سلام الفاضل:
انصب اهتمام النقد العربي في أغلب ما كُتب في تاريخ حركته على التجارب الإبداعية لدى جيل الروّاد، والاحتفاء بنجومية الأسماء التي كان لها النصيب الأكبر من تلك الممارسات النقدية. وقد أفقد هذا الأمر السيرورة التاريخية للإبداع في حقيقة نمائه الطبيعي الذي لا يمكن أن ينحصر في جيل دون آخر، مثلما لا يجوز أن ينفتح على مرحلة، وينغلق على إبداع مرحلة ثانية.
وبهذا الوعي لحقيقة النقد جاء كتاب (مرآة الشعر ستائر المعنى… “مقاربة التقنيات الأسلوبية في الشعر السوري الحديث”)، تأليف: د. وليد العرفي، الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، جاء ليوجّه بوصلة النقد الحديث إلى التجارب الشعرية الإبداعية الجديدة، انطلاقاً من قناعة كاتبه بأن على النقد أن يكون موازياً في مساره التاريخي لحركة الإبداع.
واختار د. وليد العرفي لدراسته هذه صوتاً شعرياً ينتمي إلى جيل الثمانينيات وهو الشاعر ثائر زين الدين الذي بدا كما قال عنه المؤلف في مقدمته: “صوتاً منفرداً في تغريده خارج السرب، وهو ما أوجب تسليط الضوء على تجربة الشاعر زين الدين بكثير من التوسع في هذه الدراسة”.
منهج الدراسة:
حاولت هذه الدراسة أن تسبر غور هذه التجربة الإبداعية في مجالها الشعري أفقياً وعمودياً، فسلّطت الضوء على مجمل ما كتبه الشاعر حتى تاريخ إنجازها، كما اعتمدت المنهج الوصفي التحليلي في إضاءة التجربة الشعرية في هذا الشعر الذي حاول فيه مؤلف الكتاب أن يكشف عن التقنيات الأسلوبية في شعر ثائر زين الدين، وهو ما سعت هذه الدراسة إلى تحقيقه غير منغلقة على التجارب الشعرية الأخرى لدى الرواد خاصة مما كان له تعالق مع تجربة الشاعر زين الدين في إطار الفكرة أو النمط التعبيري، وذلك سعياً من الباحث إلى ربط المنجز الإبداعي لدى الجيل الجديد مع المنجز الإبداعي لدى جيل الروّاد ما يُسهم في تأكيد أن الإبداع سلسلة متصلة متواصلة، لا انقطاع في سيرورتها الزمانية.
مباحث الكتاب:
يقع هذا الكتاب في ثمانية مباحث جاء الأول منها بعنوان (الظاهرة التناصية)، وتناول أنماط التناص التي شكّلت علامة مميزة في الشعر المدروس من حيث الكم والكيف على اختلاف التقنيات والصور التي ورد فيها. في حين سلط المبحث الثاني الضوء على ظاهرة التكرار التي شكّلت سمة أسلوبية في الشعر السوري الحديث على اختلاف الأنماط سواء ما كان في تكرار الحرف، أم الكلمة، أم العبارة.
وحط المبحث الثالث رحاله عند ظاهرة استخدام الشعر للعدد باختلاف الصور والدلالات، وتطرق المبحث الرابع إلى ظاهرة السؤال في الشعر الذي شكّل ملمحاً من ملامح البنية التشكيلية في الشعر المدروس. أما المبحث الخامس فقد أُفرد لدراسة ظاهرة التمازج الجمالي بين أنماط الأدب فيما يُسمى بالسرد الشعري أو شعرنة السرد.
في حين اعتنى المبحث السادس بدراسة ظاهرة القصيدة الومضة التي جاءت وفق أنماط مختلفة، وتطرق المبحث السابع إلى بنية الصورة وتشكيلها الجمالي في شعر ثائر زين الدين التي استخدم فيها تقنيات: التشبيه والاستعارة والتشخيص، وتوقف المبحث الثامن عند ظاهرة النزعة الرومانسية، فكشف عن نمطياتها الأسلوبية التي تبدت ظهوراتها على صعيدي: الموضوعات، وتجلياتها اللغوية.
(سيرياهوم نيوز-الثورة)