صنّاع السياسة في واشنطن أن «الحلّ الدبلوماسي» الذي لا يزالون «ينشدونه»، ربما أصبح أبعد من أي وقت مضى اليوم، وأن «المقامرة» الإسرائيلية، في حال استمرارها، قد تودي بالمنطقة إلى حرب أوسع، تتطلّب تدخلاً أكبر من القوات الأميركية، وسط تقديرات تفيد بأنّه من جملة الأمور التي راهن عليها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حين استهدافه الأراضي الإيرانية، هو جرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط، كسبيل للخروج من «مأزقه» السياسي والعسكري. وبعدما نقلت وسائل إعلام، في وقت سابق، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إيران «ستهاجم إسرائيل الإثنين»، رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، على أراضيها، أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بدوره، نظراءه في «مجموعة السبع»، خلال اتصال افتراضي الأحد، بأن «الهجوم المحتمل من حزب الله وإيران سيبدأ في وقت مبكّر الإثنين»، وفقاً لما أفادت به ثلاثة مصادر مطّلعة على المكالمة، موقع «أكسيوس». لكن صحيفة «واشنطن بوست» عادت وذكرت أن إدارة جو بايدن أبلغت المشرّعين الأميركيين أن «الضربات الإيرانية قد تحدث مبكّراً يوم الإثنين أو الثلاثاء»، ثم جاء دور «البنتاغون» ليعلن، مساء أمس، إنهم «لم يلاحظوا أيّ تحرّكات لإيران تشير إلى هجوم في الساعات المقبلة».وبمعزل عن المواعيد التي يضربها الأميركيون للرد، يبدو واضحاً سعيهم لـ«التنسيق مع الحلفاء المقرّبين، وخلق ضغوط دبلوماسية، في اللحظة الأخيرة، على إيران وحزب الله، للتخفيف من حدّة انتقامهما قدر الإمكان»، بعدما بات الردّ «حتمياً» في أذهان الأميركيين، وأصبحت جهودهم تتركّز على «الحدّ من تأثير ضربات» المقاومة، – لا منعها -، بهدف تجنّب «حرب شاملة». والمحاولة التي قادها بلينكن في هذا الإطار ليست الأولى من نوعها؛ إذ نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أخيراً، عن مصادر مطّلعة قولها إن إيران تصدّت لجهود دبلوماسية أميركية وعربية، لـ«التخفيف» من وطأة ردّها على إسرائيل، ورفضت تقديم أي «تحذيرات مفصّلة» من شأنها أن تساعد في «تخفيف تأثير» الضربة، مؤكدةً لعدد من الدبلوماسيين العرب أنها «لا تهتمّ إذا أدّى ردّها إلى اندلاع حرب». ومرّة جديدة، طلب بلينكن من وزراء خارجية دول المجموعة «الضغط على طهران وحزب الله وإسرائيل في هذا الاتجاه»، لضمان أكبر قدر من «ضبط النفس». إلا أنّه في الوقت عينه، أقرّ بلينكن بأنّه «لا يعلم الشكل» الذي قد يتّخذه الرد الإيراني هذه المرة. وأمس، عقد الرئيس الأميركي، جو بايدن، اجتماعاً مع فريقه للأمن القومي، في غرفة العمليات، لمناقشة «التطورات» في الشرق الأوسط، فيما أعلن «البيت الأبيض» أن بايدن أجرى اتصالاً مع ملك الأردن، بحثا فيه «تهدئة التوتر الإقليمي ووقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن».
أصبحت المساعي الأميركية تتركّز على «الحد من تأثير ضربات» المقاومة، لا منعها
ومن بين المسؤولين الأميركيين الذين يتولّون مهمة التحشيد لصالح إسرائيل أيضاً، قائد «القيادة المركزية» في الشرق الأوسط، مايكل كوريلا، الذي وصل إلى المنطقة السبت. ورغم أنّ رحلة كوريلا كان قد تمّ التخطيط لها قبل التصعيد الأخير في المنطقة، إلا أنّه سيستغلّها لمحاولة حشد التحالف الدولي والإقليمي «نفسه» الذي «دافع عن إسرائيل ضد إيران» خلال هجوم الـ13 من نيسان، وفقاً لما أكده مسؤول أميركي لـ«أكسيوس». وفيما من المتوقّع أن يزور كوريلا دولاً خليجية عدة، بالإضافة إلى الأردن، التي تُعتبر «محطة رئيسية» في رحلته، ولا سيّما بعدما أدّت «دوراً مهماً في اعتراض الطائرات الإيرانية المُسيّرة التي دخلت أجواءها أثناء توجّهها إلى إسرائيل، وسمحت للطائرات الأميركية والإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي لاعتراض الطائرات الإيرانية المُسيّرة»، زار كوريلا الكيان الإسرائيلي أمس، حيث التقى وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان هرتسفي هاليفي، وقادة الأجهزة الأمنية ومسؤولين أمنيّين كباراً، وبحث معهم الردّ المنتظَر من إيران وحلفائها.
وتقابل إصرارَ المقاومة على الردّ، رغبةٌ إسرائيلية واضحة، ولا سيما من ناحية نتنياهو، في «إسقاط» أي صفقة محتملة، عبر اغتيال هنية، ووضع شروط إضافية على مشروع الاتفاق. وفي هذا السياق، نقلت بعض وسائل الإعلام الأميركية عن كبار مسؤولي الأمن والمخابرات الإسرائيليين المشاركين في المفاوضات، قولهم إنّ نتنياهو قد «اتخذ قرار عدم المضي قدماً في الصفقة»، بغضّ النظر عن الانطباع الذي أعطاه لبايدن خلال زيارته للمكتب البيضاوي، فيما ذكرت «القناة 12» الإسرائيلية أنّ نتنياهو عقد «اجتماعاً صعباً» مع فريق المفاوضات الإسرائيلي، تحوّل إلى «مبارزة صراخ». ودفع ذلك بعدد من المحللين إلى التحذير من «النوايا» الإسرائيلية الكامنة خلف التصعيد الأخير. ومن بين هؤلاء، المحلل والكاتب، توماس فريدمان، الذي اعتبر، في مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه على أميركا أن تظل «دائماً حذرة» بشأن ما يخطط له نتنياهو، مضيفاً أنه وعلى غرار ما تحدّث عنه الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، ألون بينكاس، في مقال في «هآرتس»، يتعين على المرء أن يتساءل لماذا اختار نتنياهو اغتيال هنية في طهران في خضم محادثات دقيقة؛ هل فقط لأنه كان قادراً على القيام بذلك، أم أنّ إسرائيل «تعمّدت إثارة هذا التصعيد على أمل أن يؤدي اندلاع صراع مع إيران إلى جر الولايات المتحدة إلى الحرب، وبالتالي إبعاد نتنياهو أكثر عن كارثة السابع من أكتوبر، التي لم يُحاسب عليها حتى الآن؟». ويردف فريدمان أن نتنياهو، خلال ما يقرب من 17 عاماً من حكمه، ساعد المصالح الأميركية في المنطقة وقوّضها في آن، مشيراً إلى أنّه لا يثق، ولو لثانية واحدة، بأن رئيس وزراء إسرائيل قد يضع مصالح الولايات المتحدة قبل مصالحه السياسية، نظراً إلى أنّه «لم يضع مصالح إسرائيل قبلها» حتى.
على الضفة نفسها، جاء في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، أنه رغم أن سردية الإعلام الغربي حول عمليات الاغتيال الأخيرة تحاول تسليط الضوء على «قدرات إسرائيل على شن هجمات عسكرية وتكنولوجية معقّدة في عمق أراضي أعدائها»، بعد الإحراج الذي تعرضت له في السابع من أكتوبر، وإحياء صورة «الجيش الذي لا يُقهر»، فإن إسرائيل تتخطى على الأرجح «الحدود» في ممارساتها الإقليمية لأنّها تشعر «بالضعف لا بالقوة»، وتحاول جاهدةً، بعد الضربة التي تعرض لها «ردعها» في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، استعادة ذلك الردع. وطبقاً للتقرير نفسه، فإن تأثير هجوم إيران السابق، في نيسان، لم يحظَ بـ«التقدير الكافي» خارج إسرائيل، باعتبار أن الأخيرة «أخطأت» في استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم تتوقع مثل ذلك «الرد غير المسبوق والضخم والمباشر، الذي شمل مئات الطائرات المُسيّة والصواريخ التي أُطلقت من الأراضي الإيرانية على إسرائيل». ورغم «إعجاب» إسرائيل بعملية الدفاع «المتطورة والمنسقة بقيادة الولايات المتحدة التي تصدّت للهجوم»، فقد ألحقت العملية المشار إليها الضرر بـ«صورة إسرائيل»، التي تدّعي أنها تمتلك القدرة الكافية للدفاع عن نفسها، بحسب التقرير.
والأمر نفسه ينسحب، هذه المرة، على «تدفق» القوات الأميركية إلى المنطقة لحماية إسرائيل، مع استمرار حشد الولايات المتحدة مزيداً من السفن الحربية والطائرات المقاتلة، ونقل السفينة «يو إس إس أبراهام لينكولن»، التي تعمل حالياً في المحيط الهادئ، ومدمرتها إلى المنطقة، جنباً إلى جنب التجهيزات الأخرى الهادفة إلى «ضمان» حماية إسرائيل. على أنه وسط «تشكيك» إدارة بايدن في «نوايا» حليفته، حذّر الأخير، نتنياهو، في مكالمة هاتفية «قاسية»، بشكل واضح، من أنّه في حال لجأت إسرائيل إلى أي تصعيد إضافي، بعد الضربة الإيرانية، فإنّ واشنطن لن تهرع لنجدتها كما كانت تفعل في السابق.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار