| مصعب أيوب
الواقع الآثاري في سورية الغنية بتاريخها وكنوزها يستدعي النقاش، خاصة مع الحرب على سورية، والتي دارت في مناطق غنية بالآثار من حلب إلى تدمر وحمص ودمشق، في المدن والأرياف، وقد تعرضت الثروة الآثارية السورية للعبث والسرقة والتشويه من العصابات التي عاثت فساداً، ومن لصوص الآثار، وجاء الزلزال الذي ضرب سورية ليترك أثره في مواقع عديدة، وقد شهدنا محاولات حثيثة لاسترداد الآثار السورية المنهوبة، وإعادة الحياة وترميم بعض الآثار التي تضررت، واتخاذ الضوابط التي تسعى للحفاظ على الثروة التاريخية الآثارية من عبث العابثين واللصوص.
«الوطن» تفتح ملف الآثار وواقعها وما يتم العمل عليه في حوار خاص مع الأستاذ محمد نظير عوض المدير العام للآثار والمتاحف في سورية، استعرض فيه كل الجوانب ابتداء من الأهمية والتاريخ وصولاً إلى الحرب والزلزال، إلى الإجراءات الحكومية في كل مجال من المجالات.
الموقع المتميز لسورية جعلها نقطة اتصال بين الشرق والغرب، وأقيمت على أرضها ألمع الحضارات البشرية وأقدمها، وهي حضارات يضرب عمق جذورها في التاريخ لما يزيد على 8000 آلاف عام قبل الميلاد، فتنتشر المواقع والمساحات الأثرية التاريخية على معظم مساحة الأراضي السورية وقد زاد عدد تلك المواقع والمباني على 4500 موقع أثري، وتحتضن آثاراً لقرابة أربعين حضارة إنسانية، من إيبلا وأوغاريت وماري، مروراً بالآرامية والفينيقية والأكادية والكلدانية، وصولاً إلى البيزنطية والرومانية والعربية، فباتت سورية كمتحف مفتوح للعالم.
فتحتضن الجغرافيا السورية معالم أثرية شهيرة واصلت الصمود بفخر وعز، إضافة إلى أنها احتضنت الديانات السماوية الثلاث وانطلق منها التصوف إلى جميع أنحاء العالم وقد جذبت إليها الآثاريين من كل أصقاع الأرض.
«الوطن» في حوار خاص مع مدير عام الآثار والمتاحف محمد نظير عوض تستعرض معكم واقع الآثار السورية وماذا حل بها خلال العقد الأخير.
• ما واقع الآثار السورية اليوم؟
في حقيقة الأمر أن واقع الآثار السورية اليوم صعب ومؤلم للغاية ولا تزال الآثار السورية تعاني تحديات عدة، وهي في معظمها نتجت عن الحرب التي شنت على سورية منذ عام 2011، وأيضاً من تداعيات الزلزال الذي ضرب محافظات الشمال والغرب السوري وأدى إلى إحداث أضرار مركبة ومعقدة على الآثار وخصوصاً في مدينة حلب التي كانت تعاني أساساً من صعوبات ومشاكل وأضرار طالتها خلال الحرب.
ويمكننا أن نضيف إلى تلك التحديات أيضاً الواقع الاقتصادي العصيب في سورية والناتج عن الحصار الاقتصادي المفروض على سورية، فالكثير من الأعمال التوثيقية والترميمية وأعمال الصيانة التي نجريها على الآثار السورية تحتاج إلى الكثير من المعدات والكثير من التكنولوجيا الحديثة، وتحتاج أيضاً إلى مواد ولدائن لا تتوافر أحياناً في السوق المحلية ويؤدي الحصار الاقتصادي إلى نقص وتعثر إحضار هذه المواد، وبالتالي يؤدي ذلك إلى بطء في عمليات الترميم إن لم نقل تعثر أيضاً وظهور عقبات عديدة في الحفاظ على تلك الآثار، كما يمكن أن نضيف هنا إنه من جملة تلك الصعوبات أن المؤسسة المسؤولة عن ذلك وهي المديرية العامة للآثار المتاحف تعاني كغيرها من مؤسسات الدولة بحيث تسرب وهاجر الكثير من الخبرات والفنيين الذين فقدناهم خلال السنوات الماضية وبالتالي هذا النقص بالخبرة والعمال المختصين يؤدي إلى ظهور تحديات كثيرة بأنواع مختلفة.
• ما أبرز المواقع الأثرية في سورية وما الأضرار التي لحقت بآثار البلاد منذ بداية الحرب على سورية حتى اليوم؟
الأضرار متنوعة ومركبة وهذا السؤال واسع ويحتاج إلى مساحة كبيرة للإجابة عنه وسأحاول الاختصار، بالحديث عن المواقع الأثرية المنتشرة على كامل مساحة الجمهورية العربية السورية الكثيرة والمتعددة بأحجام مختلفة، فنحن نمتلك مدناً تاريخية بأكملها وتحصينات وتلالاً ضخمة اكتشف فيها العديد من الممالك التي تعود إلى حضارات قديمة ولدينا معسكرات ولدينا مواقع صغيرة ومحطات ومواقع استيطان لإنسان ما قبل التاريخ، فسورية غنية بالمواقع الأثرية على اختلاف أنواعها والتي تؤرخ لعصور مختلفة، ولاسيما أن بداية تأريخ وجود الإنسان في سورية يعود إلى مليون وثمانمئة ألف عام في منطقة الكوم المجاورة لتدمر، ومنذ ذلك الوقت وسورية تشهد تحضراً وتطوراً وانتشاراً لمواقع أثرية وظهوراً لمواقع أثرية أخرى والكثير من المدن والممالك لاحقاً، وفيها تم الكشف عن القرى القديمة التي تؤرخ بأنها تعود للقرن الرابع، ثم المدن والممالك الكبيرة كإيبلا وماري وأوغاريت، حيث ساهمت سورية منذ الاستيطان الأول في المسيرة الإنسانية ومسيرة التحضر البشري في المنطقة، وقد كانت صاحبة دور فاعل في هذا التطور على مدى عشرة آلاف عام من قبل الميلاد حتى اليوم.
والأضرار التي طالت تلك المواقع يمكن الوصول إليها من خلال مواقع التواصل، فبات ذلك معروفاً لدى الجميع، حيث أقدمت مجموعات مسلحة على تدمير العديد من المقامات المقدسة والدينية في ريف دمشق وفي منطقة الرقة وغيرها، والأكثر خطورة كان إقدام بعض المجموعات على عمليات تدمير ممنهجة ومدروسة كما حدث في تدمر، حيث دمرت تلك المجموعات معبد بل ومعبد شمين والعديد من المداخل البرجية والتاترابيل وهذه المعالم من أهم معالم مدينة تدمر الأثرية، كما قاموا بأعمال تجريف لتلال أثرية كما حدث في تل عجاجة في الشمال السوري وتل قرامل في ريف حلب، وهذا التجريف باستخدام الآليات الثقيلة أدى إلى تدميرها وغيابها إلى الأبد، كمن أقدم على حرق ورقة من مخطوط وحيد لا نسخة ثانية له، وبالتالي هذا التجريف أدى إلى دمار سويات أثرية لا يمكن العودة إليها أو لا يمكن استعادة ما تم تدميره مرة أخرى.
إضافة لكل ما سبق فقد نشطت أعمال التنقيب السري أو الحفر الخفي في معظم المساحات التي خرجت عن سيطرة الحكومة وسلطة الأمن في الشمال وفي الجنوب خلال فترة الحرب، فحدث فيها أعمال حفر عشوائية للبحث عن الكنوز وبالتالي أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى السوق السوداء للاتجار بالقطع الأثرية، فأدت هذه الأعمال إلى أضرار مركبة ومعقدة، ومن تلك المواقع التي طالتها الأعمال التخريبية المدمرة: موقع إيبلا الذي تحول إلى قاعدة عسكرية وقام أولئك الأشخاص بإغلاقه وحفر مئات الحفر التي أدت إلى دمار كبير جداً في هذا الموقع المهم في تل مرديخ وبالتالي وصلوا إلى الكثير من القطع الأثرية التي لاقت طريقها إلى الخارج وتم تهربها بطرق غير شرعية بعد أن خرجت تلك المساحات عن سلطة الحكومة.
والموقع الثاني هو مدينة ماري على نهر الفرات في منطقة تل الحريري حيث شوهدت فيه آلاف الحفر التي دمرت السوية الأثرية، وتكرر ذلك في أفاميا وفي تدمر وفي مواقع أخرى، وتقوم المديرية حتى الآن بإجراء الكثير من عمليات المسح والكشف للوقوف على هذه الأضرار في مساحات شاسعة، وهناك مساحات ومناطق تعثر الوصول إليها لأسباب أمنية تتعلق بعدم توافر عامل الأمان والسلامة العامة لمن يصل إلى تلك المناطق حتى الآن، وفي حقيقة الأمر فإن هناك مئات الآلاف من القطع السورية الأثرية وصلت إلى تجار ومهربين وإلى السوق السوداء بطرق غير قانونية وأيضاً عن طريق بعض المنافذ الحدودية التي تسللت إليها يد المسلحين وجعلتها مفتوحة وغير مضبوطة.
سيرياهوم نيوز١_الوطن