القاهرة | تصدّر «مجمّع اللغة العربية» في القاهرة (تأسس عام 1932) المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب كلمتَيْ «ترند» و«ترويقة»، بعدما أعلن حسابه الرسمي على فايسبوك إنّ لجنة الألفاظ والأساليب التابعة له أجازت ضمّهما إلى المعاجم اللغوية الخاصة بالمعهد. خطوة ولّدت جدلاً واسعاً بين محبّي اللغة العربية ومدرّسيها. بعضهم رأى أنّ إدخال كلمات جديدة إلى اللغة هو بمثابة إحياء لها، بينما اعتبر الطرف الثاني أنّ اللغة العربية تحتوي على ألفاظ كثيرة تنفي حاجتها إلى إدخال هذه الكلمات إلى قواميسها، إنّما هي بحاجة إلى خلق «اشتقاق» جديد من كلمات موجودة بالفعل تفسّر الألفاظ الأعجمية.

في هذا السياق، يؤكد أمين عام «مجمّع اللغة العربية»، عبد الحميد مدكور، وجود جدل في الأصل داخل لجنة الألفاظ والأساليب حول اعتماد كلمة «ترند»، قبل أن يغلب الرأي الموافق عليها ويعرّفها المجمّع بأنّها «موضوع ساخن جديد يُثار على منصات مواقع التواصل الاجتماعي». ويبدو أنّ الأمر نفسه انسحب على كلمة «ترويقة» التي عُرّفت بأنّها «ما يؤكل ويشرب في الصباح على الريق». ومن ضمن الكلمات الحديثة المجازة أيضاً، نذكر «ترويسة»، أي العنوان أو الكلمة الرئيسة.
لعلّ ما سبّب الضجّة الواسعة في العالم الافتراضي هو أنّ المجمّع مجهول بالنسبة إلى كثيرين من هذا المجتمع. يعتمد «مجمّع اللغة العربيّة» على طريقة منضبطة في إجازة الألفاظ. فهو يضمّ 40 لجنة متخصّصة، تتنوّع مهامها بين دراسة الألفاظ والأساليب أو الحضارة أو أصول اللغة أو الذكاء الاصطناعي، كما أنّها تخوض نقاشات دائمة حول كلمات وألفاظ بعينها وتدرسها لكي تخرج بموافقة أوّلية، قبل أن تأتي المرحلة الثانية في مجلس المجمّع المكوّن من 40 عضواً. تعرض اللجان المختلفة على هؤلاء ما توصلت إليه في نقاشاتها الداخلية، لتتم إمّا الموافقة على الاقتراحات أو رفضها إفساحاً في المجال أمام مزيد من الدراسة والفحص. ولدى موافقة المجلس على لفظ ما، يُضاف إلى المعاجم التي يصدرها المجمع.
إجازة «ترند» و«ترويقة»، دفعت حاكم إمارة الشارقة سلطان القاسمي، وهو عضو في المجمّع واتحاد المجامع اللغوية العربية، إلى الاتصال برئيس «مجمّع اللغة العربية» في القاهرة عبد الوهاب عبد الحافظ، ليعرض عليه مناقشة الاتحاد في إجازة مفردات كهاتين الكلمتين، حتى يكون هناك تنسيق في إجازتها في كلّ المعاجم العربية.

وقد يجيز المؤتمر السنوي لـ «مجمع اللغة العربية» لفظاً ما، من دون الإعلان عن الأمر مباشرة، إذ يُعلن عمّا اعتُمد من ألفاظ بالترتيب الأبجدي، وهو ما يطيل الفترة الممتدة بين اعتماد الكلمة/ اللفظ من مجلس المجمع اللغوي والإعلان عنه. يرفض المحرر الصحافي والمراجع اللغوي، عبد الفتاح العمدة، تعريب كلمة «ترند» حرصاً «على نقاء اللغة العربية من الكلمات الدخيلة». ورغم تأكيد العمدة أنّ العرب فعلوا ذلك قديماً (أدخلوا كلمات على لغتهم)، وأنّ القرآن نفسه يحتوي على كلمات أعجمية مثل «استبرق»، يعود للتأكيد بأنّه يُفترض «أنّنا نلجأ إلى تعريب كلمة ما، عندما تعجز لغتُنا عن إيجاد مرادفها، أو معنى قريب منها، ولا يمكن للغة توصَف بأنّها أغنى لغات البشر من حيث الجذور، أن تعجز عن إيجاد مقابل أو مرادف لكلمة أجنبية».

ويرى العمدة أنّ لـ «ترند» مرادفات كثيرة في اللغة العربية، واستُخدمت بالفعل، مثل «رائج» و«شائع» و«متصدر» و«متداول»، ولذا لم تكن هناك حاجة لإدخال كلمة معرّبة.

«ترويسة» من بين الكلمات الحديثة المجازة

يخالف ما يقوله العمدة ما كتبه صاحب مبادرة «اكتب صح» لتعليم اللغة العربية، حسام مصطفى إبراهيم، حول ضرورة تطوّر اللغة و«فتح ذراعيها للجديد». ويضيف أنّ اللغة التي لا تفعل ذلك «تنتهي وتموت»، مهاجماً رافضي ما جرى، ومعتبراً أنّهم «يتحجّجون بأنّ الكلمات لم ترد عند العرب، وهو ما يعني أنّهم يطالبوننا بإيقاف اللغة على استخدام العربي القديم».
ويشير مدرّب اللغة العربية إلى أنّ كلمات مثل «الكلاسيكية» و«الميكانيكا»، أصبحت مألوفة في المعجم العربي بعدما أثارت الجدل لدى طرحها بدايةً، وهو ما ينطبق على «ترند» و«ترويقة» و«ترويسة».

علماً أنّه منذ فترة ليست بعيدة، تصدّر «مجمّع اللغة العربية» في القاهرة نفسه قائمة «الترند» على السوشال ميديا، بعدما أجاز فعل «استعبط». وكانت هذه المرّة الأولى التي يتعرّف فيها جمهور مواقع التواصل الاجتماعي الشباب إلى هذا المعهد. وعند إجازة «استعبط» وإعلان ذلك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خرج المتحدّث باسم المجمّع، مصطفى يوسف، ليؤكد أنّ اللفظ اعتُمد في مؤتمر المجمع عام 1990، لكن لم يُعلن عنه إلا في عام 2022. ونتيجة لذلك، وُجّهت انتقادات لإدارة «مجمّع اللغة العربية» بأنّه لا يواكب ما يحدث من حوله، فما معنى إجازة لفظ والإعلان عنه بعد 30 عاماً أو أكثر؟ لكن في الوقت نفسه، إن لم يكن المجمّع دشّن صفحته على فايسبوك، فربّما لم يكن ليصل بيانه حول كلمتي «ترند» و«ترويقة» إلى هذا الكم من الناس!