آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » ما هو “سر غرينلاند” حتى تكون سبباً لحرب عالمية؟ Continue reading at ما هو “سر غرينلاند” حتى تكون سبباً لحرب عالمية؟

ما هو “سر غرينلاند” حتى تكون سبباً لحرب عالمية؟ Continue reading at ما هو “سر غرينلاند” حتى تكون سبباً لحرب عالمية؟

في خطابه أمام مجلس النواب الأميركي عن “حالة الإتحاد”، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكلمات واضحة لا تحتمل التأويل ولا الالتباس بأن غرينلاند هي بمثابة أمن قومي للولايات المتحدة وأن بلاده ستستحوذ عليها إما بالتفاوض أو بوسائل أخرى. قد يتراءى للبعض أن خطوات دونالد ترامب، في مستهل ولايته الثانية، غير مدروسة أو متهورة وأن رئيس الولايات المتحدة الأميركية غريبُ الأطوار وتصرفاته غير مألوفة. ميزة ترامب أنه رجلٌ صريحٌ وينسجم مع شعاره “MAGA /make America great again» أي “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”. وحتى تكون “أميركا عظيمة مجدداً”، في ظل متغيرات جيوسياسية هائلة، على ترامب أن يتصرف بوصفه “رئيس العالم”؛ فأسباب وجود أميركا كأكبر قوة دولياً قابلة للتغير تبعاً لعناصر جيوسياسية وجيواقتصادية بينها الموارد الطبيعية والنقل والتطور التكنولوجي الهائل الحاصل في العالم. في العلم الجيوسياسي القديم، من يُسيطر على المحيطات يسيطر على العالم. ومع اكتشاف النفط، أضيفت الطاقة التقليدية من بترول وغاز على القوة الجيوسياسية للدول. في الماضي، سيطرت بريطانيا على المحيطات فحكمت العالم، ثم سيطرت أميركا على المحيطات والطاقة معاً فحكمت العالم أيضاً. أما اليوم، فالعالم مقبل على تغيير ثوري بكل معنى الكلمة بفعل التكنولوجيا ولا سيما الذكاء الاصطناعي، فمن يتقن الذكاء الاصطناعي ويسيطر على الطاقة والمحيطات يحكم العالم.. وللسيطرة على الذكاء الاصطناعي على الدول السيطرة على (rare minerals) أي المعادن النادرة، وهذا هو لب القضية. الصين أولاً.. لماذا؟ في دراسة لصحيفة “الفايننشال تايمز”، تُسيطر الصين بفارق كبير عن باقي دول العالم على سوق المعادن النادرة الذي يُعد أهم المكونات في صناعة المواد الضرورية المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والصناعات العسكرية الحديثة. ومن دون هذه الموارد لا يُمكن للولايات المتحدة بل من المستحيل أن تبقى وتستمر القوة الأقوى عالمياً خلال الأعوام العشرة المقبلة. فمن أين لأميركا أن تحصل على هذه المعادن وما علاقة جزيرة غرينلاند وبعض الدول الأخرى بالأمر؟ تتفاوض أميركا مع أوكرانيا، كما أصبح واضحاً للحصول على المعادن النادرة، وفي الوقت نفسه، تتفاوض مع جمهورية كونغو الديموقراطية في القارة الإفريقية ومع غيرهما من الدول، إلا أن هذا لا يكفي حاجتها المستقبلية في ظل المعركة الخفية الدائرة بينها وبين الصين من أجل السيطرة على المعادن النادرة ومن بعدها التفوق على عرش العالم. ومن أجل فهم ذلك علينا العودة إلى الجيوسياسة بمفهومها الأكاديمي. من المنظور الأكاديمي على كل دولة قوية تحديد أمنها القومي ومصالحها القومية من خلال موقعها الجيوسياسي. ومن أجل ذلك، على راسمي السياسات في هذه الدول أن يطرحوا على أنفسهم خمسة أسئلة ضرورية تتغير أجوبتهم عليها تبعاً للمتغيرات السياسية أو الاقتصادية أو المناخية أو التكنولوجية، وهي كالاتي: ١- من هم الأصدقاء الحاليين؟ ٢- من هم الأعداء الحاليين؟ ٣- من هم الأصدقاء المستقبليين؟ ٤- من هم الأعداء المستقبليين؟ ٥- كيف نُبرّر تغيير أيٍ من هذه الخيارات السياسية للرأي العام؟ مع توجه الدول الكبرى للسيطرة على المحيطات وغزو الفضاء وخوض غمار حروب الثروات والمعادن النادرة، تسقط المحرمات، فتصبح لعبة الأمم المقبلة أكثر تشويقاً وإثارةً. أما نحن أكثرية الشعوب المتفرجة، فلا سبيل لنا سوى الجلوس على حافة النهر والدعاء أن لا تكون بلادنا تمتلك أياً من المعادن النادرة لقد كان ترامب واضحاً في مقاربته لروسيا وحلف شمال الأطلسي وأوروبا، فهذه المنطقة من العالم ليست أولوية بعد الآن لأميركا في خضم صراعها الجيوسياسي مع الصين على النفوذ والاقتصاد والمعادن والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. فالحرب الباردة انتهت، وروسيا لم تعد العدو الأول والأخطر، وها هي تقاتل على أرضها لاستعادة منطقة احتلها الأوكرانيون، بعدما عجزت عن هزيمة أوكرانيا عسكرياً. ولأنها لم تعد تشكل تهديداً حقيقياً، نعى الرئيس الأميركي حلف شمال الأطلسي الذي سيختفي قريباً ويتحول إلى قوة أوروبية.. الصراع على القطب الشمالي لمعركة الولايات المتحدة مع الصين وسائلها وأساليبها وقوانينها المبنية على التفوق في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والقوة العسكرية، وهذا يعني السيطرة على المحيطات الجديدة في القطبين الشمالي والجنوبي، ما يعني فتح طرق ومعابر شحن بحرية جديدة في المستقبل القريب، وخوض السباق إلى الفضاء، وكلاهما يصبان في خانة السيطرة على المعادن النادرة والتي تبدأ بغرينلاند ولا تنتهي في كوكب المريخ أو القمر. وعلى عكس القارة القطبية الجنوبية (Antarctica)، فإن المنطقة المعروفة بالمحيط المتجمد الشمالي (Arctic circle) تحكمها الدول المحيطة بها وهي روسيا وكندا والدانمارك من خلال غرينلاند؛ النروج وآيسلاند، وأيضاً الولايات المتحدة الأميركية من خلال أراضيها وسواحلها ومياهها الإقليمية، التي تمتد لمسافة 12 ميلاً بحريًا (22.2 كيلومترًا) في البحر. ويخضع بقية المحيط المتجمد الشمالي لسلطة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبسبب التغير المناخي المتسارع، يُقدّر العلماء أن المحيط المتجمد الشمالي سيشهد أول صيف Ice free أي خالٍ من الثلوج خلال السنوات القليلة المقبلة، وهذا يعني في علم الجيوسياسة اكتشاف ممرات مائية جديدة، عسكرية ومدنية، من شأنها أن تزيد نفوذ من يسيطر عليها وخصوصا غرينلاند الموجودة في وسط الدائرة القطبية. فبحسب الأرقام الصادرة من (Arctic ship Traffic Data) ارتفع عدد السفن العاملة في المحيط المتجمد الشمالي بنسبة ٣٧ بالمئة بين ٢٠١٣ و٢٠٢٣. إقرأ على موقع 180  أزمة الطاقة العالمية.. لا بد من دور أكبر للحكومات (2) ويُقدّر العلماء أيضاً أن المحيط المتجمد الشمالي بما فيه غرينلاند غنيٌ جداً بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن ومياه عذبة وثروة سمكية إلخ.. أما غرينلاند التي يعتبرها ترامب أقرب جغرافياً إلى أميركا من أوروبا فهي غنية جداً بالمعادن النادرة، وأظهرت دراسة حديثة للإتحاد الأوروبي وجود ٢٥ من أصل ٣٤ من المعادن النادرة على هذه الجزيرة ويُقدر ثمنها بنحو ٢.٥ تريليون دولار. هذه الأسباب وغيرها تجعل غرينلاند مهمة لأميركا في ظل التغيير الجيوسياسي الحاصل دولياً. تعاون روسي صيني شمالاً! في هذا السياق، رصدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تزايد التعاون الروسي الصيني في المحيط المتجمد الشمالي، ما دفع الجيش الأميركي إلى وصف هذا التقارب بـ”المقلق جداً” وخصوصاً أن الصين تعتبر نفسها من الدول القريبة من القطب الشمالي (Arctic) وتريد إنشاء ما تطلق عليه “طريق الحرير القطبي”. أما روسيا التي تُعيد إحياء نشاطها العسكري في المحيط المتجمد الشمالي منذ نحو عقد من الزمن، فهي تُسيطر على ما يقارب ٥٣ بالمائة منه، بحسب حجمها الجغرافي. أما ترامب فيسعى جاهداً إلى ضم غرينلاند ومن بعدها كندا لزيادة حصة أميركا في المحيط والثروات والطرق البحرية. أما المحيط المتجمد الجنوبي المعروف بـ(Antarctica) فيُعتبر المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تملكها لا الدول ولا الأفراد ولا الشركات، برغم وجود بعثات علمية بحتة من مختلف البلدان الموقعة على معاهدة (Antarctic) عام ١٩٥٩ لمدة ١٠٠ عام والتي تُحظّر الوجود العسكري أو التجارب العسكرية أو حتى التخلص من الإشعاعات النووية أو استخراج المعادن والنفط. وينتهي أجل هذه المعاهدة في العام ٢٠٦٩. هل تكون المحيطات وثرواتها الهائلة سبباً في اندلاع الحرب العالمية الثالثة؟ الجيوسياسة هي لعبة النخبة على هذا الكوكب. قلة قليلة من الدول لها الحق بأن تكون جزءاً من لعبة لها قوانينها وأصولها. في العام ١٩٤٦، عرض الرئيس الأميركي هاري ترومان شراء غرينلاند مقابل ١٠٠ مليون دولار من الذهب. وفي العام ٢٠١٩ عرض دونالد ترامب شراء هذه الجزيرة ولكن جائحة كورونا أوقفت حلمه. مع توجه الدول الكبرى للسيطرة على المحيطات وغزو الفضاء وخوض غمار حروب الثروات والمعادن النادرة، تسقط المحرمات، فتصبح لعبة الأمم المقبلة أكثر تشويقاً وإثارةً. أما نحن أكثرية الشعوب المتفرجة، فلا سبيل لنا سوى الجلوس على حافة النهر والدعاء أن لا تكون بلادنا تمتلك أياً من المعادن النادرة.

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_ 180Post

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هيثم مناع: سياسة القتل والتنكيل نتاج مباشر لخطاب الكراهية

    «القتل يبدأ بالكلمات». المذابح المروّعة التي وقعت في الساحل السوري أكّدت مرة أخرى هذه الحقيقة المرّة التي يعرفها جيداً الدكتور هيثم مناع، انطلاقاً ...