تذهب إلى إمكانية السماح بسقوطها في «الكنيست» خشية أن «يُهدم الهيكل» على مَن فيه. كما أن التقدير بأن الذهاب إلى انتخابات جديدة ربّما يؤدّي إلى سقوط اليمين وعودة الآخرين إلى الحُكم، كان حاضراً ومانعاً ورادعاً لأيّ «تمرّد» في صفوف الائتلاف. وفي هذا الإطار، تشير استطلاعات الرأي إلى ما يشبه «انكساراً» متوقّعاً لحزب «الليكود» في حال إجراء الانتخابات الآن، من دون استبعاد أن لا يحقّق الائتلاف الحالي الأغلبية، في ظلّ تراجع كبير في حظوظه بأكثر من عشرة مقاعد.
خامساً: تَبيّن أن ضغوط الولايات المتحدة ساهمت كثيراً في تمكين نتنياهو من الضغط بدوره على مكوّنات ائتلافه من أجل تأجيل التعديلات، وهو ما أكّده مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لصحيفتَي «نيويورك تايمز» و«هآرتس»؛ إذ «في الساعات الـ48 التي سبقت بيان نتنياهو، نقل السفير الأميركي، توم نيدس، رسائل (بالجمع) حول هذا الموضوع من الرئيس الأميركي، جو بايدن»، تحثّ «القيادة الإسرائيلية على أن تتوصّل إلى حلّ وسط في أسرع وقت ممكن»، وتؤكد أن «التسوية هي المسار المفضَّل لإسرائيل ومواطنيها»، وأن «دعم الولايات المتحدة لأمن إسرائيل وديموقراطيتها مضمون»، في ما يمثّل تنبيهاً وإنذاراً أكثر من كونه نصيحة. ووفقاً لما نقلته «هآرتس» عن نيدس، فإن «جائزة نتنياهو بعد تراجعه، ستكون دعوته إلى لقاء بايدن في البيت الأبيض، وهو ما كان يسعى إليه في الأشهر الثلاثة الأولى من عمر حكومته».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية