آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » محاولة إعادة جبران خليل جبران إلى نيويورك.. لماذا؟

محاولة إعادة جبران خليل جبران إلى نيويورك.. لماذا؟

| نقولا طعمة

الأمم المتحدة تحتفي بمرور 100 عام على صدور كتاب “النبي” لجبران خليل جبران.. ماذا في التفاصيل؟

بمبادرة من جامعة “البلمند” اللبنانية، وبالتعاون مع لجنة “متحف جبران خليل جبران“، وبالتشارك مع الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم، أقيمت احتفالية في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك لمناسبة مرور 100 عام على صدور كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، تحت عنوان “جبران يعود إلى نيويورك بعد 100 عام”.

والحقيقة أن المائة عام لم تكن عودة لجبران، بل لمؤلَّفِه “النبي”، ذلك أن جبران توفي سنة 1931، وأصرّ وفق وصيّةٍ له، على العودة إلى موطنه، فكان ذلك في عام الوفاة، من دون تأجيل.

سبق انتقال  جبران إلى لبنان سعيه لأن تتحول إحدى محابس القديسين الموارنة في مدينته بشري إلى مقرّ دائم له لدى عودته النهائية إلى لبنان، وذلك قبل أن يصاب بالسلّ الذي كان سبب رحيله المبكّر، وتلبية لتوصيته، تملّكت العائلة المحبسة وجعلت منها مدفناً لجبران، حوّلها محبوّ جبران لاحقاً إلى متحف لمقتنياته، وإرثه الفكري والفلسفي.

أما لماذا اختيار “النبي” كمناسبة لإقامة الاحتفالية، فليس من جواب عليها سوى توافق إصدار الكتاب مع العام المائة اليوم، أي 1923، وإعادة جبران إلى نيويورك، على غرابتها، كانت تفترض الانتظار حتى سنة انتقاله إلى لبنان، أي 1931.

الاحتفالية لم تكن أمراً سهلاً، فقد اختيرت لتكون معرضاً لرسوم جبرانيّة من المخصّصة لكتاب “النبي”، وبعض من رسومات أخرى، مع بعض مخطوطات، ووثائق، وأدوات الرسم التي كان يستخدمها، وهي عملية شاقّة، ومعقّدة إذا كان لعملية النقل ألا تكون مؤذية باللوحات، والمقتنيات الجبرانيّة القيّمة، خصوصاً مع فارق المناخ، واختلاف درجات الحرارة، بين موقعها التاريخي في متحف جبران ببشري، ونيويورك.

النبي

و”النبي” كتاب في أقل من 100 صفحة، ألّفه جبران بالانجليزية، وتمت ترجمته إلى أكثر من 110 لغات، ويعتبر من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، واتّخذ كثيرون منه في أميركا، ومجتمعات أخرى، مرجعاً فكريّاً، وثقافيّاً، وروحيّاً، لمضمونه الفلسفيّ الروحانيّ، المستلهم للشرق، وروحانيته المفقودة في خضم الحياة المادية في الغرب الأميركي.

كثيرون رأوا في “النبي” كتاباً لجبران، مُتمثّلاً دور النبي بنصائحه، وتعاليمه، ونظرته إلى الحياة، وبنبرته التعليمية، وعودة المصطفى (جبران افتراضاً) من مدينته في جزيرة أورفليس (نيويورك افتراضاً) إلى موطنه الأصلي لبنان.

اللغة الجبرانية مكتسبة بالتجربة والخبرة الطويلة في الحياة، وليس بالعلم، فقد تلقى جبران دراسة محدودة لأنه سافر في سن الثانية عشرة (1895) مع عائلته إلى بوسطن الأميركية، ثم عاد إلى لبنان لثلاث سنوات لدراسة اللغتين العربية والفرنسية في مدرسة الحكمة، ثم مجدّداً إلى بوسطن للالتحاق بعائلته التي فقد نصفها، ومنهم أمه، وشقيقه، وواحدة من شقيقتيه بالمرض، ورغم المأساة، تابع جبران إبداعاته، فأقام أول معرض فني له سنة 1904.

إلهام المعرض فتح باباً واسعاً في حياته بالتعرف على ماري هاسكل التي حلّت أماً، وشقيقة، وصديقة، وحبيبة، ناصرته في كثير من الاهتمامات، ورافقته حتى مماته، حيث نُقِل إلى مدينته الأم بشري، ووصلها في 22 آب\أغسطس من العام نفسه.

روحيّة جبران

كتب جبران مفعمة بروحيته، لكن من أراد تحسّس هذه الروحية عن كثب، أمكنه ذلك بزيارة متحفه في بشري، في مغارة تتصدر جبل الأرز، بين صخور ضخمة، وجرى تنظيمه بما يتوافق مع حاجاته، من ممرات، وصالات، وزوايا، وعلى مدخل صالته، ارتفعت عبارة تتلألأ أضواءً مثالاً على ما يمكن أن يلمسه المرء من جبرانيّات: “ما زلتُ حيّاً مثلك، وواقفاً إلى جانبك”.

كثيرون يتمنون أن يحضروا إلى المتحف لالتماس الروحية الجبرانية عبر كتابات له، ومقتنياته في المتحف الذي ضم آثاره التي أرسلتها ماري هاسكل، ومجموعة من الشباب البشراويين، وضمّت أغراضه الشخصية، ومكتبته الخاصة، و441 من لوحاته الاصليّة، ومخطوطات من 550 كتاب، من محترفه النيويوركي، إلى بشري، فاحتُفِظ بها في مدرسة المدينة، وهي تشكل ثلثي أعماله، بينما توزعت البقية بطرق مختلفة، ومنها 40 لوحة اشتراها المتموّل اللبناني كارلوس سليم.

أمّا المقتنيات التي نقلت إلى نيويورك للاحتفاء بمئوية “النبي”، فضمت 23 من لوحاته، وبعضاً من أثره، منها مخطوطتان لكتاب “النبي” بخط يده، واحدة منهما منقّحة بقلمه، وبذلك يتسنى لمن يصعب عليه زيارة المتحف البشرّاوي، الإطّلاع على ما بقي حياً من أثر جبراني.

اختيرت اللوحات مما نشر في كتاب “النبي”، وبعض مما رسمه من وحي وادي القديسين، وبعض لوحات لصديقاته، بالإضافة إلى دفاتر، ومخطوطات ووثائق، وأدوات الرسم التي استخدمها.

احتفالية نيويورك

على منصة الأمم المتحدة، جرى الاحتفال بعد أن اكتملت عدّة الشغل، ووصول المقتنيات الجبرانية، وتركيبها، وتوزيعها، وحضرت المناسبة وجوه لبنانية، وعدد من المغتربين، والمهتمين، والبعثات الديبلوماسية، وتحدث مدير متحف جبران جوزف جعجع عن المتحف وأهمية اللقاء، وألقى رئيس جامعة البلمند الياس الوراق كلمة من وحي المناسبة، وقال: “في عصرنا، كم نحنُ بحاجةٍ لفلسفته، وعلمه، وتعاليمه، وفي زمن تطغى عليه مآسي الحروب، ويحكمه الظلم، ويتحكم به أشرار العالم”.

وتابع الوراق قائلاً: “كم نحن بحاجة في زمن تطغى عليه حروب التدمير، والقتل، وحروب الاقتصاد والمال التي تجوِّع الناس، وتميتهم، وكلّها حروب عبثية تنتهي كما قالَ جبران “حيث يتصافحُ القادة، وتبقى تلك الأم تنتظرُ ولدها الشهيد”.

ومما جاء في كلمته: “بعدَ مئةِ عامٍ، بأيِّ حالٍ عدتَ يا جبران. في حالٍ نشهدُ فيها طبولُ الحربِ تدقُّ مضاجعَ الناسِ، وتُدمِّرَ بيوتهم وآمالهم. في حالٍ تتعاظمُ فيها أمراض البشرية، فبعضُها يأتي من تمادي الإنسان في إجرامه بإنهاكِ الطبيعةِ ومواردِها، وبعضها يأتي من فبركةِ علماء تنصّلوا من الأخلاق في علمهم، فابتدعوا أمراضاً تُهلِكُ ولا تُهلَك”.

وقال أيضاً: “كم نحنُ بحاجةٍ في زمن التطرّف الديني الأعمى إلى من يحملُ شعاراً ما قاله جبران: “أنا مسيحي ولي فخرٌ بذلك، ولكنني أهوى النبي العربي، وأكبّر اسمه، وأحبّ مجدَ الإسلام، وأخشى زواله”.

وتمنّى ختاماً أن تبقى “هذه المؤسسة صلةَ وصلٍ ووسيلةَ سلامٍ بين جميع الأمم”.

تخلّل الاحتفال قراءات من جبران خليل جبران بالّلغات الصينيّة، والروسيّة، والفرنسيّة، والاسبانيّة، والهنديّة، والانكليزيّة، إلى لوحة راقصة تقديم فادي خوري، وايليسا طورو فرانكي، وغناء مع ناجي وكريم يوسف وعزف على العود من موريس شديد، وعرض فني من الممثلة سارة بيطار.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رحيل المخرج الكبير عبد اللطيف عبد الحميد عن عمر 70 عاماً

نعت نقابة الفنانين والوسط الثقافي المخرج الكبير عبد اللطيف عبد الحميد عن عمر يناهز 70 عاماً حيث شهد النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين انعطافة في ...