خِطاب السيّد نصر الله الذي ألقاه مساء أمس الجمعة بمُناسبة ذكرى انتصار حرب تمّوز الـ14 كان حافِلًا بقضايا على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة مثلما هو الحال في مُعظم خِطاباته، لكنّ هُناك ثلاث قضايا يَجِد المُراقب بُدًّا مِن التوقّف عندها لحداثتها، ولما يُمكن أن تُبطّنه مِن مُؤشّراتٍ مُستقبليّةٍ:
-
الأولى: التّركيز على وجود مُؤامرة حقيقيّة لإسقاط “الدولة اللبنانيّة” بدأت بإسقاط حُكومة حسان دياب، وحاولت وتُحاول إسقاط مؤسّسة الرّئاسة في شخص العماد ميشال عون، وإكمال هذا السّيناريو بإسقاط مجلس النوّاب اللبناني.
-
الثّانية: إشعال فتيل الحرب الأهليّة لنسف السلّم الأهليّ، وإدخال البِلاد في حالةٍ من الفوضى والفراغ السياسيّ والمؤسّساتيّ بإسقاط الرّئاسات الثّلاث.
-
الثّالثة: عدم استبِعاد عمل تخريبيّ خارجيّ قد تكون خلفه دولة الاحتِلال الإسرائيلي بتفجير مرفأ بيروت، ولهذا يتحتّم مُعارضة استدعاء أيّ لجنة تحقيق دوليّة، أو حتّى مُشاركة خُبراء من مكتب التّحقيقات الفيدرالي الأمريكي في التّحقيق في هذه الجريمة، لأنّ هؤلاء سيعملون على إبعاد التّهمة عن الدولة العبريّة، وحرف نتائج التّحقيقات كما حدث في تحقيقاتٍ مُماثلةٍ في مِلف اغتيال رفيق الحريري.
السيّد نصرالله، ومِن خِلال ما ورد في هذا الخِطاب، يبدو أكثر انشغالًا من أيّ وقتٍ مضى، باحتِمالات مُؤامرة إسقاط الدولة اللبنانيّة عبر بوّابة الحرب الأهليّة، ووجود قِوى داخليّة مُرتبطة بها، وتستعجل تنفيذها وتطبيق السّيناريو السّوري في لبنان، ولهذا حرَص أكثر من مرّةٍ على التّحذير منها، دون أن يُخفِي في الوقتِ نفسه استعداده الكامل لمُواجهتها بقوّةٍ وحزمٍ ومهما كلّف الأمر.
توعّد السيّد نصر الله بعدم السّكوت عن جريمة استهداف الدولة، أو تفجير مرفأ بيروت، وهو الذي لم ولن يَسكُت عن الثّأر لمقتل أحد مُجاهديه في سورية، و”تدفيع” إسرائيل ثمنًا باهظًا إذا ثبت تورّطها في هذا التّفجير الذي أدّى إلى استشهاد 200 لبناني وإصابة أكثر من 6000 آخرين، وتدمير نِصف بيروت، هذه اللّهجة تُوحِي بأنّ السيّد نصرالله يملك معلوماتً خطيرةً، ويستعدّ لتعاطي مُختلف مع القضايا الداخليّة والخارجيّة معًا.
فعندما يُطالب أنصاره، وبهذا الوضوح، كظم الغيظ، وضبط النّفس، والاحتِفاظ بالغضب لأنّه قد تأتي الحاجة إليه “لإنهاء” مُحاولات جرّ لبنان إلى الحرب، فهذا يعني أنّ مرحلة “التّسامح” وإدارة الخدّ الأيسر تتآكل بسُرعةٍ.
انفجار مرفأ بيروت، وطريقة التّعاطي مع تطوّرات الشّارع اللبناني، وتعاظُم عمليّات التّطاول على المُقاومة، خاصّةً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيه اتّهامات ظالمة لها، وتنمّر بعض السّياسيين اللّبنانيين، كلّها مُجتمعة فتحت الباب على مصراعيه امام ظهور ظاهرة تتمثل في توجيه انتِقادات إلى “حزب الله” من خندق الحِرص، أبرزها إهمال الوضع الداخليّ، وعدم إنزال الأنصار إلى الشّوارع لمُواجهة “المُتآمرين” مُنذ اليوم الأوّل، وسمعنا شخصيّةً بارزةً في محور المُقاومة مِثل السيّد أنيس النقاش يُطالب ليس فقط بضرورة تصدّي الحزب للفساد والفاسِدين في الدولة واجتثاثهم، وإنّما أيضًا بأن يكون بمثابة “حُكومة ظِل” لمُتابعة كلّ صغيرة وكبيرة في الدولة لمنع الترهّل واستِفحال الإهمال الأمني والإداري في ميناء بيروت، وبما يسمح لعميل إسرائيلي لدس قنبلة في مخزن نترات الأمونيوم وتفجيره.
خِتامًا نقول إنّنا نشعر بأنّ “حزب الله” يقف على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ، ربّما تكون “أقلّ تسامحًا” في التّعاطي مع الخُصوم اللّبنانيين المُنخَرطين في المُؤامرة الأمريكيّة لتقويض أمن لبنان واستِقراره، والعمل على نزع سِلاح المُقاومة، والتّطاول على الحزب إعلاميًّا، أو مِن خِلال وسائل التّواصل الاجتماعي، بطُرقٍ خرجت عن كُل الخُطوط الحمراء، لتشويه صُورته، وإحداث البلبلة في صُفوف قواعده.
عندما يقول السيّد نصر الله لأنصاره احتَفِظوا وحافِظُوا على غضبكم لأنّنا قد نحتاج إليه في المُستقبل المنظور، فإنّ هذا يعني نِهاية مرحلة وبداية أخرى، وبأسلوبِ تعاطي مُختلف أكثر حزمًا، بعد أن طفح الكيل أو أوشَك.. واللُه أعلم.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 15/8/2020