مرة جديدة تُثبِت سوريا أنها المتنفّس الأول للبنان، وهي البوابة الوحيدة التي تُفتح في وجهه وقت الضيق. رغم ما تعانيه سوريا من كارثة في مواجهة وباء كورونا، لم تتأخر في مدّ يد العون لجارتها التي كادَ «الأوكسيجين» ينقطِع عنها أمس. مع ذلِك نجِد في الداخل من يفضّل قتل الناس على هذه المساعدة… نكاية لا أكثر
وللمفارقة، لبّت سوريا نداء الاستغاثة بها رغم أن لبنان يشارك في خنقها. الخنق المتعمّد يمارسه لبنان بحقها، وبحقه، منذ ما قبل صدور قانون قيصر الأميركي. وأتى هذا القانون ذريعة لتصبح السلطة اللبنانية مجرّد منفّذة للتعليمات الواردة من السفارة الأميركية. وكعادته، يتولى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الإشراف على حُسن تنفيذ الأوامر الأميركية، تارة بصفته حاكماً للمصرف المركزي، وطوراً بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وفي وثيقة سرية أرسلها سلامة بتاريخ 25 شباط الماضي، إلى وزارة الخارجية، ذكّر «الحاكم» السلطات اللبنانية بوجوب الالتزام بقانون العقوبات على سوريا (قيصر)، بعدَ أن أرسلت الوزارة في 15 كانون الثاني 2021 كتاباً إلى هيئة التحقيق التي يرأسها سلامة، تقول فيه إن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت كتاباً إلى الوزارة تقول فيه إنها تدرس كيفية معالجة العمليات المرتبطة بتطبيق 3 مواضيع في ظل القانون. وهذه المواضيع هي: شراء الطاقة الكهربائية من سوريا، ربط لبنان بالأسواق العربية عبرَ الأراضي السورية، وتجارة المنتجات الزراعية. وبحسب الخارجية اللبنانية، فإن الجانب الأميركي وافق على طلب لبنان في ما خصّ استثناء التجارة بالمنتجات الزراعية من موجبات القانون. رغم ذلك، ردّ سلامة بالتذكير بالإجراءات التي يجِب على المصارف أن تأخذها التزاماً بما يُسمى «استدراك المخاطر المُحتملة في تعاملها مع المصارف المُراسلة، لا سيما مخاطِر السمعة». كما ذكّر سلامة أيضاً، بأنه سبَق أن أرسلَ في 17 حزيران 2019 كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء يُذكّرها بضرورة «اتخاذ الإجراءات السريعة والمناسبة مع السلطات المعنية بخصوص ما وردَ في كتاب السفارة الأميركية عن قيام الحكومة وعدد من شركات النفط الخاصة بتسهيل تزويد النظام السوري بشحنات النفط بما يتعارض مع العقوبات المفروضة على الدولة السورية».
رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب التواصل مع سوريا إلا بالواسطة
وكعادتهم، هبّ «جماعة أميركا والسعودية» في لبنان للتعبير عن امتعاضهم من هذه الخطوة، ووصلت معاداتهم لها حدّ تفضيل قتل الناس على قبول المساعدة السورية. من بين هؤلاء نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الذي أشار في تصريح تلفزيوني إلى أن «هناك مصنعين كبيرين للأوكسيجين في لبنان يُلبّيان الطلب، ولا نقص في هذه المادّة». هارون نفسه الذي يُعدّ من أوائل الذين وقفوا ضد مصلحة سكان لبنان من خلال عدم القيام بواجباته في مواجهة جائحة كورونا، قرر من منطلق سياسي الخروج بنظرية تقول إن لبنان مُكتَف بالأوكسيجين، بما معناه أن الهبة السورية غير ذات نفع. لاحقاً، استدرك نقيب أصحاب المستشفيات الأمر، ليصدر بياناً يوضح فيه أنه «تبيّن لنا أن إحدى الشركات المصنّعة والموزّعة للمادة، اتّصلت مساء (أول من) أمس بوزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، وأبلغته أنّها تواجه مصاعب في إحضارها من مصادرها، طالبةً منه التدخل سريعاً لحلّ المشكلة. وبالفعل تدخّل الوزير حسن، مشكوراً، لدى السلطات السورية التي تعهّدت تأمين وصول المادّة إلى لبنان في الأيام المقبلة ريثما تتم معالجة الموضوع نهائياً».
في جميع الأحوال، تُشكّل خطوة دمشق أمس رسالة عملية إلى ما يمكن القيام به، على مستويات عديدة، من أجل تخفيف حدة الأزمات في لبنان، كما في سوريا، صحياً واقتصادياً. الخطوات التي قد يُضطر لبنان، رسمياً أو خارج الإطار الرسمي، إلى اتخاذها في الأسابيع المقبلة، ستخفف بلا شك من حدة الانهيار، أو على الأقل، من سرعة الانحدار نحو القعر.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)