ناصر قنديل
المجزرة الإرهابية التي استهدفت حفل تخريج ضباط المدرسة الحربية في حمص، وسقط فيها عشرات الشهداء من المتخرّجين وأسرهم، ليست حدثاً عادياً من ضمن مشهد الحرب التي تعيش سورية تحت وطأتها منذ سنوات، لأن المجزرة حدث كبير يخرق القواعد التي عرفناها في نمط العمليات التي عرفتها الحرب، من قصف واقتحامات. والعدد الكبير للشهداء والجرحى ليس خارج توقعات مَن يقف وراء العملية، بل هو هدف العملية، لأن الاستهداف يطال تجمّعاً ضخماً لمدنيين وعسكريين بينهم مسؤولون كبار، بتفجير ضخم، ربما تكون نتائج الخسائر التي حققها أقلّ من توقعات المنفذ، والهدف ليس مجرد القتل، لأنه رغم تسبّبه بالآلام لن يغير في موازين الحرب، والأهداف المعنوية والسياسية من حجمه الأمني الكبير وحجم خسائره الكبيرة هو الهدف.
يأتي التفجير الإرهابي الإجرامي الذي استهدف سورية، في توقيت سياسي إقليمي توضع فيه فوق الطاولة مجموعة من الخيارات والتطورات والتحولات، حيث من جهة هناك مبادرة إيرانية لترتيب العلاقات السورية التركية، والتفجير الذي استهدف سورية سبقه تفجير استهدف تركيا، فيما اتهمت تركيا جماعات مسلحة داخل الأراضي السورية، بينما أغلب الجماعات الإرهابية التي تسيطر على أراضٍ سورية وتستهدف الدولة السورية تعمل تحت الرعاية التركية وتتلقى الدعم والتغطية من الحكومة التركية، ما يفتح باب التكهنات حول وجود صلة بين العمليّات ومستقبل العلاقة السورية التركية.
يأتي التفجير بعد زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الناجحة جداً إلى الصين، بما رافقها من حفاوة ومواقف ونتائج، كان أبرزها إعلان الرئيس الصيني جين شي بينغ عن الشراكة الاستراتيجية مع سورية، وتوقيع اتفاقيات متعددة الاتجاهات والمحاور، وليس خافياً أن الزيارة التي فتحت باب التموضع الصيني الاستراتيجي على البحر المتوسط من البوابة السورية، وأعادت الحياة للوصلة الاستراتيجية في خطة الحزام والطريق بين إيران والعراق فسورية وصولاً إلى تركيا، وضعت على طاولة البحث مستقبل القوات الأميركية في العراق وسورية وعلى حدودهما خصوصاً من جهة، والدور المرتقب للصين في المصالحة السورية التركية من جهة مقابلة، وكلها أسباب تثير الغيظ الأميركي، في ظل نقاش عراقي أميركي حول مستقبل وجود القوات الأميركية. وفيما تبدو الإدارة السياسية في واشنطن مربكة ومصابة بالأزمات، تبدو القيادة العسكرية للمنطقة الوسطى غير راغبة بالمغادرة، وقد باتت لديها موازنة مستقلة عن واشنطن تأتي من نهب ثروات النفط السوريّ وإدارتها.
يعقب التفجير الإجرامي الاشتباكات التي انفجرت في مناطق الاحتلال الأميركي شمال شرق سورية بين الجماعات الكردية المسلحة تحت الرعاية الأميركية، والعشائر العربية، والتي شكّلت نتائجها مفاجأة للقيادة الأميركية والجماعات الكردية، حيث بدت العشائر العربية أقرب للدولة السورية ورعايتها، وأظهرت مقدرة عسكرية لم تكن ضمن التوقعات، فيما لا تبدو الأمور وقد أصبحت تحت السيطرة، بل هي أقرب لحال الجمر تحت الرماد، وقد فشلت المحاولات الأميركية بتلزيم ملف العشائر للمخابرات القطرية، كما بدا الرهان على نتائج نوعية عملية للتحرك الذي يرعاه القطريون في السويداء محدود التأثير على المشهد الإجمالي في سورية، رغم الرعاية الإعلامية والمالية الاستثنائية.
ثمّة فرضية تحتاج إلى التدقيق والمتابعة عن وقوف قيادة المنطقة الوسطى الأميركية عبر تنظيم قسد وراء العملية، وربما أيضاً وراء تفجير أنقرة كما قال الاتهام التركي، بهدف خلط الأوراق بين تركيا وسورية وتعقيد المشهد السياسي أمنياً، وإصابة المشهد السوري بعيون الصين بتشوّهات تفرمل الاندفاعة، ورسالة للعراق ضمنيّة حول مواقفه الداعية لانسحاب القوات الأميركية وعدم العبث في سورية، ورسالة تهديد شديدة اللهجة للعشائر العربية.
سيرياهوم نيوز3 – البناء