الاحتلال الإسرائيلي أمام فضيحة جديدة مدويّة، بطلها هذه المرة، آلان ديرشوفيتز، الذي ارتبط اسمه مؤخّراً، بقضية اغتصاب لأطفال في الولايات المتحدة، فضلاً عن صيته الذائع، كمحامٍ للقتلة والمجرمين، وتجّار الجنس.
تلاحق “إسرائيل” هذه الأيام النكبات والكوارث والفضائح ووصمات العار، من كلّ حدبٍ وصوب. فبعد تصنيفها كدولة قاتلة بامتياز للأطفال والمدنيين، من قبل العديد من شعوب ومنظّمات ودول العالم، ها هو الكيان الغاصب أمام فضيحة جديدة مدويّة، بطلها هذه المرة، آلان ديرشوفيتز، الذي اختاره صديقه بنيامين نتنياهو، لتمثيله كيان الاحتلال، في محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا الشهر الماضي، على خلفية المذابح والمجازر التي ارتكبها “جيشها” وما زال في القطاع. إذ يحقّ لـ “تل أبيب” اختيار قاضٍ واحد للمحكمة المكوّنة من 15 عضواً.
اللافت هنا، أنّ ديرشوفيتز، ارتبط اسمه مؤخّراً، بقضية اغتصاب لأطفال في الولايات المتحدة، فضلاً عن صيته الذائع، كمحامٍ للقتلة والمجرمين، وتجّار الجنس، كجيفري إبستين الملياردير ورجل الأعمال الأميركي اليهودي ــــــــــ الذي انتحر في سجنه عام 2019 قبل محاكمته بجرائم جنسية على خلفية اتهامه بإدارة “شبكة واسعة” للاتجار الجنسي بالفتيات القصّرــــــــ والصديق المقرّب للنخبة الأميركية.
من هو آلان ديرشوفيتز؟
هو محامٍ ومؤلّف أميركي يهودي (من مواليد مدينة بروكلين، 1 أيلول/سبتمبر 1938، بالولايات المتحدة). اشتهر بكتاباته وظهوره الإعلامي الذي دافع فيه بقوة، عن “إسرائيل” وجرائمها ووحشيتها ومستوطناتها، إضافة لتقليله من فظائع “جيش” الاحتلال (أمام الجمهور الأميركي) بحقّ المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما عُرف بمهاجمته للجماعات اليهودية الليبرالية.
حاز ديرشوفيتز (الذي وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنه “كلب الهجوم” لنتنياهو على الساحة الدولية، كونه مستشاره منذ فترة طويلة)، على عدة ألقاب أبرزها “المدافع اليهودي الأكثر علانية في أميركا” و”المدافع الوحيد الأكثر وضوحاً عن إسرائيل، والمحامي الرئيسي للدولة اليهودية في محكمة الرأي العام”.
حصل ديرشوفيتز على درجة البكالوريوس في 1959، من كلية بروكلين (التي أصبحت الآن جزءاً من جامعة مدينة نيويورك)، ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة ييل، حيث كان محرّراً لمجلة ييل للقانون.
بعد تخرّجه في 1962، عمل كاتباً قانونياً، في البداية لدى ديفيد بازيلون، الذي كان رئيساً لقضاة محكمة الاستئناف الأميركية لدائرة مقاطعة كولومبيا، ثم لدى قاضي المحكمة العليا الأميركية آرثر جيه. غولدبرغ. ولاحقاً انضمّ ديرشوفيتز إلى هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة هارفارد في عام 1964، وبعد ثلاث سنوات أصبح أصغر أستاذ قانون يُمنح منصباً ثابتاً في تاريخ جامعة هارفارد، حيث حصل خلال هذه الفترة على درجة البرفوسور، ليتقاعد من التدريس في العام 2013.
كرّس ديرشوفيتز ـنشر أكثر من 1000 مقال، في أكبر وأهم المجلات والصحف والمدوّنات الأميركية، فضلاً عن كتابته العديد من المؤلفات، في حياته وعلمه لخدمة الصهيونية، إلى حدّ أنّ إيلي فيزل (الحائز على جائزة نوبل للسلام في العام 1997) قال في معرض مدحه لديرشوفيتز أثناء تقديمه للأخير جائزة “التعديل الأول لوليام أو. دوغلاس”: “لو كان هناك عدد قليل من الناس مثل آلان ديرشوفيتز خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين لربما كان تاريخ يهود أوروبا مختلفاً”.
حصل ديرشوفيتز (وهو متزوج من كارولين كوهين الأميركية ــ اليهودية، والطبيبة النفسية الحاصلة على درجة الدكتوراه، ولديه منها ثلاثة أولاد) على درجة الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة يشيفا، وكلية بروكلين، وجامعة سيراكيوز، وجامعة “تل أبيب”، وكلية مدينة نيويورك، وجامعة حيفا، والعديد من المؤسسات التعليمية الأخرى.
ماذا عن مسيرته القانونية؟
في الحقيقة، وبعيداً عن الألقاب الكثيرة التي نالها ديرشوفيتز، والتي كانت جميعها حول حقوق الإنسان، بدأ ديرشوفيتز، 85 عاماً، مسيرته المهنية التي امتدت لأكثر من خمسة عقود، في الدفاع عن بعض الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة. والأهم أنها، عكست تناقضاً فاضحاً بين مركزه القانوني، وسلوكه على أرض الواقع، خصوصاً إذا ما عرفنا دفاعه المستميت (ليس عن حروب إسرائيل الدموية فقط) إنما، عن عدد من الأفراد المتهمين بالاغتصاب والقتل ومخالفة القوانين، بمن في ذلك الملاكم مايك تايسون، المتهم والمدان بالاغتصاب، ولاعب كرة القدم الأميركي “أو جيه سيمبسون”، المتهم بقتل زوجته السابقة وصديقتها، والمنتج السينمائي هارفي وينشتاين، الذي أدين بتهم متعددة تتعلق بالاعتداء الجنسي، وهي تبلغ أكثر من 80 تهمة، والأهم توكّله عن جيفري إبستين.
أما الأكثر إثارة، فهو أنه كان جزءاً من الفريق القانوني لدونالد ترامب خلال جلسات الاستماع الخاصة بعزله عام 2020، حيث قدّم المرافعات الشفهية بمجلس الشيوخ. ثمّ استغلّ ديرشوفيتز هذا الأمر، عبر ممارسته الضغوط، على إدارة ترامب لمنح العفو لعملائه المجرمين. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، نجح 12 مرة على الأقلّ في مسعاه.
أيّد ديرشوفيتز الحظر المثير للجدل الذي كان، فرضه ترامب على المسافرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة. وجادل بأن الحظر كان دستورياً بالفعل ولم يستهدف المسلمين حقاً.
ما قصة علاقته “بوثائق إبستين”؟
يوم الخميس الماضي، قضت محكمة أميركية برفع السرّية، عن مجموعة من الوثائق المتعلّقة بإبستين. حيث كشفت اللائحة المكوّنة من 200 وثيقة، والتي تقع في 946 صفحة.
ومع أنّ الدفعة الأولى من الوثائق، اشتملت على أسماء كبيرة مثل الأمير أندرو، وبيل كلينتون، وإيهودا باراك، ومايكل جاكسون وغيرهم من المشاهير والسياسيين. لكن القائمة ذكرت أيضاً اسم آلان ديرشوفيتز، واغتصابه جين دو رقم 3 (اسم وهمي) بعدما تم حذف أسماء جميع القاصرين من الوثائق.
وتكشف الوثائق أنّ إبستين، طلب من جين دو رقم 3، أن تقيم علاقات جنسية مع ديرشوفيتز في مناسبات عديدة عندما كانت قاصراً. وإحدى هذه الوثائق تقول: “إنّ ديرشوفيتز كان أيضاً شاهد عيان على الاعتداء الجنسي على العديد من القُصَّر الآخرين على يد إبستاين والعديد من المتآمرين معه”. ولهذا، وابتداءً من عام 2005، تعقّب المحقّقون، عملية الاتّجار بالجنس وصولاً إلى المموّل والمجرم الجنسي المتوفى جيفري إبستين، وقصوره وجزيرته سيئة السمعة الآن.
ما تجدر معرفته، أنه بالرغم من الشهادات التي أدلت بها أكثر من اثنتي عشرة امرأة، إلا أن ديرشوفيتز وفريقه، توصّلوا إلى اتفاق الحصانة من الملاحقة القضائية الفيدرالية في المنطقة الجنوبية من فلوريدا ليس فقط لإبستين، ولكن أيضاً “لأيّ متآمرين محتملين مع إبستين، الذي وللمفارقة أقرّ بالذنب ولم يقضِ سوى عقوبة قصيرة.
وهكذا ساعد ديرشوفيتز، في التفاوض على اتفاق يتضمّن بنداً يوفّر الحماية لنفسه ضد الملاحقة الجنائية في ولاية فلوريدا بتهمة الاعتداء الجنسي على جين دو رقم 3. ولأن هذه الحصانة الواسعة كانت ستثير الجدل إذا تمّ الكشف عنها، قام ديرشوفيتز جنباً إلى جنب مع أعضاء آخرين، بالتواطؤ مع حكومة الولاية، بإبقاء بند الحصانة سراً عن جميع ضحايا إبستين وعامة الناس، على الرغم من أن هذه السرّية تنتهك قانون حقوق ضحايا الجرائم.
كيف ردّ ديرشوفيتز على “وثائق إبستين”؟
في أعقاب هذه التسريبات، سيطر التخبّط على ديرشوفيتز الذي ظهر في بث مباشر على قناته على يوتيوب بعنوان “قائمة إبستاين والذنب من خلال الارتباط”، فلم يمضِ وقت طويل قبل أن يبدأ بخطبة عرضية هاجم فيها، حركة “حماس” و”النسويات المتطرفات”، وحركة Mee Too “مي تو”، كما تسلّح، بجنسيته الأصلية، لاستجرار المظلومية، مدعياً أنه ضحية باعتباره شخصاً يهودياً.
كما حاول إجراء مقارنة عجيبة، بين “قائمة” شركاء إبستين، ولائحة افتراضية من الناشطين النسويين الذين انتقدهم بشدة لفشلهم (كما يزعم) بإدانة حركة حماس. وسأل في بثّه: “أين النسويات الراديكاليات؟ أين أولئك الذين يعتقدون أن أسوأ شيء في العالم هو أن تكون على قائمة إبستين، ولكن لا بأس باغتصاب وتشويه وقطع رؤوس وخطف وقتل إسرائيليين أبرياء؟”.
ومع أنه أنكر ما نسبته إليه الوثائق، لكن عملياً، هناك ارتباط راسخ وواضح، بين إبستين وديرشوفيتز، الذي اعترف قائلاً “بالطبع أنا على تلك القائمة، كنت محاميه. لقد سافرت على متن طائرته مع محامين آخرين عدة مرات لحضور اجتماعات قانونية في فلوريدا وإجراءات أخرى”. وإذ أكد ديرشوفيتز أيضاً أنه زار، مع زوجته وابنته، جزيرة إبستاين الخاصة في منطقة البحر الكاريبي بعد وقت قصير من شراء إبستاين لها”، لكن اللافت والمثير للاستهجان أنه مع كل هذه الجرائم والاتهامات والشبهات حول إبستين، “لم يرَ” شيئاً من النشاط الإجرامي لموكله!
ماذا عن موقفه من حرب “إسرائيل” على غزة وتبريره لجرائمها؟
في الأسابيع الأخيرة، دعم ديرشوفيتز بحماسة غير معهودة، الهجوم الإسرائيلي الإجرامي على غزة. وفي أعقاب تصاعد ظواهر، ترويج كراهية الإسلام في الجامعات الأميركية، بسبب الحرب، زعم ديرشوفيتز في تشرين الثاني/نوفمبر 2023: أن “الإسلاموفوبيا غير موجودة في الحرم الجامعي”.
إضافة إلى ذلك، كان مدافعاً متحمساً عن معاملة “إسرائيل” للفلسطينيين لعقود من الزمن. وقد كتب عدداً من الكتب حول هذا الموضوع، بدءاً من كتاب “قضية إسرائيل” (2003)، وكثيراً ما ناقش منتقدي الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” مثل المفكّرين، نعوم تشومسكي ونورمان فينكلستين.
قدّم ديرشوفيتز رداً أولياً على اتهامات جنوب أفريقيا في مقال في مجلة “كومباكت” الصهيونية، اليمينية بعنوان “إسرائيل لم ترتكب أي جرائم حرب – حماس ارتكبتها”، بحيث كان كلامه يشبه أي شيء إلا كلام رجل القانون، بعدما تبنّى، ومن دون أي دليل ثابت وملموس، أقاويل ومزاعم “إسرائيل” وادعاءها، بأنّ 7 آلاف من أصل 22 ألف (شهيد فلسطيني) كانوا من أعضاء حماس.
فهو إذ لم يذكر كيف وصلت “إسرائيل” إلى رقم “7 آلاف مقاتل”، بل إن ديرشوفيتز يتهم النساء والصغار من سكان غزة بأنهم، من مقاتلي حماس، لكنه لا يقدّم أي برهان، أو وثيقة أو صورة أو مشهداً واحداً، يدعم التكهّنات بأن هؤلاء يشكّلون جزءاً كبيراً من المجموع.
كما يظهر إصراره على أنّ، كلّ ذكر بالغ قُتل في حملة القصف كان عضواً في حماس. هذا على الرغم من أنّ التقدير المعتاد لإجمالي القوة القتالية لحماس (بحسب “إسرائيل”) يقارب الـ 30 ألفاً من سكان غزة البالغ عددهم، الملايين. مما يعني أن “إسرائيل” قضت على حماس وهذا لم يحصل عملياً.
في المحصّلة، مؤخّراً، زعم أحد أعضاء حزب الليكود في الكنيست، أن “المجاعة الجماعية تشكّل ضرورة عسكرية”. وقال: “من دون الجوع والعطش بين سكان غزة، لن نتمكّن من تجنيد المتعاونين، ولن نتمكّن من تجنيد الاستخبارات، ولن نتمكّن من رشوة الناس بالطعام والشراب والدواء” في غزة. من أجل العثور على الأسرى الذين اختطفتهم حماس”. وهنا نتساءل إذا تمّ إحضار عضو الكنيست هذا بطريقة أو بأخرى إلى لاهاي، فماذا يمكن أن يقول حينها ديرشوفيتز (أستاذ القانون المفترض) في الاستجواب لتخفيف تأثير تلك الكلمات؟ إلى ذلك الوقت، فلننتظرْ ونرَ.
سيرياهوم نيوز1-الميادين