آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » محمد بصري: تأدب في حضرة الزلزال لا مجال للنكتة السخيفة

محمد بصري: تأدب في حضرة الزلزال لا مجال للنكتة السخيفة

يقول الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي”عندما تقف على مآسي الآخرين وانكسارهم .. إياك أن تبتسم تأدب في حضرة الجرح؛ كن إنساناً أو مت وأنت تحاول”.

يعتقد باروخ اسبينوزا المفكر الهولندي المغضوب عليه دينيا أن الشر ينتج انفعالات  سرعان ما تتحول  إلى غبطة سلبية والفعل يحول هذه الغبطة إلى سلوك فاعل سلبي أيضا  بالتالي الشر حسب ما نقله عنه “فريدريك لونوار” هو ارتباك و قلق العواطف و الرغبات الانفعالية السلبية التي يتم فيها استخدام العقل والمخيلة بتحويلها إلى آلة لضخ تصورات الشر .عندما نفتش عن جذور الكراهية لا نجد لها أصولا دينية كما يروج لها.النصوص المقدسة الابراهيمية السماوية لا تحث على التطرف إلا في حالات التأويل والشرعنة المشوشة لدلالاتها ومعانيها .الكراهية هي الجزء المرضي من السادية الانفعالية. فهي في التحليل النفسي خطاب جنسي يستبد بالنفس حسب التحليل اللاواعي  والمراهنة والإصرار على الاستبداد بالشخص واضطهاده رمزيا ومعنويا بإلحاق الاذى به دون أي اعتبار للمعايير القيمية والإنسانية.

حري بالإعلام أو الفقه الاعلامي إن شئتم أن يواكب آلام المطحونين والمظلومين والمقهورين اجتماعيا وسياسيا وحتى ثقافيا.لكن أن يتحول إلى أداة غير شريفة في التهكم من  أوجاعهم واضطراباتهم وضعفهم فهو أمر مأساوي  خليق بنا  إعادة النظر في منظومة القيم والقوانين والمواثيق التي يخضع لها. مانشرته صحيفة ” الايبدو شارلي ” يوم الثلاثاء 7 فبراير2023  من كاريكاتير ساخر وتافه حول ضحايا زلزال سوريا وتركيا الذي حصد أكثر من 46 الف ونفس وأزهق أرواح أطفال ونساء وشيوخ تحت الردم والهدم .كان طبيعيا.الزلازل لا هوية ثقافية لها ولا دينية ولا اجتماعية إنها سنن ونواميس تحكم الأرض وتتحكم فيها قوانين صارمة تتأتى وفق حركات في الصفائح التكتونية العميقة في كوكبنا .هي حركة شهدتها الكرة الارضية منذ سنة 4.54 مليار سنة أي منذ تشكلها وخلقها الأول.يتساوى تحت الصدع والهدم الطفل والمتدين والفاجر والعالم وحافظ كتاب الله والرضيع والقسيس والراهب  والدرويش. لكن الشيء الذي يستبد بالنفس سلبيا ويجعل الإنسان يفكر مليها في شبكة القيم الثقافية والأخلاقية التي تتحكم في العقل الحداثي أو مابات يدعى العقل الاعلامي المعاصر هو أدلجة الظاهرة الطبيعة توصيفها توصيفها سياسيا وإقحامها في لعبة الحروب القذرة . وتحويلها إلى أصنام أيديولوجية الغرض منها الانتقام السياسي والاجتماعي.صورة الكاريكاتير الفاجر الذي كُتب أسفله عبارة غير مبررة وتافهة ” لا حاجة لإرسال دبابات” meme pas besoin d’envoyer de chars. وهي تدوينة و تعليق عن صورة في حطام وانهيار لمباني فوق رؤوس قاطنيها.وكأن الكائن العربي اليوم كُتب عليه الموت هدما وردما وصعقا وسحلا في الشوارع وفي أضعف الايمان رجما بالصواريخ وقنابل الدبابات.ماذا نفعل لطائفة كبيرة من الغرب تتمادى في الكراهية وتسوق لهذا الخطاب إعلاميا مع أن  آﻳﺎت (لوقا 6: 27-38): «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ،الآية السادسة من إنجيل لوقا على لسان المسيح عليه السلام تقول أحبوا الأعداء” ،لكن الغرائبية الحضارية تقول أن الغرب لا يحب . هو ضد الكل ومفردة “الحب” لم تعد من خياراته الاستراتيجية ولا يبدي لنا كعرب  أي مودة أو استعطاف ماذا نفعل إذن؟هل نتوسل الحب منه ؟

هذه الديمقراطية التي تهين الآخر وتتندر بأوجاعه وتستنزف ألامه من أجل إشباع نهم إعلامي أو استمالة جمهور مريض مهوس بالفرجة الغبية واللاقيمية هو سلوك غير أخلاقي غايته زيادة المتابعين وتكديس المشاهدية والرعاع الذين يحسنون الصياح والهياج والصراخ أمام حضرة الألم المبجل قيميا وأخلاقيا ،مع أن الرواية البولوسية المنحولة في أناجيل فترة داساموس التي تم تدوينهم فترة الرومان بعد قرنين من غيبة المسيح تدعو وتنبه إلى احترام مشاعر الناس والأغيار .المؤسف أن من يدرسوننا الانسانية وهناك عشرات المذاهب الأخلاقية والمؤنسة ومئات البحوث وآلاف الإتجاهات المذهبية الحداثية و الما بعد حداثية هي التي تُصدر للعالم الثالث القيم وثقافة الأنسنة، كون العوالم أنواع عالم علوي يعيش فيه أهل صناعة القيم  وعالم سفلي ننتمي له نحن السائرون في قطار التنمية. تُعودنا هذه المذاهب على أن نقفز  فوق الحبال ونتجاوز المكعب والمربع البشري لندخل إلى الحظائر الانسانية المؤهولة بالسكان الغربيين المأنسنين. شعار “حرية عدالة إخاء “هي الكذبة العابرة من ديمقراطية مهترئة  تستهزئ بالأخر وتدمره أخلاقيا. هذا النمط من الثقافة الاعلامية هي انعكاس لضمير مضطرب فاقد لبوصلته الجمالية .ووعي مهزوز فاقد لإيتيقا التواصل.هو إعلام عبد لنوازعه لا علاقة له بالتحرر ولا يمكن معه بناء جسور للتواصل والتسامح أو حتى التفكير في الغفران.

سوريا قلب الوطن العربي بعيدا عن المهاترات السياسية والإيديولوجية .كل العالم مدين لهذا الشعب بالاعتذار ، هذه الأمة التي تألمت قرابة عشرية كاملة. عذابات وفقر وحروب وانقسامات وفوضى اجتماعية واقتصادية و تدهور في كرامة وإنسانية الإنسان.لا يليق بالإنسان المتمدن المابعد ديمقراطي التنكت بمعاناة شعب لازال صامدا يبدي أروع ضروب الجَلد والصبر المتناهي.

مهما تكن حرية التعبير مقدسة أو غير مشروطة فهي ليست صنما جديدا يضاف إلى قائمة الأصنام الحداثية التي باتت تعبدها المركزية الغربية .لن يكون هذا الوثن مقدسا أكثر من الانسان المكرم لاهوتيا وأخلاقيا. لن نركع لصنم جديد يهين الكل باسم التحديث والتطور والحرية.

إحتواء الانفعالات الاعلامية رهين بالوعي الاخلاقي .زمن الصحافة الصفراء التي تتاجر بالأعراض قد انتهى وعولمة الثقافة الاستفزازية والحقيرة لم يعد الضمير السياسي والإنساني قادرا على  تحمله.

كاتب من الجزائر.

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...