أثار إرسال الولايات المتحدة الأمريكية حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، تساؤلات حول الأهداف التي ترمي إليها واشنطن، خاصة في ظل تفوق الجيش الإسرائيلي نظريا على الفصائل الفلسطينية بغزة من حيث العدد والسلاح.
ووصلت حاملة الطائرات الأمريكية “جيرالد فورد” إلى المنطقة في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد أربعة أيام فقط من اندلاع عملية “طوفان الأقصى”.
كما أرسلت بريطانيا قطعتين بحريتين إلى المنطقة، في أشبه بتحالف ثلاث جيوش كبرى لمواجهة حركة فلسطينية محاصرة في أكبر تجمع سكاني مكتظ في العالم.
ـ ردع إيران و”حزب الله”
يمثل الهدف الرئيسي المعلن لإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد في ردع إيران و”حزب الله” اللبناني من المشاركة في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، ودعم حركة حماس بأي شكل من الأشكال، بما فيها إرسال الأسلحة للمقاومة الفلسطينية.
وهذا ما عبر عنه صراحة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية باتريك رايدر، الذي قال في تصريح لقناة “كان” العبرية الحكومية، إن “الغرض من إرسال حاملة الطائرات جيرالد آر فورد، هو في المقام الأول إظهار الدعم لإسرائيل، ولكن أيضًا إرسال رسالة ردع إلى إيران وحزب الله مفادها: “لا تصعدوا الوضع”.
ويؤكد ذلك، ما صرح به العميد الركن هشام جابر، الضابط اللبناني المتقاعد، لقناة محلية، أن “واشنطن اتصلت بالحكومة اللبنانية وطلبت منها أن تبلغ حزب الله أن أي تحريك للجبهة الجنوبية (اللبنانية) سيجبرها على مساندة إسرائيل”.
واعتبر المحلل السياسي الاستراتيجي هذه الرسالة بمثابة تهديد بقصف الطائرات الحربية الأمريكية معاقل حزب الله في لبنان وبالأخص الضاحية الجنوبية في بيروت.
إذ تشهد الجبهة الجنوبية في لبنان اشتباكات محدودة ومتفرقة بين حزب الله ومقاومين فلسطينيين من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة ثانية، أوقعت عددا من القتلى والجرحى.
ومن شأن تسخين هذه الجبهة تشتيت تركيز الجيش الإسرائيلي حربه على غزة، لذلك تلعب حاملة الطائرات الأمريكية دورا في تثبيت الجبهة اللبنانية وحتى السورية وردع أي هجوم لحزب الله أو إيران على إسرائيل من الشمال.
وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انتقد هذه الخطوة قائلا “لا أفهم لماذا تذهب الولايات المتحدة بمجموعة حاملة الطائرات إلى البحر المتوسط. لا أفهم حقا مغزى هذا. هل سيقصفون لبنان أم ماذا؟”.
وأضاف “أم أنهم قرروا محاولة تخويف أحد؟ هناك أشخاص لم يعودوا يخافون أي شيء… مثل هذه التصرفات تؤجج الوضع بالطبع”.
ـ توفير خيارات عسكرية
توفر حاملة الطائرات جيرالد فورد خيارات عسكرية متعددة للولايات المتحدة، فبالإضافة إلى كونها استعراض للقوة الصلبة أمام الأعداء وحتى الأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط، فيمكن لها أن توفر الذخائر للجيش الإسرائيلي، وحتى الطائرات الهجومية والمقاتلة من نوع إف 35، وإف16، وإف 15.
وفي حال تعرض القواعد العسكرية الجوية الإسرائيلية بقصف بالطائرات المسيرة أو الصواريخ، فيمكن لحاملة الطائرات أن تشكل ملاذا آمنا مؤقتا للطائرات الحربية الإسرائيلية.
وفي ظل حديث عن وجود نحو 20 إسرائيليا يحملون الجنسية الأمريكية محتجزين لدى كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، فمن المتوقع أن تسعى واشنطن لمحاولة تنفيذ عملية عسكرية محدودة لتحريرهم.
الخيار الآخر وهو القيام بعمليات إجلاء للمواطنين الأمريكيين من المطارات والموانئ الإسرائيلية، لكن ليس هناك بعد حديث عن إجلاء المواطنين الأمريكيين من أصول فلسطينية من قطاع غزة، رغم وجود نداءات لإنقاذهم من القصف الجوي والمدفعي الذي يتعرض له القطاع.
كما يمكن للولايات المتحدة أن تشارك في قصف قطاع غزة، لمجرد الاستعراض العسكري وتجريب أسلحة جديدة، وتدريب طياريها ومقاتليها الشباب على أجواء الحرب الحقيقية.
ـ حملة انتخابية
لن يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أفضل من حرب غزة لتعزيز شعبيته في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل، والذي يسعى خلالها للفوز بولاية رئاسية ثانية، خاصة وأن نتائج سبر الآراء مازالت تضع الرئيس السابق دونالد ترامب، في المقدمة.
ففي ظل تدني شعبيته إلى ما دون 40 بالمئة، ووجود قتلى ومحتجزين أمريكيين في هجوم كتائب القسام على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر، يسعى بايدن لكسب تأييد اللوبي اليهودي المتنفذ في الولايات المتحدة، عبر إظهار أكبر دعم ممكن لإسرائيل، حتى وإن لم تكن تحتاجه.
وإرسال حاملة الطائرات إلى شرق المتوسط، رسالة للداخل كما للخارج، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية مواطنيها وحلفائها.
لكن هذه الخطوة قد تكون سلاح ذو حدين على الناخب الأمريكي، الذي لا يريد تورط بلاده مجددا في حروب الآخرين، خاصة وأن حربي العراق وأفغانستان كلفتا الولايات المتحدة آلاف القتلى وتريليونات الدولارات من الخسائر المادية.
ناهيك أن الحزب الديمقراطي نفسه منقسم بين تيار داعم لإسرائيل، وآخر رافض لسياستها العنصرية.
ـ إيقاف تدخل أي طرف
حاملة طائرات تلعب دورا أشبه بمن يحاصر مسرح الجريمة لمنع أي طرف آخر من التدخل لإيقاف ارتكاب جريمة أمام مرأى الناس وسمعهم.
فإسرائيل أوقفت الماء والكهرباء والوقود عن قطاع غزة، وقصفت معبر رفح لمنع وصول المساعدات الإنسانية من مصر، وشرعت في قصف المدنيين بكل وحشية، في محاولة لتهجيرهم.
وكل هذه المجازر تحدث أمام مرأى ومسمع العالم، وواشنطن تحاول عبر حاملة الطائرات أن تتيح للجيش الإسرائيلي الاستفراد بقطاع غزة لتنفيذ ما يريد دون أي تدخل دولي لوقف هذه الجرائم، التي لا تسعى فقط للقضاء على حماس بل تطهير غزة من الفلسطينيين.
فلطالما كان غزة غصة في حلق الإسرائيليين، حتى رئيس وزرائها السابق إسحاق رابين، قال “أتمنى أن أستيقظ ذات يوم وأجد أن غزة غرقت في البحر”.
لكن هذه المرة يسعى الجيش الإسرائيلي تحت غطاء حاملة الطائرات الأمريكية على أن تغرق غزة تحت الأنقاض.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم