في محاولة للحصول على إجابات وافية لأسئلة دول عربية عديدة متوجّسة من صعود «هيئة تحرير الشام» إلى سدة الحكم في سوريا، بعد سقوط سلطة بشار الأسد، يزور وفد من «الجامعة العربية»، دمشق، خلال الأيام المقبلة، حيث سيجري لقاءات مع مسؤولين سوريين، ويتباحث معهم في مستقبل البلاد. ويأتي هذا في وقت أكّدت فيه ست دول أوروبية، بقيادة ألمانيا، تصميمها على رفع العقوبات المفروضة على دمشق، بشكل جزئي، بما يضمن إمكانية استعمالها مرة أخرى في حال لم يتخذ قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، خطوات محدّدة تدور حول قضايا الحريات والحكومة التشاركية، إلى جانب بعض القضايا الإشكالية، وعلى رأسها «أمن الجوار».
وكانت زيارة الوفد العربي، الذي أعلن عنه الأمين العام المساعد لـ«الجامعة»، حسام زكي، مجدولة قبل عقد الاجتماع العربي – الإقليمي – الدولي حول سوريا، والذي استضافته الرياض أول أمس، وشارك فيه وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة أسعد الشيباني، وتمّ خلاله التركيز على ملف الإرهاب، أحد أبرز الملفات التي تشغل دولاً عربية عديدة، أبرزها مصر التي تخشى أن تتحول سوريا إلى ملاذ آمن للإرهاب، في ظل وجود مطلوبين للقضاء المصري في صفوف «الهيئة». غير أن الاجتماع المشار إليه أضاف زخماً أكبر على الزيارة، التي من المقرر أن تنتهي بإصدار تقرير يتم توزيعه على الدول العربية للإجابة على تساؤلات بعض الدول. وإلى جانب مصر، لا تزال دول عربية عديدة تتريث في توسيع قنوات تواصلها مع الإدارة السورية الجديدة، ومن بينها تونس والجزائر والعراق.
من جهتها، تتابع ألمانيا، التي تقود تحالفاً أوروبياً سداسياً يضم، إلى جانبها، فرنسا وهولندا وإسبانيا وفنلندا والدنمارك، ويلقى قبولاً من إيطاليا التي سارعت إلى الانفتاح على دمشق، حراكها لتخفيف العقوبات عن سوريا، اقتداءً بالخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة، بمنح ترخيص لمدة ستة أشهر فقط يتيح استثناءات من بعض العقوبات المفروضة على سوريا، وأبرزها تلك المتعلقة بالتعامل مع الحكومة السورية، ويسمح بالعمل في قطاع الطاقة لإعادة تأهيله. وفي هذا السياق، وزّعت ألمانيا خطة على دول الاتحاد الأوروبي لتسهيل الرحلات الجوية المدنية، وإعادة تقييم العقوبات المفروضة على السلع ذات القيمة العالية، ورفع حظر تصدير تكنولوجيا النفط والغاز، بالإضافة إلى إعادة فتح القنوات المالية مع سوريا، في وقت أعلنت فيه كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، التي شاركت في اجتماع الرياض، أن أوروبا سوف تتبع نهج «خطوة مقابل خطوة» بشأن التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، والرفع التدريجي للعقوبات، الأمر الذي يتوافق مع السياسة التي قرّرت واشنطن انتهاجها.
أعلنت إدارة الهجرة والجوازات استئناف تقديم خدماتها بشكل كامل
وتهدف الخطوات الأوروبية، الألمانية والإيطالية المتوازية نحو دمشق، بشكل أساسي، إلى الخروج من الحلقة المفرغة التي كانت تدور فيها الأزمة السورية خلال السنوات الـ14 الماضية، بشكل يضمن وقف تدفق اللاجئين أولاً، وفتح باب عودة من يرغب في العودة منهم، لتخفيف الضغوط المتزايدة التي فرضتها موجات اللجوء نحو أوروبا، وهو ما يفسّر إسراع وزارة الداخلية الألمانية في تشجيع تسيير «رحلات استكشافية» للاجئين السوريين إلى بلدهم. وفيما أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، تأييدها «السماح للاجئين السوريين بالقيام برحلة واحدة إلى وطنهم من دون أن يؤثّر ذلك في وضعهم كلاجئين في ألمانيا»، رأت أن ذلك «سيسمح بالعودة الطوعية إلى سوريا عندما يتمكّن الأشخاص من الاطّلاع على أوضاع منازلهم، وما إذا كانت لا تزال قائمة، وما إذا كان أفراد عائلاتهم الذين ربما انقطع الاتصال بهم لفترة طويلة، لا يزالون على قيد الحياة، وما إذا كانوا سيشعرون بالأمان في وطنهم».
وعلى خط مواز، أعلنت الخارجية الإيرانية تعيين ممثل خاص لها للشؤون السورية، في خطوة دبلوماسية تهدف إلى استئناف العلاقات بين طهران، التي لعبت دوراً بارزاً في دعم السلطة السورية السابقة، والإدارة السورية الجديدة. ويهدف القرار الذي تم بموجبه تسمية محمد رضا رؤوف شيباني، الذي «يتمتع بخبرة دبلوماسية كبيرة» لهذا المنصب، وفقاً لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى «إجراء مشاورات مع الأطراف الإقليمية والدول الصديقة، وتقديم تقارير دورية حول نتائج هذه المشاورات»، تمهيداً لمواصلة العلاقات مع «أي نظام حكم ينبثق من إرادة الشعب السوري». وشدّد الوزير، بحسب وكالة «تسنيم» الإيرانية، على أن «استقرار المنطقة مرهون بالتعاون بين دولها».
أما على الصعيد الداخلي، فتتابع وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة مشاوراتها مع الفصائل للاتفاق على آلية يتم خلالها حلّ الفصائل ودمجها ضمن هيكلية الوزارة الجديدة التي يتم تشكيلها. وفي هذا السياق، تشير مصادر عربية إلى أن الشرع استمع خلال لقاءات عديدة مع مسؤولين عرب وأوروبيين إلى انتقادات لتعيين بعض الشخصيات غير السورية ضمن هيكلية وزارة الدفاع الأساسية، الأمر الذي يبدو أنه ترك أثراً كبيراً في الآلية التي يتم اعتمادها لبناء الوزارة، إذ يدور الحديث حول «التريّث» في تعيين غير السوريين في مناصب قيادية، والاستعانة بهم في الوقت الحالي ضمن إطار «الاستشارة»، على أن يتولى السوريون بشكل أساسي المناصب المفصلية، بالإضافة إلى فتح الباب لعودة العناصر الذين انشقوا عن الجيش السوري خلال السنوات الماضية إلى عملهم والاستفادة من خبراتهم، والميل نحو تعيين المقاتلين في مدنهم في الوقت الحالي. وفي هذا الوقت، لا تزال تلك المباحثات مستمرة، في ظل وجود إشكالات تقنية عديدة، بعضها مرتبط برغبة بعض الجماعات في الحصول على مكاسب كبرى، ورفض فصائل أخرى (في الجنوب السوري) تسليم أسلحتها في ظل الظروف الحالية، خوفاً من استئثار «الهيئة» بالحكم.
إلى ذلك، أعلنت إدارة الهجرة والجوازات استئناف تقديم خدماتها بشكل كامل، واستكمال طباعة الجوازات التي كانت قيد المعالجة، بالإضافة إلى إعادة جدولة المواعيد السابقة ضمن مواعيد جديدة لضمان سير العمل بسلاسة وتلبية احتياجات المواطنين، حسبما أعلنت «وكالة الأنباء السورية (سانا)». ويأتي هذا الإجراء بعد أكثر من شهر على توقف إصدار الجوازات إثر سقوط النظام السوري وما رافقه من فوضى واعتداءات على مؤسسات الدولة، بما فيها إدارة الهجرة والجوازات التي تعرّضت أجهزتها للسرقة، كما تعرّضت بعض الوثائق فيها للإحراق.
أخبار سورية الوطن١_الأخبار