| مهند الحسني
منيت منتخباتنا الوطنية لكرة السلة في عهد الاتحاد الحالي عهد الميزانيات المفتوحة والأموال المهدورة بخسارات كانت الأقسى والأشد إيلاماً منذ سنوات طويلة، الأمر الذي فتح باب التساؤلات أمام عشاق ومحبي اللعبة عن الأسباب الحقيقية وراء هذه النتائج المخيبة للآمال، لكنهم لم يلقوا أي إجابات شافية ووافية حتى من قبل المسؤولين عن أمور اللعبة، ما ينذر بمرحلة لن تكون الأفضل في حال بقيت إدارة دفة العمل على هذه الطريقة الارتجالية والبعيدة كل البعد عن العمل التشاركي الصحيح، ولا يمكن أن نتوقع أن يكون منتخبنا الوطني فارس التصفيات الآسيوية القادمة التي ستنطلق بداية العام المقبل أمام منتخبات البحرين ولبنان والإمارات، وإن حصل ذلك على جناح صدفة أو طفرة كما جاء فوزنا على منتخب إيران قبل سنتين، فلا يعني أننا أصبحنا على الصراط المستقيم، وهذا لا يعني أننا فقدنا أو سنفقد كل شيء، لأن بناء المنتخبات الوطنية لا يكون بالأمنيات فقط، أو العزف على وتر المشاعر الملتهبة، وإنما بالعمل الصحيح والتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، وأن تكون مصلحة كرة السلة السورية محبة حقيقية وليست مجرد مناصب وسفر وسياحة وما شابه ذلك.
نقطة الصفر
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، مقولة زرعها آباؤنا في أذهاننا وفي هذه المقولة اختصار لكثير من الحكم والنصح لأن تكون شعاراً لمرحلة كاملة، وإذا أردنا أن نطبق هذا القول على اتحاد السلة الحالي في إعداد منتخباته الوطنية، فإننا نمنحه علامة الصفر من دون تردد أو خجل، وما يحز في النفس أن جميع التحذيرات والتنبيهات التي أشار إليها رجال الإعلام وخبراء اللعبة، لم تلق آذاناً مصغية عنده، فكان ما كان، وأصبح الكابوس الذي كنا نخشاه واقعاً، واستيقظ اتحادنا على واقع مرير، وفشل كبير في تقديم منتخب يليق باسم سورية وسمعتها السلوية وخاصة في البطولة الأخيرة التي أقيمت على أرضنا وبين جمهورنا وصرفت عليها مئات الملايين من دون أن نجني سوى الخيبة، طبعاً لن نلقي اللوم على اتحاد السلة ونحمله كل المسوؤلية ولن نكون جناة عليه فهو عمل حسب الإمكانات المتوافرة لديه، لكن مشكلة منتخباتنا وتراجعها يبدو أنها في مكان آخر لا يريد أحد أن ينتبه إليه أو أن يعمل لتجاوزه، وإذا كانت محطات التقييم متدرجة فإن أعلى مراحل عمل الاتحادات هو منتخباتها الوطنية، لأن أي المنتخب حصيلة إستراتيجية ورؤية فنية بعيدة وأنظمة تصيب العمق المطلوب للارتقاء باللعبة، فإننا نمنح اتحاد السلة الحالي علامة الصفر أيضاً، ليس بسبب سوء النتائج الرقمية وحسب، فالرياضة كما هو معروف عنها تتساوى فيها احتمالات الفوز والخسارة، لكن أن يكون الأداء هزيلاً وبدائياً وغير منضبط معتمداً على المبادرات الفردية ظهرت فيها السلة السورية كالقزم أمام عمالقة آسيا، فهذا الشيء الذي لا يمكن أن نقبله أبداً رغم توافر مقومات العمل الصحيح والدعم المادي الكبير، لكن عمل الأندية مازال بدائياً ولو كانت هذه الأندية تسير ضمن خطط مدروسة وممنهجة، وتقودها إدارات محترفة لا منحرفة، لكانت عملت وهي في معترك الأزمة على قواعدها بشكل صحيح، ولكانت أنديتنا حالياً تملك في رصيدها مجموعة متميزة من المواهب القادرة على المنافسة الحقيقية حتى على الصعيد الخارجي وكل ذلك كان سيصب في بوتقة المنتخب الوطني.
عموماً اتحاد السلة يجب أن يكون له دور في توجيه بوصلة عمل أنديته، وخاصة فيما يتعلق بقواعد اللعبة التي يجب أن تسير وفق خطط مدروسة يتم تنفيذها على أرض الواقع بطريقة صحيحة بما يأتي بالفائدة الفنية لجميع الأندية.
ضعف وعدم الاستفادة
في كل مشاركة وبعد سلسلة من الهزائم يخرج اتحاد السلة ويطرح الكثير من الشعارات التي مللنا من سماعها وبأنه سيعمل وسوف ينفذ وسين وراء سين إلى ما شاء الله من دون أن نرى أي شيء على أرض الواقع، وإذا أردنا التحدث عن المسؤولية المباشرة للاتحاد في هذا الفشل الذريع، فإن سوء الإعداد وتخبطه والمصالح الشخصية والمحسوبيات هي العناصر المباشرة لمعادلة الفشل التي صنعها اتحادنا عن سابق الإصرار والتصميم، وكان بإمكانه وببساطة شديدة تجاوزها، لو نجح في توحيد آراء جهابذته من أعضاء الاتحاد، فهذا العضو يرغب في مشاركة المنتخب بعناصر الخبرة، والعضو الآخر يتطلع لرفد المنتخب بلاعبين شباب، والعضو الثالث له تحفظات، ووو؟، الأمر الذي ساهم في إدخال مدربي المنتخبات في متاهة لا مخرج منها.
من الطبيعي
لذلك على ضوء ما سبق، فمن الطبيعي أن يخسر رجال سلتنا أمام السلة البحرينية، ولكن من غير الطبيعي أن تخسر بفارق يصل إلى الثلاثين نقطة على أرضنا وبين جمهورنا.
ومن الطبيعي أن نسعى لتعزيز الأداء الدفاعي للمنتخب في ظل غياب المواهب الهجومية، لكن من غير الطبيعي أن تكون نتيجة التركيز على الجانب الدفاعي استقبال سلتنا لـ107 نقاط في إحدى المشاركات.
ومن الطبيعي أن نخسر أمام منتخبات تتفوق علينا بكل شيء، لكن ليس من الطبيعي أن نظهر بتلك الصورة الهزيلة والأداء المتواضع رغم وجود الدعم الكبير والإمكانات.
والطبيعي أن نستعين بثقافة المدرب الأجنبي في ظل ظروف مدربينا الوطنيين الحالية التي لا تسر أحداً، لكن من غير الطبيعي أن تكون نتيجة المنتخب مع المدرب الوطني أقل سوءاً من المدرب الأجنبي ونتائجنا الأخيرة أكبر دليل على صحة كلامنا.
وقد يكون من الطبيعي الاستعانة بلاعب مجنس لستر عوراتنا الهجومية، وأن يكون اللاعب بمنزلة رمانة المنتخب وعقله المفكر، ولكن من غير الطبيعي أن يكون هذا المجنس عبئاً على لاعبينا المحليين وأن تصرف عليه مئات الملايين من دون فائدة نستفيد من وجوده، ومن الطبيعي أن نسند مهمة إدارة المنتخب لخبرة فنية خبيرة وقادرة على العطاء الفني وليس المادي، ومن غير الطبيعي أن تصبح سلتنا مثقبة، ومقطعة لكثرت ما تستقبله من نقاط، ولكن من غير الطبيعي ألا يتجاوز مجموع نقاطنا ٧٠ نقطةً.
والطبيعي أن يقدم النجوم السابقون لسلتنا وجهة نظرهم للخروج بالسلة السورية من مستنقعها القميء بشكل صريح وواضح، لكن غير الطبيعي ألا نرى دوراً إيجابياً واحداً للمعتزلين في أنديتهم على أقل تقدير، ونستفيد منهم ضمن لجان الاتحاد الفنية، لا بل أن أنديتهم باتت في أسوأ أيامها بفضل إدارتهم وأفكارهم المستوردة.
قد يكون من الطبيعي أن ينادي بعض النجوم بإتاحة الفرصة للاعبين الشباب، وإصدار قرارات بتقليص مساحة مشاركة اللاعبين الأكبر سناً، ومن غير الطبيعي أن نتذكر أن هؤلاء النجوم اعتزلوا على حافة الأربعين، وكانت أماكنهم في أنديتهم محجوزة، ولو من دون تمرين وكان ذلك على حساب اللاعبين الشباب.
الطبيعي أن ينادي الاتحاد بإصلاح كرة السلة السورية، وغير الطبيعي أن تكون المناداة بالإصلاح لتصفية حسابات شخصية أو تحقيق آمال وردية، والطبيعي أن يقدم الخبراء الاستراتيجيات، والخطط للسلة السورية، ومن غير الطبيعي أن تعيش أنديتهم بلا خطط أو تحضير، أو أن تمضي موسماً كاملاً بلا لاعب ارتكاز بسبب العجز عن التعاقد معه.
والطبيعي أن ينتقد أعضاء الاتحاد الأداء الإعلامي لاتحاد كرة السلة، وغير الطبيعي أن يكونوا فاشلين في بناء علاقة تشاركيه مع وسائل الإعلام الوطني.
ومن الطبيعي أن يجدد الاتحاد لجانه الفنية ويدعمها بأفضل العناصر والكوادر القادرة على العمل والتطوير، ومن غير الطبيعي أن يكون التغيير في بعض اللجان فقط، وتبقى باقي اللجان على حالها رغم إشارات الاستفهام الكبيرة حيال أدائها لعملها.
من الطبيعي أن يكون لدى الاتحاد مكتب إعلامي مختص وجيد يضم كوادر إعلامية يشهد لها بالعمل، ومن غير الطبيعي أن يعدنا الاتحاد بمؤتمر صحفي بعد التصفيات الأسيوية التي استضفناها في صالة الفيحاء وتبقى وعوده مجرد فقاعات لا تلبث أن تتلاشى من دون رجعة..
خلاصة
بين الطبيعي وغير الطبيعي مازالت التناقضات تعصف بمنتخباتنا الوطنية، ومازالت حالة من عدم الاستقرار تسيطر عليها، ويبدو أن لعبة الكراسي الموسيقية والتزاحم عليها لها ما لها في حسابات القائمين على اللعبة، لكن قراءة ما بين السطور تزخر بما يدل أن مصلحة كرة السلة ليست في المقام الأول لدى الجميع بمن فيهم دعاة المصلحة العامة.
لذلك اتحاد كرة السلة مطالب اليوم بالاعتذار من جماهير كرة السلة لما ارتكبه من أخطاء وخاصة في ملف اللاعبين المغتربين وتحديد المسؤولين عنه وفرض العقوبات اللازمة بحقهم.
ومطالب الاتحاد أيضاً بأن يفرق بين منتخب وطني وبين سيارة التكسي بعد أن تناوب على تدريب المنتخب مدربون مؤقتون و«نطاحون وانستغراميون»، فهل من متعظٍ ومجيب؟.
سيرياهوم نيوز1-الوطن