عبد الله ابراهيم الشيخ
صحفي يمتاز بالشهرة الواسعة , والثقافة العالية والحضور الكامل , ليكون في الصورة المثلى للأحداث التي تدور في وطننا العربي… سأل هذا الصحفي منذ فترة على ” الفيس بوك ” بعض المتابعين من المثقفين والحشريين : ترى لو قدّر لك أن تقابل مسؤولاً كبيراً في دولة من البلدان النامية ( رئيس- رئيس وزراء …) لإجراء حوار صحفي , فهل لك أن تفيدنا عن الأسئلة التي يمكن أن توجهها الى هذا المسؤول؟؟ ويبدو أنها أسئلة تحتاج إلى ( زمرة ) من العرافين والعرافات بالرغم من ثقتنا بأننا لن نستطيع التوصل إلى أجوبة ( مفحمة ) لأن هذا يتطلب دراسة مطولة ومعمقة وحضور فكري وعملي لكي يكون بالصورة المثلى لواقعنا الذي نحياه ولا خيار لنا طالما أن حالنا الإجتماعي يتراجع بسرعة هائلة وأن الأمور- كما يرى كل مثقف- خارجة تماما عن سيطرتها لأسباب كثيرة ومؤلمة حيث أن مثقفنا النهضوي والمخلص وصل إلى حافة اليأس من إمكانية الفعل في الوسط الذي يحياه…. ولعل هذه الأسئلة التي أراد الصحفي توجيهها إلى ذلك المسؤول ربما تكون صالحة لتوجيهها لعدد من الزعماء العرب والأجانب الذين تعاني بلدانهم من حروب وإرهاب و تدمير كالعراق وليبيا واليمن وغيرها من بلدان المعاناة وكلها أسئلة تدخل أجوبتها في غياهب المجهول ولكن لأن الأمور خارجة عن السيطرة ويبدو أن لا خيار لمواطنيها أو مسؤوليها في تقرير ما قد يكون مناسبا” لواقعهم طالما هم يتخبطون في مشاكل لا أول لها ولا آخر. منذ زمن طويل كنا نطالب بالوحدة العربية وكنا نعتقد أن هذا الحلم الجميل لم يكن شبه مستحيل إن لم نقل كان قابلاً للتحقيق بسبب وعي المواطن و قرب الزعيم أو القائد آنذاك من القاعدة الجماهيرية , لكن ما الذي حدث بعدها ؟ كيف انقلب أغلب المواطنين عن هذا ” الحلم الجميل ” ؟ وكيف ابتعد القائد أو الرئيس عن التفكير بهذا ” الحلم ” ؟ ألعل المصائب التي تتالى علينا هي التي أنستنا التفكبر في حلم الوحدة و حلم الإنبعاث لتحقيق واقع أفضل ؟؟ بصورة أخرى هل نحن بحاجة لاستعراض مقدراتنا التي لو خيرنا لتساوينا مع أمم كثيرة هل نحن حاولنا أن نتساءل أين أصبحنا بل أين يجب أن نكون ؟؟.. إن المراقب الموضوعي المخلص لواقعنا والذي يملك الشجاعة يبدي برأيه بكل ثقة سوف يتألم هذا الواقع وهو يعرف أنه كمن ينادي في بئر عميق ليسمع صدى صوته فقط ومن هذا المنطلق لاحظنا أن دولا كثيرة طامعة في استغلال مقدراتنا و خبراتنا و خيراتنا حتى تلك التي لم تكن تطمع في الاعتداء علينا او سرقة ثرواتنا بطريقة ما صارت تتسابق لتظفر بجزء من الغنيمة على لغة الرزق الداشر بيعلم الناس السرقة ولا حاجة بنا لاستعراض تاريخ هذه الأمة وما تعرضت وتتعرض له من غزوات بدءاً من الحملات الصليبية وحتى يومنا هذا وبالتالي فإن لدينا خيارات كثيرة لنتعلم من نكباتنا ولنأخذ الصبر من الأحداث الكبرى التي مررنا بها والتي قد تشكل حافزاً لنا على الخروج من الحضيض الذي تنزلق إليه أو على الأقل الصمود في وجه هذه الأحداث محاولين استغلال ثرواتنا ومواردنا وعلمائنا و مثقفينا المخلصين النهضويين ونرى أنها موجودة لكن معظم نظمنا السياسية تحتكر كل شيء وتقف حائلا أمام محاولات الجيل الجديد المثقف النهضوي الواعي ليمارس فعله في عملية التغيير . في الطرف الآخر من هذه المعادلة نرى دول عربية تملك كل المقومات التي استعرضناها سابقا باستثناء إفساح المجال للنخب المتعلمة والقادرة على التغيير أن تمارس ولو جزءاً بسيطاً من مهامها…وأعني هنا دول الخليج إلى جانب دول أخرى تقف على الحياد ومنها مصر التي شهدت في البداية نهضة رائعة تختلف في الكثير من النواحي التي ما لبثت أن همدت أو تراجعت أو وقفت موقف المتفرج أو العاجز؟ الذي لا يريد أن يكون فاعلاً في الأحداث الدائرة في هذا الوطن …. أما بالنسبة لدول الخليج فهي إما محتلة بصورة ما و بالتالي فإنَّ منابع النفط والغاز ممسوكة بأيدٍ خارجية…ولا حيلة للمسؤولين عملياً في التحكم بها….أصحاب جيوب ممتلئة وثروات خاصة كبرى وعقول ضحلة لا ترى أبعد من بطونها … …صحيح أنه مرحب بهم في أمريكا لكن مرد هذا الترحيب إلى الجيوب الملأى والرؤوس الفارغة .. حتى أن بعض هذه الدول نادى بيترولمنابع الغاز والنفط لكن هذا المشروع فشل لحرص دول معينة على احتكار هذه الثروة لها ولحلفائها ..يضاف إلى ذلك أن هذه الدول بدأت تحتل منابع النفط في البلدان العربية الأخرى كما يحدث في العراق و سوريا وليبيا واليمن والسودان وإن تبدى هذا الاحتلال بصور متعددة… أما بالنسبة لدول الخليج يجب أن ننوه إلى أن هذه الدول تبيع نفطها إلى الولايات المتحدة بصورة رئيسية والغرب بصورة عامة علما أن المبالغ المحققة من وراء هذا البيع تبقى في المصارف الأمريكية على أن تشتري هذه الدول بأثمانها أسلحة متطورة بدل أن تصرفها في سبيل خلق جيل جديد متعلم وشراء وسائل انتاج جديدة كالمعامل وكل مستلزمات الإنتاج التي تساهم في تنشئة طبقة منتجة متعلمة ليتحول البلد إلى منتج بدل أن يكون مستهلكاً دائماً من هنا نلاحظ هذه النظرة الدونية والألوان الذي تنظر به إلينا هذه الدول إلى درجة مطالبتها بتدويل منابع النفط والغاز كما أوردنا وإن كان هذا التدويل قائماً بصورة مختلفة أو مواربة يضاف إليها أنّ! هذه الدول تلجأ إلى زرع فئات ومنظمات مرتبطة بها لاحتلال منابع النفط في بعض البلدان النفطية كما يحدث في سوريا و العراق وليبيا حيث تقوم الفئات المذكورة بالسيطرة بقوة السلاح وبمساعدة الدول الطامعة على منابع النفط واستخراج المخزون بطرق بدائية او باستخدام الوسائل التي كانت على هذه المنابع وتكريرها بنفس الطريقة وبيعها الى الطامعين وما اكثرهم بأسعار زهيدة إلى معلميهم. في ظل هذا الواقع الذي ليس لنا منجاة منه , أو حراك فيه , يتساءلالمراقب : هل ماتت حركات النهضة العربية التي حلمنا بها في طفولتنا ؟؟ صحيح أنه قامت حركات و محاولات كثيرة للنهضة في الوطن العربي لكنهاظلت شكلية تعاني من الفشل بسبب السماح لبلدان أخرى ليس لها مصلحة في استمرار هذه الحركات و إحيائها بالتدخل في هذه الحركات النهضوية إذ لا تلبث أن تجهض و تموت . صحيح أنَّ بعض هذه الحركات ازدهر و امتدَّإلى أوروبا في حقبة ما لكنها تراجعت بفعل حرص الآخرين الذين لا مصلحة لهم في بقائها بالمقابل قد يرى البعض أنَّ اعتماد هذه الحركات علىالاستفادة من التقدم الحاصل في البلدان الأخرى هو إجهاض للنهضة ولعلَّ مرد ذلك يعود إلى عدم قدرتنا على الإختيار الصحيح بطريقة الإستفادة من هذا التطور ولعلَّ هذا يتعارض مع خصوصية العرب الثقافية و الإجتماعية و السياسية و بالتالي خوفهم من أن يتعارض هذا مع قيمهم الثابتة و تقاليدهم التييحرص البعض على عدم المساس بها ” الإرث المقدس ” مهما كان شأنه …… فهل يعني ذلك أنَّ فشل هذه المحاولات يعود إلى فشل أو على الأقلالإحساس بالفشل أولئك الذين حملوا وعلى فترات على عاتقهم راية النهوض و بعث الأمة ؟؟ هل نقول أنَّ المحاولات التي قام بها أولئك الذين يشككون في المعتقداتوالثوابت الإسلامية وهم عرب بالطبع , فحاولوا إقناعنا بأنَّ القرآن نسخةمحوَّرة عن الأنجيل كنبيل فياض و الدكتور صادق جلال العظم و آخرينغيرهم حيث يرى هؤلاء أنَّ التمسك بهذه المعتقدات يشكل عائقاً كبيراً أمامالنهوض بالمجتمع العربي ….. على أنَّ هذه المحاولات جوبهت بالحجة الكبيرةالدامغة من قبل الكثيرين من المثقفين العرب و المسلمين في الطرف الآخر لعلَّ محاولات البعض الإستفادة من الحضارة الغربية , حيث رأى فيه تعارضاً مع المعتقدات الإسلامية مما حمل بعضهمعلى دراسة إمكانية التزاوج أو إيجاد مواءمة بين الحضارة الغربية و هذهالمعتقدات ولعل فشل ذلك يعود إلى عدم وجود أرضية تقبل هذه المحاولة بالرغم من أنها لم تكن فجة إلا أنها لم تجد الأرضية الخصبة التي يمكن أن تنطلق منها فتكون فجة لدى المثقف النهضوي ( الصادق بالطبع ) ليقنع بثمار هذه التزاوج وإن كان هشاً في بدايته و ليقوى عوده فيما بعد .. لكن هذا الخطاب الجديد ساهم في رد فعل عكسي . إذ أنَّ البعض رفض المواءمة بين ما تطلبه الكنيسة ويطلبه الجامع وما يطلبه العلم ..بل أدى إلى تقوية التيار الديني لدى هؤلاء ولعل طريقة الطرح لم تكن قادرة على الوصول إلى المجتمع المقصود لكن وعلى طريقة ” فتح ثقب في جدار سميك باستعمال إبرة خياطة أو دبوس صغير ” من هنا تبرز الحاجة إلى إنسان أو مجتمع يتعلق بأولئك يتمتعون بطاقة عقلية مبدعة لأنَّ ذلك يؤدي إلى خلق نواة اجتماعية تفتح الباب لإنشاء مجتمع جديد خلّاق ومبدع و مثقفف في هذا الواقع الجديد سعيدة بإبداعاتها . وإن نحن مشينا خطوات ولو بسيطة في طريق التطور والتقدم فإن أعداءنا سوف يحاولون طمر هذه الخطوات و التعتيم عليها وتجاهلها لخلق حالة من التيئيس لدينا و تتزعم هذه المنظومة بالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الصهيوني الذين يسيطران على معظم وسائل المعرفة و التكنولوجيا والإعلام وبالتالي فهي تحتكر و تسيطر على كل هذه المحاولات . نخلص إلى القول . أنه من الخطأ الفادح تهميش دور المثقف في إنهاض وتفتيح رؤية المجتمع فهو يلعب دوراً هاماً في إيقاظ رؤية المجتمع على الحضارة و العالم الجديدين . و بالقدر الذي يكون هذا المثقف نشيطاً و ملتزماً فإنه حين ذلك يساهم في تسريع تنشيط المجتمع ليعرف هذا الأخير طعم التقدم و التطور فيركب قطار المثقف التقدمي عن قناعة كاملة … إذن ثمة معوقات كبرى تقف في وجه الطليعة المثقفة التي ترى أنَّ عليها قيادة عملية الإنبعاث في الوطن العربي ولعلّ من هذه المعوقات وأهمها عدم قدرة هذه الطليعة على خلط أو إجراء تزاوج بين موروثنا الثقافي و نجاحاتنا في العصور الغابرة ليصار بمقدورنا اللحاق بركب الحضارة الحالية .والفهم الكامل والواعي لوظيفة الجامع أو الكنيسة و وظيفة العلم وهو مرتبط بفهم أصول الدين لا التعلق بالقشور.. صحيح أنًّ التخلي عن بعض مصالحنا الشخصية لن يرضينا لكنها مصلحة الوطن الذي تربينا على التضحية بأرواحنا في سبيل تحقيقها
(سيرياهوم نيوز-1-8-2022)