في الوقت الذي تكثف الولايات المتحدة الأمريكية من عقوباتها الاقتصادية على سوريا، خاصة بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، بدأت واشنطن في تقديم عروض سياسية للضغط على الحكومة.
العروض التي جاءت على لسان المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري تتضمن الذهاب إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 وإنجاز دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي بعد تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة، والقبول بالقرارات الدولية”.
وقال مراقبون إن “أمريكا تحاول الضغط على سوريا لقبول عروضها السياسية، لكن دمشق قادرة على تحمل كل هذه العقوبات الاقتصادية، وسترفض أي حلول تقدمها واشنطن”.
عروض أمريكية
وقال جيفري، في لقاء مع عدد من السوريين بالخارج عبر الفيديو، إن العقوبات الأمريكية ضد دمشق “ساهمت في انهيار قيمة الليرة السورية”، وأن “النظام السوري لم يعد قادرا على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة، وعلى تبييض الأموال في المصارف اللبنانية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان أيضا”.
وأضاف أن “الكونغرس الأمريكي وقف وراء (قانون قيصر)، وأن العقوبات المشمولة بقانون حماية المدنيين السوريين، ستطال أي نشاط اقتصادي بشكل تلقائي، وكذلك أي تعامل مع النظام الإيراني”.
وأشار جيفري في هذا السياق، إلى أن بلاده قدمت للرئيس السوري بشار الأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وأنه إذا “كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض، فواشنطن تريد أن ترى عملية سياسية ومن الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام”.
وكشف صحيفة “القبس” الكويتية عن عرض جيفري، مشيرة إلى أنه “يقضي بالذهاب إلى الحل السياسي لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 وإنجاز دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي بعد تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة، والقبول بالقرارات الدولية”، مؤكدة أن الحكومة المنتخبة القادمة هي صاحبة القرار بذلك، وبالتالي فإن عرض واشنطن هو التزام الأسد ببيان “جنيف 1″، الذي يقول إن بقاءه في السلطة غير ممكن.
سوريا ورفض المقترحات الأمريكية
غسان يوسف، المحلل السياسي السوري قال إن “هذه العروض الأمريكية ليست جديدة على دمشق، حيث عرضت الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا عروضًا مشابهة في عام 2003 بعدما احتلت العراق، من بينها فك الارتباط بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، كذلك مع إيران ولم يقبل الرئيس الأسد بها”.
وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “أمريكا اليوم عرضت على الأسد شروطًا منها فك الارتباط مع إيران والمقاومة اللبنانية، وكذلك المقاومة في فلسطين، لكن سوريا في وضع يسمح لها برفض هذه المقترحات، حتى في ظل العقوبات الاقتصادية القوية”.
وتابع: “سوريا الآن لديها حليف دولي قوي، وعضو في مجلس الأمن الدولي وهو روسيا، ودائمًا ما يكون هنا تنسيق بين سوريا وروسيا في هذه الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن “قانون قيصر لا يستهدف سوريا فقط بل إيران وروسيا والصين وكل البلدان العربية والأجنبية التي تريد أن تعيد العلاقة مع سوريا، وتشارك في ملف الإعمار”.
وأكد أن “الشروط التي تعرضها أمريكا لن تطبق في سوريا، حتى لو تم فرض عقوبات اقتصادية، خاصة أن دمشق يمكنها تجاوزها باعتبارها دولة زراعية يمكنها الاعتماد على نفسها، والاكتفاء ذاتيًا”.
وأنهى حديثه قائلًا: “متأكد أن العروض الأمريكية ستذهب في النهاية هباءً منثورًا، باعتبار أن سوريا ستتأقلم مع العقوبات الاقتصادية، وستسير وفق الخطة السورية المرسومة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر”.
هدف حقيقي
من جانبه قال الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي والعضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، إن “هذا النوع من التصريحات الذي أدلى بها جيفري هو قديم جديد في آن، فهذا العرض قُدّم إلى سوريا مرارًا وتكرارًا عبر أقنية وشخصيات سياسية ودبلوماسية مختلفة”.
وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “هذا العرض من حيث الجوهر قدمه كولن باول في زيارته الشهيرة إلى دمشق عام 2003، حيث أراد آنذاك أن يستثمر احتلال العراق لهز العصى في وجه سوريا، ومطالبتها بتغيير سلوكها في المنطقة”.
وتابع: “كما عاد المضمون ذاته ليطرح بعد مؤامرة اغتيال الحريري التي أراد الأمريكيون أن يبنوا على تداعياتها بإطلاق الصيغة الشهيرة: تغيير في النظام وليس تغيير النظام، وعادت العروض ذاتها لتمرر إلى القيادة السياسية السورية بأوقات وصيغ مختلفة، وعبر وسطاء متعددين، كتركيا أردوغان وقطر والسعودية وفرنسا وغيرهم”.
واستطرد: “وفي كل مرة كان الهدف دفع سوريا إلى الموافقة على إنهاء حالة العداء مع إسرائيل مع احتفاظ الأخيرة بالجولان المحتل، أو الانسحاب الجزئي أو إعادة الانتشار فيه، فضلًا عن المطلب الأساسي وهو تأمين الغطاء والموافقة السورية على تصفير حقوق الشعب الفلسطيني، كما عاد هذا الطرح ليطرح في بداية الأحداث في سوريا ضمن جوهر المقاربة ذاتها”.
وأشار إلى أن “هذا النوع من الطروحات الذي طالما تضمنته الرسائل المباشرة أو غير المباشرة الموجهة لسوريا، والذي يندر عمليًا أن يخرج إلى حيز العلن، يشير الى ثلاثة معطيات أساسية، الأول أن الهدف الحقيقي من وراء دعم الولايات المتحدة للإرهابيين في سوريا، ومن يسمون أنفسهم بالمعارضة من سياسيين ينشطون في الخارج، هو هدف جيوبوليتيكي بحت، ويتعلق بثني سوريا عن سياساتها المناوئة للاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الامريكية الداعمة له، ولا علاقة له من قريب ولا من بعيد بقضايا حقوق الانسان، بل أن تلك الشعارات ليست إلا واجهات خاوية لضغوط تصب في إطار المصالح الأمريكية – الإسرائيلية”.
وتابع: “والثاني أن المجموعات المعارضة في الخارج، والمرتبطة بالغرب ووكلائه الإقليميين، هي رقم بسيط وهامشي جداً في معادلة الضغوط الموجهة ضد سوريا، وأن التخلي عنهم هو أمر واقع سيتم تظهيره عند أقرب منعطف سياسي، والثالث يقول إن الولايات المتحدة تطرح مثل هذه الطروحات عندما تشعر أن الحلول الصفرية فشلت، ومحاولتها لكسر الإرادة السورية لم تصل إلى اي مكان”.
مقايضة أمريكية
وأكمل: “كما تطلقها في مستهل حزمة جديدة من الضغوط التي تطرحها للمقايضة، كما في حالة تصريحات جيمس جيفري المتزامنة مع بدء تطبيق قانون قيصر، كما أن الولايات المتحدة تحاول عبر هذه التصريحات أن تعرض على سوريا إمكانية نقل منظومة تحالفاتها من ضفة إلى أخرى بين الشرق والغرب، بصورة تحاكي التحول المصري في سبعينيات القرن المنصرم”.
وأكد دنورة أن “الرفض السوري لجوهر الطرح الأمريكي لا ينطلق من رؤية مبدئية سياسية فقط، ولا يتعلق بالتزامها وتمسكها بالتحالف العضوي مع حلفائها التاريخيين فحسب، بل يتعلق أيضا بقراءة فيها قدر هام من الواقعية السياسية من منظور استشرافها للمستقبل، فأي حل لا يقوم على أساس عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي هو تقنيع للأزمة بدلاً من حلها”.
ومضى قائلًا: “وهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الحتمية التي تعتبر معبراً لا مفر منه إلى عتبة السلام الحقيقي، فأي سلام لا يحمل مضمون استعادة الحقوق إلى أصحابها لن يكون إلا حبراً على ورق، ولن يفضي إلى إنهاء الصراع، بل فقط إلى كبته وتأجيله وربما تفاقمه في مرحلة لاحقة”.
وأنهى حديثه قائلًا: “لذلك فالجواب السوري سيكون ذاته دائما من منطلق مبدئي وبراغماتي على حد سواء السلام يكون عادلاً وشاملاً وقائماً على الشرعية الدولية ويعيد الأرض والحقوق أو لا يكون، وإذا كان يوماً، فسيبقى حبيس السطور ولن يجد طريقه إلى الصدور”.
انتقاد سوري
انتقدت سوريا تصريحات المبعوث الأمريكي، جيمس جيفري، حول الأوضاع الراهنة في سوريا، مشددة على أنها تؤكد أن الولايات المتحدة تنظر للمنطقة بعيون إسرائيلية، كما أنها تمثل اعترافا من واشنطن بمسؤوليتها عن معاناة الشعب السوري.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية إن “تشديد العقوبات هو الوجه الآخر للحرب المعلنة على سوريا بعد ترنح المشروع العدواني أمام الهزائم المتتالية لأدواته من المجموعات الإرهابية”، وذلك حسب وكالة الأنباء السورية “سانا”.
وأضاف المصدر أن “هذه التصريحات تؤكد مجددا أن الولايات المتحدة تنظر للمنطقة بعيون إسرائيلية، لأن المطالب التي يتحدث عنها جيفري هي مطالب إسرائيلية قديمة متجددة لفرض سيطرتها على المنطقة”.
وتابع: “هذه السياسة الأمريكية التي تشكل انتهاكا سافرا لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني سوف تفشل مجددا أمام إصرار السوريين على التمسك بسيادة وطنهم واستقلالية خياراتهم السياسية والاقتصادية”.
وأقرت الإدارة الأمريكية، مؤخرا، “قانون قيصر” الذي يدخل حيز التنفيذ هذا الشهر، ويحمل اسما مستعارا لشخص سوري، “حول ممارسات لا إنسانية للحكومة السورية بحق شعبها.
ويستهدف “قانون قيصر”، بالإضافة إلى الحكومة السورية، جميع الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لسوريا كما يستهدف عددا من الصناعات السورية بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة.
سيريا هوم نيوز /4/ سبوتنك