آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » متى نغزو الغرب ثقافياً؟

متى نغزو الغرب ثقافياً؟

 

 

* د.بسام الخالد

 

هل اخترقنا الغرب ثقافياً أم غزانا؟! قد يفضل بعض المثقفين تسميته (غزواً) مع أن الأصح هو (اختراق) ويرى آخرون أن ما كان “غزواً ثقافياً أو اختراقاً” في الماضي تحوّل الآن إلى ما يشبه ” الاستلاب الثقافي” الذي ينجذب فيه الطرف الأضعف إلى الطرف الأقوى، ويحاول تقليده والسير على نهجه واتباع أساليبه، لكن في مجمل الأحوال فإن هذا الاختراق نجلبه نحن بأنفسنا بل ونفضلّه على غيره ونقُبل عليه بنهم وشهية! إن دائرة التغريب تتسع في الكثير من المجتمعات المعاصرة – وليس العربية – سواء أكانت غزواً ثقافياً أو استلاباً وتتسع دائرتها يوماً بعد يوم، وتتوالى بالمقابل وتيرة انحسار الثقافات القومية والذاتية في العديد من المجتمعات الأخرى التابعة، وإذا كانت صيحات الإمبرياليين الغربيين القدماء في عصور الاستعمار قد عبرّت عن تلك النزعة الأيديولوجية المشحونة بالشعور بالتفوق العنصري والثقافي، فإن صيحات إمبرياليين غربيين معاصرين لا تزال تتجاوب مع تلك الصيحات، وقد سخر السناتور الأمريكي (وليام فولبرايت) من تلك الصيحات القديمة قائـلاً: (إن سياسة القوة تمارس مستترة بشتى الأسماء، وقد كان البريطانيون يسمونها “عبء الرجل الأبيض” والفرنسيون “رسالتهم الحضارية” وأمريكيو القرن التاسع عشر “مصيرهم المحتوم”)، وها هو (هيرمان ملفيل) الروائي الأمريكي في القرن التاسع عشر يقول:(نحن الأمريكيون شعب خاص، شعب مختار، إننا نحمل دفة الخلاص لحريات العالم)!

واليوم نسمع العبارات نفسها تقريباً وإن اختلفت الأصوات.. يقول السياسي الأمريكي المتطرف (نيوت جنجريتش): (أمريكا وحدها التي تستطيع قيادة العالم وستبقى أمريكا الحضارة العالمية الكونية الوحيدة في تاريخ البشرية، وفي مدة لا تتجاوز 300 عام تمكّن نظامنا القائم على الديمقراطية التمثيلية والحرية الفردية والسوق الحرة من توفير الأسس اللازمة لأعظم ازدهار اقتصادي في التاريخ، إنّ نظام قيمنا يحظى بالتقليد والتمثّل حول العالم وتقدمنا التكنولوجي أحدث ثورة في طريقة حياة الإنسان المعاصر وأصبح القوة الرئيسية لعولمة العالم)، ويضيف قائلاً: (بغير حضارتنا الأمريكية الحيوية فإنّ البربرية والعنف والدكتاتورية ستخيم على كوكبنا الأرضي.. إن انطلاقنا نحو المستقبل وفقاً لطرقنا الصحيحة المجربّة في الماضي سيعمل على تجديد حضارتنا الأمريكية وسيؤكد الدور الريادي لأمريكا في مساعدة الجنس البشري كله في مسيرته نحو الرفاهية والحرية والأمان وإذا استطعنا أن نحقق هذه الأحلام الثلاثة للأمريكيين وللعالم سنكون قد أنجزنا شيئاً عظيماً حقا)!

الثقافة العربية الإسلامية كانت- ولا تزال- هدفاً للآلة الإعلامية الغربية، فالعداء الغربي للثقافة العربية الإسلامية تغذيه قوى معينة في المجتمعات الغربية، يصدر بعضها عن أحقاد قديمة تعود إلى تراث ضخم من الأدبيات المعادية للعرب والمسلمين، وتحرك بعضها الآخر دوافع سياسية وايدولوجية واقتصادية، وقد وجد هؤلاء وأولئك في حالة الفراغ التي أحدثها انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة فرصتهم السانحة لتأليب دوائر النفوذ السياسي والفكري والإعلامي في المجتمعات الغربية ضد الإسلام في محاولة جادة منهم لتنصيبه “عدواً جديداً” للغرب عوضاً عن العدو الشيوعي، وبهذا الصدد يستعرض الباحث البريطاني (فرد هاليداي) في محاضرة له بعنوان: “معاداة المسلمين والسياسة المعاصرة” البعدين التاريخي والمعاصر لنزعة العداء الغربي للثقافة العربية الإسلامية في الغرب، وبعد تناوله لجذور ذلك العداء في التراث الغربي الديني والثقافي والسياسي، يصل إلى الوقت الحاضر فيقول إن هناك نمطين من نزعة معاداة العرب والمسلمين في الغرب، أحدها “استراتيجي” يتعلق بموضوعات مثل الأمن والنفط والإرهاب، أما الآخر فهو النمط “الشعبي” الذي يتعلق بوجود المسلمين في المجتمعات الغربية، ويتناول قضايا مثل الهجرة والمشاعر العنصرية، ولكنه يرى أن ما يجمع بين النمطين هو الشعور بـ “الخطر الإسلامي”

ومع تنبيهنا إلى أنّ النزعة العدائية للثقافة العربية الإسلامية لا يمكن تعميمها على الغربيين جميعاً، فإننا نرى أن هذه النزعة التي تحتل مساحة معتبرة في العقل الجمعي الغربي تنسجم مع مكونات ذلك العقل الذي يميل إلى الاعتقاد بالتفوق العنصري واعتبار الثقافة الغربية ثقافة إنسانية راقية والنظر إلى الثقافات الأخرى نظرة تقلل من شأنها وكأنها بقايا تراثية من الماضي تصلح للفرجة والترويح عن النفس أكثر من كونها ثقافات ثرّة يمكن إن تمدّ الحاضر بالعطاء والنماء!

هنا نتساءل: هل في مسيرتنا الفكرية والثقافية خطة لمواجهة هذا الاختراق والتحوّل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، والتي نعني بها اختراق الغرب ثقافياً وخلق حالة استلاب في مجتمعاته؟! للأسف نقول: إن ثقافتنا حتى اللحظة الراهنة تحتاج إلى خارطة طريق، ولا أعتقد أن ثقافة بلا (أجندة) قادرة على اختراق المجتمعات الأخرى!

 

(خاص لموقع سيرياهوم نيوز )

x

‎قد يُعجبك أيضاً

غزة ما بين مأزق بايدن وهذيان نتنياهو

الدكتور خيام الزعبي اختياري لعنوان مقالتي هذه لم يأتي من فراغ وإنما جاء بعد نظرة شمولية لما لهذا الموضوع من أهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ...