كمال خلف
ما بعد الثورة الفرنسية وحروب أوروبا ومحاولة نابليون الاخلال بالتوازن داخل أوروبا وقبل 200 عام.. نشأ الحلف المقدس او حلف الملوك.. 4 دول رئيسية في أوروبا شكلت ما يشبه نظاما دوليا متحكما بمسار ومصير السياسات العالمية وحركة واتجاه السياسات الدولية ” واستمرت هذه المنظومة الغربية بقيادة العالم، تدافع عن بقائها في هذا الموقع الدولي وان طرأت عليها تحولات مع حربين عالمتين بعناوين اكثر شمولا وموثوقية مثل عصبة الامم، ثم الأمم المتحدة، الا ان طرأ بعد الحرب العالمية الثانية تطور هام يحدث لأول منذ ذاك التاريخ.. وتحول ذاك الحلف الغربي القائد للنظام الدولي الى شكل اخر ثنائي القطبية الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، واطلق هذا ما عرف بالحرب الباردة.. ثم انهار السوفييت ودخل لعالم الى شكل جديد احادي القطبية بقيادة أمريكا.. هذا رتب على أمريكا سياسات وافعال في العالم وحروب حققت مصالح ولكنها في ذات الوقت اثرت في قوة هذا النموذج وارهقت أمريكا، لنبدأ ومنذ عقود ماضية طرح فكرة نظام متعدد القطبية مع صعود قوى دولية بدأت تتلمس مصالحها خارج حدودها. وهذا التأثير لهذه القوى وصل الى الينا هنا في المنطقة العربية، ونظرت اليه قوى ودول في الشرق الأوسط بأشكال مختلفة، لكن في المحصلة برز ان هناك ثمة فرصة لكسر الاحتكار الأمريكي الغربي للنظام الدولي حتى إسرائيل اضطرت الى تفاهمات مع روسيا في سورية والى تعزيز العلاقات مع الصين..
في الشرق الأوسط وصلت تأثيرات التنافس على التعددية القطيبة، وبدأت تظهر ملامح ارتخاء القبضة الامريكية على الشرق الأوسط ودخول القوى المنافسة وحصل فراغ نسبي ” عسكريا روسيا في سوريا وليبيا، حتى بدأت تظهر قواعد عسكرية صينية في جيبوتي ومحاولة انشاء أخرى في الامارات، ودخول سياسي تمثل برعاية الصين للمصالحة بين السعودية وايران، ورعاية روسيا لمسا استانا في سورية.. ودخول كلا القوتين الى ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر رعاية الصين، وكذلك روسيا للمصالحة الفلسطينية، ودخول اقتصادي عبر مشروع الحزام والطريق الصيني.
وما يحصل الان سواء حرب غزة او لبنان او سورية هو ردة فعل من المنظومة الامريكية الغربية للدفاع عن مركزيتها في قيادة العالم، هي ردة فعل عنيفة تجاه التحولات الدولية ومحاولات كسر التوازن العالمي القائم، و7 أكتوبر كانت المناسبة وليست العامل الرئيس لان ٧ أكتوبر كادت ان تشكل نقطة التحول الاوضح في نهاية عصر في الشرق الأوسط ودخول عصر جديد مختلف.. اذن نحن امام محاولة عنيفة رافضا لمسار نتائج تحولات دولية وإعادة فرض المركزية الغربية في النظام الدولي بالقوة العسكرية الإسرائيلية المدعومة بلا حدود من المنظومة الغربية ” سياسيا وعسكريا ” وقوة النفوذ والاستخبارات وأحدث مقدرات التكنولوجيا والقدرة الامريكية التي استخدمت قدرات هائلة سواء لفرض واقع جديد في لبنان او حماية الإبادة في غزة او تنفيذ إزالة النظام في سورية ومحاولة اضعاف ايران.
وما يبدو امامنا الان في الصورة هو تراجع القوى المنافسة على تغيير النظام الدولي، او بشكل أوضح انتكاسة هذه المسار، وحدث انكسار له، وتثبيت مركزية مطلقة للنظام القطب الأوحد المتلحف بعباءة المنظومة الغربية ككل.
هذه الوضع فرض وقائع جديدة سواء في موازين القوى داخل الدولة الواحدة او على مستوى الإقليم، او في الجغرافيا السياسية. ودفع اللاعبين تيارات وأحزاب ودول في الشرق الأوسط الى إعادة التموضع ومحاولة التكيف مع هذا الوقائع الجديدة المختلفة. ودفع إسرائيل الى احياء مشاريع والتحرك خارج الاطار المحدود المقيد لها، وبدأت إسرائيل تحاول ان يكون لها نفس المزايا التي تملكها الولايات المتحدة ودول إقليمية فاعلة في المنطقة، سواء تمثل ذلك بمحاولة انشاء قواعد عسكرية ثابته خارج الحدود، او فكرة انشاء قوات غير نظامية “مليشيات” في بؤر الصراع تقاتل بالنيابة ولا تعود تل ابيب بحاجة الى جيشها في صرعات سوف تنعكس عليها داخليا، وانشاء كتائب إعلامية عربية تدافع عن سردياتها وهذا حدث في حرب الإبادة على غزة ولبنان، واعتقد ان إسرائيل ستجد في الوضع الجديد في سورية تربة مناسبة لتجريب ذلك، وهذا من الأسباب التي تدفع إسرائيل الى تشجيع عدم الاستقرار في سورية، وتشجيع التقسيم الجغرافي والعرقي والطائفي.
ولكن السؤال اليوم المطروح على كافة النخب السياسية والفكرية في عالمنا العربي، هل ردة الفعل العنيفة هذه من المنظومة الغربية على مسار التحولات الدولية نحو عالم متعدد القطبية يكسر الاحتكار الغربي للقيادة العالمية، وما شهدناه في الشرق الأوسط كأحد النماذج تمظهر بوضع الولايات المتحدة والمنظومة الغربية ثقلها لقلب الطاولة على بروز أي قوى دولية جديدة او بروز قوى إقليمية حاولت تغيير قواعد اللعبة القائمة، سيكون نهاية المطاف؟ وان مشروع ابعاد النفوذ الأمريكي عن الشرق الأوسط او اضعافه لصالح وما يترتب على ذلك من تغيرات عميقة في ملفات جوهرية شرق أوسطية على رأسها موقع وقوة وتأثير إسرائيل في المنطقة قد انتهى وعلينا الانتظار عقودا طويلة انتظارا لتغييرات وولادة قوى جديدة تعيد الكرة وتحاول احداث خرق في هذا الجدار؟ ربما ما جرى يشبه ما يقوم به الانسان عادة من ردة فعل عندما يحاول شخص انتزاع شيء ثمين من يده؟ يقوم بالإمساك به بعنف وشده بقوة. هذا في النهاية يعني ان ثمة منازع فشل، ولكن لا يعني أنك نجحت بالاحتفاظ بالوضع بشكل دائم. ما حدث في منطقتنا العربية هو سيولة احداث لها تداعياتها، ولها ما بعدها، ومن الصعب القطع بما سيكون عليه المستقبل القريب
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم