أحمد العبد
في تموز من العام الماضي، بدأت أولى اتصالات رجل الأعمال الفلسطيني، سمير حليلة، بشركة الضغط الدولية، «Dickens and Madson»، لمناقشة خطّة ترشيحه لحُكم قطاع غزة، على أن تتولّى الشركة ممارسة الضغط على البيت الأبيض لتمريرها. وخلف هذه الخطّة، يقف عضو اللّوبي الإسرائيلي – الكندي، الضابط السابق في «الموساد» آري بن مناشيه، الذي خدم في الاستخبارات الإسرائيلية، وارتبط اسمه بقضايا بارزة، أبرزها «إيران – كونترا»، فضلاً عن عمله لمصلحة أطراف متعدّدة، من بينها رئيس زيمبابوي السابق روبرت موغابي، والمجلس العسكري في ميانمار، وغيرهما.
ومنذ ذلك الحين، طرحت، خلف الكواليس، مجموعة أفكار للنقاش حولها، ولتقديم حليلة لدى الإدارة الأميركية. وكان أنْ وقّع الجانبان عقداً استشاريّاً بكلفة 300 ألف دولار في العام. ونشرت الصحافة البريطانية الوثيقة الموقّعة بين الجانبَين، وتضمّنت تعهُّد الشركة بـ«الحفاظ على الاتصالات اللازمة مع السلطات التنفيذية و/ أو التشريعية للحكومات والهيئات، ومنها الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات، قطر والسلطة الفلسطينية، كما ترى أنت، بعد التشاور معنا، أنها مناسبة لدعوة تلك الجهات إلى تبنّي و/ أو الحفاظ على سياسات تشريعية و/ أو تنفيذية مواتية لمصالحك، وإزالة أو منع السياسات غير المواتية.
تحديداً، سنسعى جاهدين إلى ضمان حصولك على منصب زعيم السلطة السياسية الجديدة في غزة». أيضاً، تتضمّن الخطّة وجوداً عسكريّاً أميركيّاً وعربيّاً (مصر، السعودية، الإمارات) في غزة، ووضعاً سياسيّاً جديداً للقطاع، يتمّ إقراره من قِبَل الأمم المتحدة و«جامعة الدول العربية» والسلطة الفلسطينية، و«سيتمّ بناء مطار جديد وميناء بحري على أرض مصرية مستأجرة».
على أنّ الحديث عاد ليتجدّد عن إمكانية إبصار هذه الخطّة النور، في ظلّ أنباء عن نيّة الإدارة الأميركية إطلاق مفاوضات لعقد صفقة شاملة في شأن قطاع غزة. وكشفت صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، أمس، أنه يجري سرّاً الاستعداد لتنصيب حليلة حاكماً لغزة، مستندةً في ذلك إلى تصريحات أطلقها بن مناشيه أخيراً، وقال فيها إنّ «هذه القضيّة حقّقت تقدّماً ملموساً في أثناء الأسابيع الماضية، في ضوء لقاءات عُقدت بين الشركة والولايات المتحدة، واتصالات أجراها حليلة في القاهرة».
شنّت رئاسة السلطة هجوماً لاذعاً على حليلة وأدانت تصريحاته
ومنذ نشر «يديعوت أحرونوت» تقريرها، أجرى حليلة عشرات اللقاءات والمقابلات الصحافية، لتوضيح موقفه إزاء ما نشر، وأقرّ بأنّ المخطّط الذي يجري الحديث عنه هو نظام أشبه بوصاية عربية – أميركية على القطاع، كونه يفتقر، في مرحلته الأولى، إلى أيّ محدّدات أو مشاريع سياسية. واعتبر حليلة نفسه أداة لتنفيذ هذا المشروع، وليس طرفاً سياسيّاً، واضعاً موافقة السلطة الفلسطينية شرطاً لتأدية ذلك الدور، مشيراً إلى أنه التقى رئيس السلطة، محمود عباس، وقيادات أخرى، خلال الأشهر الماضية، وأطلعهم على فحوى اللقاءات والاتصالات التي أجراها. وممّا قاله حليلة إنّ مهمّته التي تشترط وقفاً فوريّاً لإطلاق النار في قطاع غزة وفتح المعابر وموافقة السلطة على تنصيبه، تتألف من ثلاث طبقات: «إدارة أعمال الإغاثة، وملفّ الإعمار، وفرض الأمن العام».
ولا يحمل المخطّط الذي يجري الحديث عنه أيّ خريطة طريق سياسية، تفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، فيما يستبعد أن تكون مرجعية إدارة غزة لطرف فلسطيني مثل السلطة أو الحكومة. وأوضح حليلة أنّ هذه المرجعية ستكون اللجنة السداسيّة العربية (السعودية، مصر، قطر، الإمارات، الأردن والسلطة الفلسطينية)، لافتاً، في مقابلة مع إذاعة «أجيال» المحلّية، إلى أنّ غياب الشقّ السياسي عن بنود الخطّة، يتطلّب من السلطة العمل على ذلك، وبذل الجهود لتضمينه.
وتوقّع أن يعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدء مفاوضات الصفقة الشاملة، وأن يسري وقف إطلاق النار في مدّة لا تتجاوز الأسبوعين، مستدركاً بالقول إنه «لا يمكن التنبّؤ بموقف ترامب أو نتنياهو». وأقرّ بأنّ «إدارة غزة لن تكون خاضعة تماماً للسلطة وحكومتها، والأطراف الثلاثة الأهمّ التي تناقش كل التفاصيل، هي الولايات المتحدة والسعودية ومصر».
وفي ضوء ذلك، استنفرت الرئاسة الفلسطينية، وأصدرت على غير العادة بيانَين متتاليَين ردّاً على ما نشر في الإعلام، نفت في أولهما ما سمّته «المزاعم الإسرائيلية بتعيين شخصية فلسطينية لإدارة قطاع غزة بعلمها»، مؤكّدة أنّ الجهة الوحيدة المخوّلة إدارة القطاع هي دولة فلسطين ممثَّلةً بالحكومة أو لجنتها الإدارية المتّفق عليها والتي يرأسها وزير في الحكومة، وغير ذلك «يعتبر خروجاً عن الخطّ الوطني، ويتساوق مع ما يريده الاحتلال الذي يريد فصل غزة عن الضفّة، وتهجير سكانها».
لكنّ البيان الثاني لرئاسة السلطة شنّ هجوماً لاذعاً على حليلة، ودان تصريحاته بعدما زجّ السلطة ومسؤوليها في «العمل المشين الذي قام ويقوم به من التفاف على الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية الرافض لفصل قطاع غزة عن الضفّة الغربية ضمن مشروع إسرائيلي». وتابع: «الرئاسة الفلسطينية تدين تصريحات المدعو سمير حليلة وتطالبه بالكفّ عن نشر الأكاذيب ومحاولات التغطية على موقفه المخزي الذي يضعه تحت طائلة المسؤولية».
من هو سمير حليلة؟
ينحدر سمير حليلة من مدينة أريحا، وهو رجل أعمال واقتصادي وسياسي شغل منصب الأمين العام لحكومة أحمد قريع الثالثة، ووكيل مساعد لوزارة الاقتصاد والتجارة، ورئيس مجلس إدارة معهد الأبحاث الاقتصادية، ومجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني، وشركة «باديكو»، وعضو في مجالس شركات فلسطينية عدّة. كما شارك في الوفد الفلسطيني المفاوض ضمن «اتفاقية أوسلو» مع إسرائيل، في المجال الاقتصادي، وتسلّم بعض ملفات «بروتوكول باريس» الاقتصادي، وتولّى مناصب، من بينها الوكيل المساعد في وزارة الاقتصاد والتجارة، وسكرتير مجلس الوزراء. وانتُخب حليلة رئيساً لمجلس إدارة بورصة فلسطين للمدّة من آب 2022 إلى آذار 2025، لكنه أُقيل من منصبه إثر تسرّب الخطّة التي وقّع عليها مع بن مناشيه.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار