آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » محاولة للفهم.. غياب الرد على الهجمات الصهيونية في سورية؟

محاولة للفهم.. غياب الرد على الهجمات الصهيونية في سورية؟

علي الزعتري

 لم أُرِدْ بعد سقوط حكم حزب البعث في سوريا و مجيئ نظامٍ جديدٍ يحمل عقيدةً دينيةً أن أخوض استشرافياً في ما يحدث في سوريا لإيماني أن التغيير الذي حصل لا يتحمل كثيراً من التنبؤات وذلك من وجهة نظري لغياب حقائق متعددة فباستثناء ظهور مظالمَ بشعةً في سجونٍ وبذخٍ في منازلٍ وانعدام رحمةٍ عبر شهادات ضحايا أصابت النظام السابق وكانت كلها شائعةً ومسكوتٌ عنها، فإن فرحةً عامةً انتابت الشعب لشعوره بالخلاص من الظلم، وبات واضحاً كذلك أن الموقف السوري الجديد هو رهين قادماتٍ سياسيةٍ في عمقها، و إلى حدٍّ كبيرٍ غير مُعلنةٍ لكنها من وراء ستار تتحكمُ بعودة الحياة للشرايين السورية صحيحةً ومغذيةً، و لذلك تبقى علامات عودة الحياة الطبيعية للمواطن رهينَ حساباتٍ دقيقةٍ وشروطٍ لا يسيطر عليها. لكن ليس من سوريٍّ آسفٍ على ما مضى من حكم بل جلهم قابلٌ بما أتى آملٌ بالتغيير. وبالطبع سيبقى مَنْ ولائهُ للماضي، ومنهم من سيعمل لعودتهِ، و لكن أغلب هذه المجموعة ستطويهم الأيام.

غير أن لغزاً رافق التغيير فيما قامت به الصهيونية فوراً بعد حدوثهِ من القصف والاحتلال والتحدث عن التقسيم وحماية الدروز، وغياب أو خفوت الرد السوري. تحت حكم البعث كان الرد السوري غير مباشرٍ على الاعتداءات المتكررة وذلك بدعم محور المقاومة و فتح سوريا لتحركه لكن الذي عابهُ كان الامتناع عن الرد المباشر في الداخل الصهيوني واللجوء لعبارة الرد في الوقت والمكان المناسبين التي مع تكرارها صارت صيغةَ هروب، وكان التبرير المُتاح هو أن البلاد منقسمةً محاصرةً ولن تحتمل جبهةَ حربٍ مع الصهيونية.  وقد يكون التفسير صالحاً اليوم فالبلاد لا تزال منقسمةً ولن تحتمل حرباً بل لا تقدر عليها حتى لو أرادت بعد التدمير الذي طال الجيش.  الفارق الوحيد هو أن الصهيونية تمددت داخل سوريا بعد التحرير أو التغيير و دمرت مقدراتٍ ثمينةٍ لأي جيش و تتحدث عن التقسيم و ما من مقاومةٍ لها إلا بالكلماتِ و لماماً، فيما تحت الحكم السابق كانت القوات السورية تواجه الهجوم الصهيوني الجوي متى استطاعت وتمنع احتلالاً جديداً، وإن نأى الحكم عن ما بعد أحداث ٧ أكتوبر بشكلٍ لم يكن فيه شك، وكان التفسير أن حرباً مع الصهيونية في ظروفٍ لم تكن مُنَّسقةً في المحور هي غير ممكنةٍ. ترَّدَدَتْ بعد التغيير وحتى قبلهُ أحاديث عن تنسيقٍ صهيونيٍّ مع الحكم السابق وصل لدرجة تصريحات صهيونية أنه كان حليفاً يؤسفُ على فقده وأشكُّ في ذلك مع الفهم بوجود اتصالاتٍ غير مباشرة يكشفها المستقبل. هل هذا موضوعنا هنا؟ كلا. لا أزال متحفظاً عن الخوض في القادم السوري وآملاً دوماً لسوريا والسوريين، الذين عاصرتُهمْ عن قرب في الشام الشريف، كل مستقبلٍ زاهرٍ بكرامةٍ و نصرٍ فالتغيير حدث ومشى وهو حق السوريين قبل غيرهم أن يتكلموا بشأنهِ و يُقيِّموه.

لكن المسألة التي تؤرقني هي غياب الرد على الهجمات الصهيونية.  الوضع تغير من دولةٍ كانت تملك المقدرات وقد قررت كما بدا عدم الرد مباشرةً إلى دولةٍ بدون تلك المقدرات لكن مع عقيدةٍ لا تملك السكوت على الاعتداءات، وقراراً كما يبدو بالسكوت. بمقالاتٍ سابقةٍ تكلمتُ عن فهم المعركة والزمن عند الحركات الإسلامية.  هي عموماً تنظر للحرب الكُبرى حين ينتصر المسلمون ذلك الانتصار الموعود إلهياً.  هم لا يختلفون في هذا عن اليهود والمسيحيين المؤمنين ينصرٍ مشابهٍ لهم. لا أحد يعلم متى وقت هذه الحرب، وإلى حينهِ لا بد من حصول شروط ليس أقلها أهمية بنظر هذه الحركات إعادة الشرع الإسلامي للحكم.  وما قد يكون من حروب بينية هي موقعاتٍ أو خطواتٍ لا تحملُ مغازٍ غير ما تأتي به وتذهب من آلامٍ و فرحة وإن كان البعض يحتسبها تدرجاً تصاعدياً يقود للنصر الكبير. لكنها هذه الحروب على شراستها كلها بنظرهم وقتيةً لأن الزمن و الظرف الحُكمي الإسلامي لم يحن وقته بعد. إن نسيت الحركات الإسلامية التي تتحول لحكوماتٍ أنها أصبحت في خضم العصر المتسم بالسياسة الحقيقة حين لا مجال واسعاً للطروحات الدينية دون قوةٍ تساندها فسرعان ما يجري تذكيرها بهذه الحقيقة وهي لهذا في حالةٍ من الخُطى تبدو مترددةً بين الحالتين في كيانٍ واحدٍ، أن تكون حركةً ودولةً يجب أن تملك زمام الأمور أو أن تكون آنسةً للزمان الذي لا بد سيكون في صالحها وإلى وصله فستظهر بمظهر الدولة المحترمة للقوانين. ولكن الواقع ليس كذلك في الحقيقة.

“حماس” في غزة هي ثورةٌ و دولة ولم تستطع أن تتجاوز هذه المعادلة التي تستوجب منها الحفاظ على المواطن والنصر.  في الحرب الأخيرة تجاوزت الخسارة ما يفوق التصور لقطاعٍ صغيرٍ و صحيحٌ أن المقاومة لم تنتهي لكنها كذلك لم تتوسع أرضاً بل أنها تجد نفسها مضطرةً للدفاع عن نفسها في ظل ظروف معيشية عاتية و بناء دفاعاتها في ظل وحشٍ استعماري يقف العالم معه.  حزب الله لم يكن ثورة ودولةً بل طرفاً من دولةٍ لا يحمل كثيرون منها له العاطفة بل على النقيض من ذلك تماماً. قد يكون “الكر والفر” ليس إلا سياسةً، كما يتهيأ لهذه المقاومات/الحكومات، تُغطي فيه على هدفها الأعلى والأبعد زمناً وهو النصرُ المُبين الذي لم تكتمل شروطه بعد.  لكني أعتقد أن من شروط الوصول لمرحلة إعلان الجهاد الشامل عندهم (مع معرفة عدم معرفة وقت حرب النصر الإلهي النهائي) هو إعادة بناء الدولة (الفلسطينية أو السورية في هذا المثل) على أُسَسٍ هي على الأقل ليست علمانيةً إن لم تكن دينيةً مُطْبِقَةً على كل مجالات الدولة.  مثلاً، أفغانستان ترى نفسها دولةً أكثر قُرباً للكمال الشرعي من الپاكستان ولذلك أقربَ للنصر الإلهي علي العدو أيَّاً كان. و ترى إيران نفسها كذلك الأمر.  لكن التحدي الذي يواجه الحكومات عندما تتوجه للمسار الديني هو الضغوط ضد هذا المسار من الداخل والخارج لأسباب مختلفة هي في عالمنا المتشابك لا يمكن التملص منها أو إخفاءها.  فما بالك حين تكون الصهيونية هي الخصم والخصم المؤمن بالنصر الإلهي لليهود على باقي الأُمم.  ويدعمها نظامٌ سياسيٌ فوضويٌ في الولايات المتحدة يُباهي رئيسهُ بفكرة توسع “إسرائيل” كونها قليلة المساحة وهو مؤمنٌ بنبوؤةِ “غيلغاميش” حين النصر للمسيحية على غيرها من أديان وبضمنها اليهودية التي تتسلل إفتلاتاً من هذا الدهم المسيحي الآتي عبر مفاهيم تجديدية مسيحية أقرب لليهودية منها للمسيحية. في حالتنا يعني هذا أن تحويل (سوريا وفلسطين أو غزة أو لبنان) من علمانية إلى دينية إسلامية عابرةٍ للجنسيات والعروق. إذا افترضنا أن الدينية هي المقدمة للتهيؤ للحرب المقدسة مع المحتل ستواجه بلداننا الضغط الداخلي والخارجي لأننا بلاد أعراق وطوائف لا يمكن صبغها بلونٍ واحد. ثم أن تستعدَّ لمقاومةٍ احتلال على الأساس الديني فالصهيونية لن تقف متفرجةً. وهناك لذلك حيرةٌ تتناوش من يطرق هذا الموضوع وكيف يفهمه.

فهل من شروط الاستعداد تبييض الصفحة الوطنية مدنياً وعسكرياً من كل ما قد كان شابها في حكمٌ سابقٍ وبناء مؤسساتٍ جديدةٍ تملك العقيدة الدينية و الوسيلة وتكون مستعدةً لإزاحة احتلال؟  هل يمكن إعادة الإعمار العسكري لدولةٍ مقاومةٍ و مقاومةٍ دون دولةٍ من دون قيودٍ خارجية؟ هل يمكن وضع هدف الحرب المقدسة فوق هدف الحفاظ على حياة و معيشة الشعوب؟ أم هل الخطة هي وضع مسألة الاحتلال الصهيوني جانباً لأجلٍ يطولٍ لأن القدرة الآنية والمستقبلية قاصرة على مواجهته؟ وكيف ستبدو الدولة الجديدة بعيون مواطنيها إن فعلت ذلك؟  كيف ستبدو حماس و حزب الله في ظل استمرار الاحتلال والاعتداء؟ ألا يبدو أننا أمام اختياراتٍ ليس أقلها السكوت عن الاحتلال و قبوله ريثما تتهيأ لمواجهته الحكومات والمجتمعات الغارقة في دوامة المعيشة و الضغوط الخارجية؟ أم أن الحل هو في عودة المقاومة اللا دولة؟ الحقيقة أن المواطن السامي والعادي لم يعد يفهم ما يدور حوله وبشأنهِ.  فهل من يُفهِمُنا؟

اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم
x

‎قد يُعجبك أيضاً

الضربة المميتة لخطة ميتة

نبيه البرجي   من سوء حظ قمة بيروت عام 2002 التي أطلقت المبادرة العربية، أنها عقدت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، بذلك الفريق من ...