آخر الأخبار
الرئيسية » مختارات من الصحافة » مجازر الساحل السوري: بين التحقيق والحقيقة

مجازر الساحل السوري: بين التحقيق والحقيقة

 

حسين صبرا

 

 

في السادس من آذار الماضي، شهدت مناطق الساحل السوري واحدة من أكثر الأحداث دموية في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا.

 

مشاهد القتل الجماعي، والإعدامات الميدانية، والسلب، حصدت أرواح مئات المدنيين. وفيما وُجهت اتهامات لمجموعات مسلحة «موالية للنظام السابق»، رأت منظمات حقوقية أن الأجهزة الأمنية وبعض الفصائل الرديفة كانت طرفاً مباشراً في هذه الانتهاكات.

 

وقد شكلت الرئاسة السورية لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، أُعلن عن نتائج عملها بعد نحو أربعة أشهر من الأحداث. لكن مضمون التقرير، ورغم تفصيله، لم يقنع كثيرين، فيما باتت التساؤلات تُطرَح حول مدى قانونية ما حدث، وما إذا كانت بعض الانتهاكات تندرج تحت إطار الجرائم الدولية الجسيمة التي يحاسب عليها القانون الدولي.

 

تقرير اللجنة: وصف تفصيلي بلا مساءلة واضحة

كشفت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق، في مؤتمر صحافي عُقد في 22 تموز، أنها استمعت إلى 930 إفادة، وزارت 33 موقعاً، وتوصلت إلى خلاصة مفادها أن «فلول النظام السابق» هم من بادروا إلى تنفيذ عمليات عدائية استهدفت مقرات للجيش والأمن والحواجز، وأقدموا على قتل 238 عنصراً، بعضهم بعد تسليم سلاحهم أو خلال تلقيهم العلاج. كما تحدّث التقرير عن مقابر جماعية، وحصار فرضته هذه المجموعات، في إطار ما وُصف بـ«محاولة لفصل الساحل عن سوريا».

 

وأشار التقرير إلى أن فصائل أخرى اندفعت لاحقاً بشكل عشوائي إلى المنطقة، مما أدى إلى اختلاط في العمليات الأمنية، نتجت عنه انتهاكات جسيمة طالت المدنيين، شملت القتل، والتعذيب، والسلب، وتخريب الممتلكات. غير أن اللجنة لم تُسمِّ الجهات المسؤولة عن هذه التجاوزات، بل اكتفت بالإشارة إلى أن الدولة فقدت السيطرة في مناطق عدّة خلال الأيام التي تلت المجازر، ووصفت دوافع العنف بـ«الثأرية» لا الأيديولوجية.

 

في النهاية، أوصت اللجنة بإحالة لائحتين إلى النائب العام لملاحقة مشتبه فيهم، مع توصية بالمضيّ في آليات العدالة الانتقالية.

 

أصوات الأهالي: أين العدالة؟

النتائج التي أعلنت عنها اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق، لم تكن محل ترحيب في الساحل، فالأهالي يروون الكثير من المشاهدات والتفاصيل التي يقولون إنها تدل بشكل قاطع على الجهات التي ارتكبت المذابح بحق ذويهم.

 

وفي هذا السياق، تروي «أم الشهيد علي» من بلدة المختارية لـ«الأخبار» تفاصيل المذبحة التي تعرّضت لها عائلتها. وتقول: «دخلوا إلى منزلي وقتلوا طفلي أمام عيني فقط لأنني حضنته وقلت (يا علي)، طفلي البالغ من العمر ٤ سنوات قُتل، واليوم تقول لجنة التحقيق إننا نحن من اعتدينا على الحكومة؟ هل طفلي اعتدى على رجال الأمن المجرمين أيضاً؟».

 

(أ ف ب)

(أ ف ب)

وفي شهادة لسيدة من سكان اللاذقية لـ«الأخبار»، تكشف عن نوايا جديدة لهجوم قد يكون مرتقب على الساحل، وتقول إن «البدو يدخلون أراضينا ويخرّبون الزيتون والممتلكات، ويهدّدوننا بزعزعة الاستقرار»، ويقول أحدهم: «لا تخلّونا نعمل فيكم متل ما عملنا بالدروز بالسويداء». وتضيف «أمّا قوات الأمن العام التابعة للسلطة الانتقالية فلا حياة لمن تنادي. نبلّغهم بما يحدث، ولا يكترثون».

 

ماذا يقول القانون الدولي؟

وفق اتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن استهداف المدنيين عمداً، أو الإعدامات الميدانية، أو استخدام العنف ضد السكان غير المشاركين في الأعمال العدائية، تُعدّ جرائم حرب. ويؤكد البروتوكول الثاني الملحق بالاتفاقيات، والخاص بالنزاعات غير الدولية، أن على الدولة وأطراف النزاع الالتزام بحماية المدنيين.

 

وتضيف المادة 7 من نظام روما الأساسي (النظام المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية) أن ارتكاب أفعال مثل القتل، والإبادة، والسجن، والتعذيب، والاضطهاد، عندما تُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي ضدّ المدنيين، تُشكّل جرائم ضد الإنسانية، حتى خارج حالة الحرب.

 

انطلاقًا من ذلك، فإن توصيف ما جرى في الساحل، كما ورد في تقرير اللجنة ذاتها من إعدامات، وتعذيب، واقتحام للمنازل، وسلب، واستخدام عبارات طائفية خلال العمليات يضع كثيراً من هذه الأفعال ضمن نطاق الجرائم الدولية، لا الأحداث الأمنية العابرة.

 

(أ ف ب)

(أ ف ب)

يضاف إلى ذلك أن التحقيقات الداخلية، حين لا تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والفعالية والنزاهة، لا تُغني عن المساءلة الدولية، بحسب المبادئ القانونية المعتمدة من الأمم المتحدة. وتشير مبادئ مكافحة الإفلات من العقاب إلى أن الدولة تبقى مسؤولة عن ضمان العدالة الحقيقية، حتى في حال كانت التحقيقات منجزة. فالمساءلة لا تكتمل بتقرير، بل بمحاكمات عادلة وشفافة، يُحاسَب فيها المسؤولون المباشرون، بغضّ النظر عن هويتهم.

 

يُذكر أنّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان كانت قد وثقّت -في آخر إحصائية أصدرتها عن أحداث الساحل بتاريخ 16 نيسان الماضي- مقتل 1662 شخصاً (دون أن تحدد انتماءاتهم الطائفية)، منهم 1217 شخصاً قتلتهم القوات المشاركة في العملية العسكرية، من بينهم 51 طفلاً و63 سيدة و32 من الكوادر الطبية، بينما «قتل فلول النظام السابق أثناء تمردهم 445 شخصاً، من بينهم 231 مدنياً، و214 من قوات الأمن العام».

 

ونبّهت الشبكة إلى أن الضحايا الذين سقطوا على يد القوات المسلحة يضمّون مدنيين وعناصر من نظام الأسد منزوعي السلاح، وأن معظمهم قُتلوا على يد فصائل عسكرية انضمت مؤخّراً إلى إدارة الأمن العام.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئاسة الروحية لدروز السويداء: عملية التبادل والإفراج عن الموقوفين ستتم اليوم الساعة 18:00 بالتوقيت المحلي

هذا المطلب يأتي “في ظل الأحداث الأليمة والمأساوية التي عصفت بأبناء الطائفة المعروفية وبعد المجازر المروعة التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء   طالبت الرئاسة الروحية ...