عبد السلام بنعيسي
منذ بداية العدوان على قطاع غزة وصواريخ حزب الله ومسيراته تنهال على هضبة الجولان السورية المحتلة وتقوم بدكها دكا دكا. فبالإضافة إلى الشمال الفلسطيني الذي أفرغه الحزب، بشكل شبه كلي، بصواريخه ومسيراته من المستوطنين، وعاث فيه تدميرا وتخريبا، يقوم الحزب بضرب القوات الإسرائيلية والمؤسسات الصهيونية المقامة في الهضبة السورية المذكورة. لقد جعل حزب الله من الجولان مجالا لعملياته العسكرية في هذه المواجهة التي يخوضها ضد الكيان الصهيوني نصرة للشعب الفلسطيني، ودعما لمقاومته التي تتصدى لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها عليه ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي…
لاشك في أن توسيع فضاء المواجهة مع العدو الصهيوني ليشمل هضبة الجولان يحمل معنى محددا ويبعث برسالة واضحة للعالم ولدولة الاحتلال والعنصرية. يبدو أن الحزب يريد التأكيد على أن استمرار هضبة الجولان أرضا محتلة لم يعد أمرا مقبولا بالنسبة للمقاومة. هذه أرضٌ عربية، ما يسري على الأرض الفلسطينية المحتلة يتعين أن يسري عليها. تحريرها من الاحتلال، مهمة ينبغي أن تكون منوطةً بكل عربي يشعر بأن من مسؤولياته الوطنية تحرير الأراضي العربية التي لا تزال خاضعة للمحتل الأجنبي.
أن يظل الوضع القائم في الجولان على حاله السابق، وأن يستمر الاحتلال ينعم بالاطمئنان والهدوء وهو في كامل السيطرة على الهضبة ومنهمك ومرتاحٌ في نهب مياهها واستنزاف ثرواتها، هذا الوضع، لم يعد، في ظل المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، مستساغا ولا مقبولا. فكما يحدث التغيير في الواقع، من الطبيعي أن ينعكس تغييرا مماثلا على سلوك الأفراد والمجتمعات. ما كان مقبولا، أو مفروضا في السابق، لا يجوز أن يظل على حاله أبد الآبدين..
المقاومة التي حررت لبنان سنة 2000 وطردت منه القوات الإسرائيلية مهزومة مذلة، والمقاومة التي تمكنت من إفشال المشروع الأمريكي في العراق، وفي سوريا واليمن، والمقاومة التي كانت وراء عملية طوفان الأقصى المجيدة، والمقاومة التي تقارع العدو وتكبده منذ ما يفوق الثمانية أشهر الخسائر الفادحة في القطاع والضفة، هذه المقاومة لن تقبل، منذ الآن، السكوت على استمرار هضبة الجولان محتلة.
لقد تمَّ الشروع في العمل من أجل تحرير هذه الهضبة، والقصف الذي يطال القوات الصهيونية المتمركزة فيها، يندرج في هذا السياق. إنه قصفُ التذكير بواقع الاحتلال، والتمهيد لطرده من الأرض السورية، كما تم طرده من الأرض اللبنانية. قد لا يحدث الطرد غدا أو بعد غد، ولكننا أمام مقدمة للتحرير، وأمام قصفٍ ينبئ بحدوث تحولٍ استراتيجي كبير على هذا المستوى..
لا يمكن تصور أن القصف الذي يطال الجيش الصهيوني في هضبة الجولان من طرف المقاومة اللبنانية يتمُّ دون التنسيق مع الدولة السورية، ويجري خارج إرادتها. المنطق يقول إن كل خطوة تُقْدِم عليها المقاومة اللبنانية، تجري بالتشاور مع القيادة السورية، وبالتنسيق مع أجهزتها الاستخباراتية، سواء العسكرية منها أو المدنية. تحرير الجنوب اللبناني جرى بدعمٍ كامل وشامل من طرف الدولة السورية، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، صرّح مرارا بأن سوريا شريكة في النصر الذي تحقق سنة 2000، وتأكد في سنة 2006..
واستشهادُ عناصر عديدة من خيرة شباب حزب الله في سوريا، دفاعا عن وحدتها الترابية، وعدم رضوخها للإرادة الصهيوأمريكية لا يترك مجالا للشك في أن العلاقة بين الدولة السورية والمقاومة اللبنانية علاقةٌ صلبة ومتينة.. هذه العلاقة المتشابكة تؤكد أن ما يجري من قصف للقوات الإسرائيلية في الجولان يحدث بالتنسيق بين الطرفين.
لقد تعرضت الدولة السورية لحربٍ كونية شُنّت عليها على امتداد ما يفوق العقد من الزمن، ووقع تدمير مؤسساتها وتخريبها، وفُرض الحصار عليها، وباتت تعاني من أزمة حادة على كافة المستويات، وصارت سوريا دولة منهكة، ورغم ذلك، فإن دمشق رفضت رفع الراية البيضاء والاستسلام للمشيئة الأمريكية والغربية، والتحول إلى حزام أمني لكيان الاحتلال والعنصرية.
وحين يقصف حزب الله القوات الصهيونية المحتلة لهضبة الجولان، بتنسيق مع سوريا، فإنه يجسد ويستكمل بقصفه هذا، الصمود السوري في الجولان، ويعبر عن التطلعات نحو تحريره من الاحتلال، وأن لا أمن ولا هدوء ولا استقرار سيعمُّ المنطقة ويشملها، بصيغة دائمة، إن ظلت هضبة الجولان محتلة. كل استقرارٍ أو هدوء في هذه البقعة من الأرض العربية المحتلة هو استقرار هشٌّ ومؤقتٌ، وأنه معرض للاهتزاز في كل لحظة وحين. ولكي يكون الاستقرار دائما ومستتبا، لا بد من إنهاء الاحتلال وإرجاع الأرض إلى السوريين، ذويها.
هذه هي الرسالة التي يوجهها حزب الله للعالم وللكيان الصهيوني في قصفه لهضبة الجولان ونواحيها، وإذا كان بعض الانعزاليين اللبنانيين لا يرضيهم هذا الدور الذي تقوم به المقاومة اللبنانية في غزة وهضبة الجولان، فإن هذا كان هو دأبهم حين كانت نفس المقاومة تقاتل المحتل الصهيوني لطرده من الأرض اللبنانية، فلم يكونوا يهاجمونها ويشككون في حقها في الدفاع عن أرضها، وفي إمكانية انتصارها فحسب، وإنما كانوا يتهمونها، وهي في خضم صراعها مع العدو، بولائها للخارج ولإيران تحديدا، رغم أن ولاءهم هم، لأمريكا، وللماما فرنسا، ولبعض دول الخليج، أكبر من ولائهم لوطنهم لبنان….
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم