} حسن حردان
تكثر التساؤلات بشأن آفاق الحرب الأطلسية الروسية التي تستعر أوراها على الأرض الأوكرانية… خاصة لناحية المدة الزمنية التي ستستمرّ فيها قبل أن ينضج الغرب ومعه نظام كييف التابع له للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا لإيجاد تسوية سياسية على القواعد التي ترضي روسيا.. أو أن تصل روسيا إلى وضع لم تعد معه تملك القدرة على الاستمرار في حرب الاستنزاف التي خطط لها الغرب لإخضاع موسكو لشروطه القاضية بإنهاء حلم روسيا في إقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب بديلاً لنظام القطب الأوحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والذي بدأ يتداعى على خلفية فشل حروب أميركا وتنامي الدور الروسي، وتعاظم قوة الصين.
وإذا كان لا أحد يملك جواباً لتحديد متى يمكن أن تضع الحرب أوزارها، إلا انّ كلّ المعطيات تشير إلى أنّ الأمر مرهون بحصول تطور على مستوى واحد من الاحتمالات التالية:
الاحتمال الأول، ان يتمكن أحد طرفي الحرب من إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر، إما أن يتمكن الجيش الأوكراني، بفضل الدعم العسكري الغربي بالسلاح النوعي الذي تقدّمه له دول حلف الناتو، من إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي في الدونباس وزرابورجيا ومقاطعة خيرسون ويسيطر عل جميع هذه المناطق وينتقل إلى السعي لاستعادة السيطرة على جزيرة القرم.. وهو أمر لا تدعمه تطورات الميدان، التي تشير منذ فترة إلى ما يشبه المراوحة على جبهات القتال باعتراف الغرب، في حين تحوّلت الحرب إلى حرب استنزاف على الجانبين، وباتت كلفة استنزاف الجيش الأوكراني وأوكرانيا أعلى بكثير من كلفة استنزاف الجيش الروسي وروسيا، خاصة بعد إعادة النظر الروسية باستراتجيتها العسكرية عبر إعادة انتشار قواتها من خلال انسحابها من مناطق عديدة لصالح تموضعها في المناطق التي يمكن الدفاع عنها في وجه هجمات الجيش الأوكراني، وبالتالي الحدّ من خسائر الجيش الروسي، ريثما ينجز عملية إتمام تعبئة قوات الاحتياط التي استدعى 10 بالمئة منها، لاستعادة زمام المبادرة واستئناف الهجوم لاستكمال عملية السيطرة على الدونباس، واستطراداً باقي زاربورجيا وخيرسون..
الاحتمال الثاني، أن ينجح الجيش الروسي في إلحاق الهزيمة بالجيش الأوكراني وبالتالي حصول تداعيات سلبية دراماتيكية داخل الجيش وفي نظام كييف، وذلك اثر تمكن القوات الروسية من استعادة زمام المبادرة واستئناف تقدّمها في الميدان، بعد ان نجحت في توجيه ضربات مدمّرة للبنية التحتية الأوكرانية لا سيما تدمير شبكات إنتاج الطاقة الرئيسية، وكذلك إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الأوكراني، على الصعيدين العسكري والبشري من خلال الضربات التي استهدفته بواسطة الصواريخ العالية الدقة.. ويبدو أنّ هذه الاستراتيجية العسكرية الروسية بدأت تؤتي أُكلها، فبعد نجاحها في وقف تقدّم الجيش الأوكراني وتكبيده خسائر جسيمة، عادت القوات الروسية للتقدم في الدونباس وتمكنت من السيطرة على مدينة سيوليدار الاستراتيجية إلى جانب العديد من البلدات في إقليم دونيتسك، مما يفتح الطريق أمام تسريع وتيرة سيطرة القوات الروسية على المناطق المتبقية من دونيتسك، وهو ما اعتبره المراقبون مؤشراً على بدء مرحلة جديدة في الحرب، ومدى الإنهاك الذي أصبح يعاني منه الجيش الأوكراني، وهو ما دللت عليه التصريحات الأخيرة للرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي طالب حلف الناتو والولايات المتحدة تزويده بالأسلحة المتطورة لا سيما الطائرات وصواريخ الباتريوت.
الاحتمال الثالث، أن يتوقف التقدم الروسي نتيجة زيادة منسوب الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا بما فيها منظومات الدفاع الجوي المتطورة والدبابات والطائرات إلى جانب إرسال عشرات آلاف الارهابيين من سورية وغيرها من الدول باعتبار الحرب في أوكرانيا أولوية أميركية، وهو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام مؤخرا، وبالتالي عودة المراوحة في الميدان وتحول الحرب إلى حرب استنزاف طويلة كما تريدها الولايات المتحدة بهدف استنزاف روسيا، وهذا يعني أنّ آفاق انتهاء الحرب سيكون مرتبطاً بمدى قدرة كلّ طرف على تحمّل أكلافها وبالتالي المنتصر في هذه الحرب هو من يتحمّل أكثر كلفتها… وفي هذه الحالة يبدو انّ لدى روسيا سببين يمكنانها من تحمّل الكلفة وعدم التراجع، هما:
السبب الأول، أنها قادرة أكثر من أوكرانيا والغرب على تحمّل كلفة الحرب لأنها بنت استراتيجيتها على أساس خفض خسائرها، في حين أنها استوعبت نتائج العقوبات الاقتصادية الغربية وطورت علاقاتها الاقتصادية مع دول بريكس ومنظمة شنغهاي، لا سيما الصين وإيران والهند، وركزت على تنمية اقتصادها الداخلي، واستفادت كثيراً من ارتفاع أسعار النفط والغاز…
السبب الثاني، كون موسكو ليس لديها من خيار للتراجع أمام الغرب، لأنّ ايّ تراجع سيعني بداية تحقيق أهداف أميركا والغرب في إضعاف روسيا وتحجيم دورها على الساحة الدولية، وإعادة تعويم الهيمنة الأميركية الأحادية، وإحباط سعي موسكو وحلفائها لبناء نظام عالمي متعدّد الأقطاب.. وبالتالي تشجيع الغرب على مواصلة خططه لتفكيك الاتحاد الروسي..
لذلك فإنّ انتهاء الحرب والذهاب إلى طاولة المفاوضات بالشروط التي تقبل بها روسيا، سيكون مرهوناً بالمدة التي يستطيع فيها الغرب تحمّل الاستمرار في توفير الدعم العسكري والمادي لنظام كييف لمواصلة الحرب.. وهي مدة مرتبطة بأمرين:
الأمر الأول، استنفاذ احتياطات الغرب المادية التي تمكنه حالياً من تمويل الحرب..
الأمر الثاني، قدرة الشعوب الأوروبية على تحمّل نتائج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور أوضاعها المعيشية..
مع الإشارة إلى بداية إرهاصات على هذا الصعيد تؤشر إليها الاضرابات العمالية والتظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية على ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية والمطالبة بزيادة الأجور…
(سيرياهوم نيوز1-البناء)