| لبنى سليمان
شغلت قضية انتقال اللاعب الأشهر في تاريخ الكرة المصرية إلى «الاتحاد» السعودي الملايين على مستويات عدّة، أوّلها سياسي. لكنّها في الوقت نفسه كشفت عن ضعف الصحافة المصرية إلى الحدّ الذي دفع مواقع تحظى بإقبال جماهيري، إلى التنافس على الانفراد أوّلاً بخبر مغادرة «مو» لـ «ليفربول» رغم أنّ الصفقة لم تتم بعد
قضية استمر الحديث عنها قرابة 20 يوماً، منذ الإعلان للمرّة الأولى عن وجود مفاوضات بين النادي السعودي والـ «ريدز»، بهدف الحصول على توقيع «مو صلاح» لمواجهة التدعيمات التي أجرتها الفرق المنافسة، والمتمثّلة في وجود البرتغالي كريستيانو رونالدو في «النصر» ونيمار البرازيلي في «الهلال»، على أن يلعب «أبو مكّة» إلى جوار النجم الفرنسي كريم بنزيما المنتقل حديثاً إلى جدة.
في هذه الصفقة التي لا تتوافر مؤشّرات على إتمامها حتى لحظة كتابة هذه السطور، تحوّل الأمر إلى ما يشبه حرب معلومات أفاد منها الجميع فيما خسرت الصحافة. إذ تم ترويج مجموعة كبيرة من الأخبار المتضاربة المفتقرة إلى مصادر معلنة، عن إصرار «اتحاد جدة» على الفوز باللاعب المصري، وأنّ الصفقة باتت على وشك الحدوث بعدما ترك صلاح القرار في يد «ليفربول»، بما معناه أنّه وافق بالفعل. أضاف بعضهم في التقارير المغلوطة أنّ العامل الديني لعب دوراً في القضية، وأنّ «الملك المصري» يريد الانتقال إلى جوار «مكة»، ووصل الأمر إلى حد بث برنامج «الديوانية» على القنوات الرياضية السعودية خبراً يؤكد أنّ صلاح سيطير إلى جدة الجمعة. كان ذلك يوم الأربعاء الماضي، وبالطبع، ما زال الرجل بين زملائه في «ليفربول».
اللافت أنّه في الوقت نفسه، كانت تصريحات النفي التي توالت على مدار أيام عدّة، من قبل وكيل أعمال اللاعب المصري رامي عباس، والمدير الفني لـ «ليفربول» يورغن كلوب، واللاعب الكرواتي المقرّب من صلاح. لكن التصريحات لم تدفع أبداً المواقع المصرية للتشكيك، من بينها «القاهرة 24» و«بصراحة»، وهما من المواقع الحديثة نسبياً لكنّهما يلقيان إقبالاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، رغم اتهامهما بعدم المهنية. غياب المهنية كان واضحاً في قضية مو صلاح، إذ انحاز هذان الموقعان وغيرهما إلى الرواية السعودية المسرّبة، من دون اعتبار النفي احتمالاً وارداً، ربّما استجابة للذهنية المصرية التي تسيطر عليها حالياً فكرة أنّ السعودية تستطيع شراء أي شيء. وهو ما أضاف البُعد السياسي إلى الملف، إذ رأت أصوات مصرية عدّة في بقاء محمد صلاح في «ليفربول» بمثابة رد اعتبار في وجه محاولات السعودية المستمرة تسليع نجوم مصر، وخصوصاً على صعيدَي الغناء والتمثيل. كأنّ «لا» التي أعلنها صلاح قد تمّ «تمصيرها» لتعبّر عن موقف قومي وليس لقرار فردي.
بقاؤه في «ليفربول» رد اعتبار في وجه محاولات السعودية تسليع نجوم مصر
ما جعل الموضوع كله مثيراً للسخرية والأسى في الوقت نفسه، هو ابتلاع المواقع المصرية الطعم عند الإعلان عن موعد وصول صلاح إلى جدة، فتسابقت لبث منشورات تؤكد انفراد كل صحيفة بخبر التوقيع، على الرغم من أنّ هذه الانفرادات كانت نقلاً عن مصادر سعودية وقطرية. ورغم أنّ الانفراد لم يحدث على أرض الواقع، وفي حال حدثت المفاجأة بعد أيام تحت أي ظرف، فأي مهنية تلك في نشر أخبار متضاربة ثم التفاخر بأنّ أحدها تحقق على أرض الواقع؟ وهذا تماماً ما يحدث مثلاً عندما تنشر مواقع شائعة وفاة فنان يعاني من أزمة صحية حرجة، وعندما تلام، تردّ بمنطق أنّه «كدة كدة هيموت». وبالفعل، يغيب الفنان بعد فترة وجيزةـ فيخرج «المفبركون» مؤكّدين أنّهم أوّل من انفردوا بالنبأ!
حتى الآن، يبدو أنّ صلاح باق في «ليفربول»، وقد يقرر الذهاب إلى السعودية في موسم مقبل وقد يختار البقاء في صفوف الفريق الإنكليزي متحوّلاً إلى أسطورته الجديدة. لكن المؤكد أنّ الصحافة المصرية تعيش وهماً كبيراً بلا مصادر لا في المملكة المتحدة ولا في السعودية وربما حتى في مصر نفسها، كونها فشلت حتى في الحصول على الخبر اليقين من أسرته أو أي من أصدقائه المقرّبين.
صمت العُمدة
إذا كان للتغطية الإعلامية المصرية لموضوع انتقال محمد صلاح إلى فريق «اتحاد جدّة» وجه إيجابي، فهو الصمت الذي فرضه محمد صلاح على أسرته، سواءً والده صلاح غالي أو أشقاءه، إذ طلب منهم عدم الحديث عن الموضوع مع الصحافة، وإن كان الوالد قد تطرّق بشكل غير مباشر إلى رغبة ابنه في البقاء في «ليفربول». لكنّ أيّاً من أفراد الأسرة لم يظهر عبر الشاشات والمواقع الصحافية، وخصوصاً تلك المنحازة لرواية التعاقد مع النادي السعودي. والأبرز هنا صمت عمدة نجريج ماهر شتيه، وهي القرية التي ينحدر منها محمد صلاح في محافظة الغربية في دلتا مصر. في أزمات سابقة، استحال شتيه مصدراً للأخبار عن صلاح وأسرته، ما عرّضه لانتقادات حادة واضطره للاعتذار عن تصريح منسوب له يتعلق بإصابة صلاح بفيروس كورونا خلال زفاف شقيقه. لكن في القضية الأخيرة، صمت العمدة تماماً، حتى إنّ موقع «بصراحة» حذف محتوى يفيد فيه شتيه بأنّ صلاح غير متمسك بـ «ليفربول»، ما يشير أيضاً إلى أنّ العمدة ربّما يكون المصدر الوحيد الذي تعاملت معه المواقع!