نورما الشّيباني:
على مدى عقود مضت، كانت تربية دودة الحرير الهوية التّراثية لمحافظة طرطوس عامة ومنطقة الدّريكيش خاصّة، وقد بدأت هذه التّربية تتراجع بدلاً من أن تنتعش، إذ وقفت عوامل عدة في وجه هذه المهنة التّراثية التي عاشت في كنفها أجيال وأجيال.
للوقوف عند أهم العوامل التي أدت إلى هذا التّراجع التقت (تشرين) عدداً من المربين..
ارتفاع تكاليف الإنتاج
يؤكد المربي أبو حسام من منطقة الدّريكيش، الذي تحدث بحزن وأسف عن ضياع هذه المهنة التّراثية، أنه كان يعمل منذ سنين طويلة بتربية دودة الحرير وكانت مصدر دخل له، لكن مع بداية التّسعينيات بدأت تربية دودة الحرير بالتّراجع في مدينة الدّريكيش بسبب عدم الجدوى الاقتصادية وانخفاض أسعار الشّرانق المسلّمة من قبل المربين و منافسة الحرير الصّناعي المستورد.
تحويل معمل حرير الدريكيش إلى شركة اقتصادية ساهم بظهور مشكلات عديدة
ولفت المربي إلى ارتفاع تكاليف التّربية من أجرة الصّالة و تجهيزها وأجور عمال شفط التّوت وجمع الشّيح وأجور قطف القزّ و النّقل، إضافة إلى التأخير في دفع ثمن الشّرانق للمربي الذي يصل لعدة أشهر بعد تسليمها، هذا كله أدى إلى عزوف الكثير من المربين عن التّربية، وقاموا باقتلاع أشجار التوت ليغرسوا مكانها الحمضيات واللوزيات.
غياب الدعم
وبيّن المربي هاشم خدام أن أول الصّعوبات عدم وجود أي دعم و اهتمام بالمربين، باستثناء ما يتم تقديمه من دعم فني ومادي من قبل مديرية زراعة طرطوس حسب الإمكانات المتاحة وهي غير كافية. إضافة إلى أن غياب التسويق، وإن تم فهو بأسعار بخسة، مع العلم أن الحرير الطّبيعي مرغوب في الأسواق العالمية لدخوله في مجالات واسعة من عالم الصّناعات حتى الدّقيقة منها والطّبيّة.
وتابع خدّام: عملية تربية دودة القز عملية ممتعة ومتعبة في الوقت نفسه، ويستطيع أي مواطن ريفي أن يمتهنها وتدرّ عليه مدخولاً جيداً في حال تمت إعادة تفعيل المعامل القديمة والطّرق القديمة للتّصريف بأقل تقدير ممكن وإيجاد أسواق خارجية.
توقف معمل الحرير.
من جانبه، أوضح مدير معمل حرير الدريكيش سابقاً المهندس سهيل سعيد أن الطّاقة الإنتاجيّة للمعمل تبلغ 11 طناً من خيوط الحرير لوردية عمل واحدة وتحتاج 70 طناً من الشرانق، ومادام كان المعمل تابعاً لوزارة الزراعة ويحل الشّرانق بالأجرة، فلم تكن هناك مشكلة في تحقيق هامش ربح، حيث العمالة موسميّة. ولكن عندما تحول المعمل إلى شركة اقتصادية بدأت تظهر مشكلات تحقيق الريعيّة الاقتصادية، وخصوصاً أن تحقيق نقطة التّوازن بين النفقات والإيرادات تكون بنسبة تشغيل 70% ولثلاث ورديات، وهذا يتطلب توفير 210 أطنان من الشّرانق بمواصفات جيدة، وهذا غير ممكن.
وبالرجوع إلى فترة تحويل المعمل إلى شركة في عام 1980 تبين أنّ هذا التحول كان يحتاج دراسة كافية ومن دون توفر مقومات الشّركة لجهة الملاك والوظائف، حيث لم يكن عدد العمال الدّائمين يتجاوز 6 عمال فقط مع مدير المعمل الذي كان يحمل إجازة جامعية، وبالتالي تم دمج عدة مديريات في مديرية واحدة يشغلها موظف واحد، وبما يخالف نظام الشّركات الاقتصادية.
مهنة تراثية
رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية زراعة طرطوس وائل حسين أكد أن تربية دودة القز مهنة تراثية قديمة، حيث كانت هذه التّربية مصدر دخل أساسياً لعدد كبير من العائلات و الأسر الفلاحية في محافظات طرطوس ـ اللاذقيةـ حمص – حماة منذ عدة عقود. وقد واجهت هذه التّربية عدة صعوبات خلال العقدين الأخيرين، ما أدى إلى تراجع في عدد المربين و إهمال أشجار التّوت التي تعتبر أساسية في عملية التّربية و تطور إنتاج الحرير الصّناعي والأنسجة الجاهزة.
ومن أهم أسباب تراجع التّربية، برأيه، سوء إدارة المنتج وضعف تسويقه، علماً أن الحرير الطّبيعي يعتبر من أهم مقومات دعم الاقتصاد الوطني في العديد من دول العالم.
رؤى مستقبليّة
وأشار حسين إلى أن وزارة الزّراعة تعمل على دعم المربين و زيادة عددهم من خلال تأمين سلالات بيض محسّنة، حيث قامت مديرية زراعة طرطوس ـ دائرة الوقاية بتسليم ٣٤ علبة بيض مستوردة و ٩ علب بيض منتجة محلياً و تفقيسها في مركز تربية “حاموش رسلان” هذا العام لتوزيعها على المربين، بالإضافة لتدريب ومتابعة المربين من خلال الجولات الميدانية و تنظيمهم بمجموعة “واتس” واحدة للإشراف الفني على كل عمليات التّربية، وأضاف: بلغ عدد المربين في هذا العام ٢٧ مربياً في منطقتي الدّريكيش والشّيخ بدر، لاحظنا زيادة عدد الرّاغبين بالتّربية، كونها مشروعاً ذا تكاليف محدودة و مردود جيد و في فترة قصيرة.
سيرياهوم نيوز١_تشرين