| وسام أبو شمالة
انتشرت في الأيام الأخيرة أنباء متضاربة عن وفاة الرئيس أبي مازن، ثبت عدم صحتها، لكنها أثارت مجدداً علامات الاستفهام بشأن مصير السلطة وحركة فتح، ومستقبل المشهد الفلسطيني، بصورة عامة، بعد تغيّب الرئيس، أو عدم الأهلية والقدرة على أداء مهمّاته بسبب وضعه الصحي، بعد اقتراب عمره من 87 عاماً.
أصدر الرئيس محمود عباس قراراً قبل نحو أسبوعين، يقضي بتعيين حسين الشيخ أمينَ سرٍّ للَّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الموقع الذي بقي شاغراً منذ وفاة صائب عريقات، الذي كان يشغله. ومؤخَّراً، منح أبو مازن الشيخ جزءاً من مهمّات الرئاسة، بحسب مصادر متعددة، الأمر الذي عكس حالة الرئيس الصحية، من جهة، والتوجهات لمرحلة ما بعد غيابه، من جهة أخرى.
يتَّجه المشهد الفلسطيني إلى حالة من انعدام اليقين بشأن مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، بل أيضاً بشأن مصير السلطة الفلسطينية برمتها. وعكس مرضُ الرئيس معضلات الحالة الفلسطينية، والتي من معالمها البارزة:
– المعضلة الوطنية:
شكّل غياب الاستراتيجية الوطنية، للتعامل مع القضايا المتعددة، وعلى رأسها الصراع مع العدو الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال، وبقاء برنامج الحد الأدنى المشترك حبيسَ الأدراج، وعدم ترجمة الاتفاقات الوطنية منذ عام 2005، المعضلةَ الأساسَ في تعقيد المسار الوطني.
إن غياب البرنامج الوطني الجامع، الذي تلتزم الأطراف تنفيذَه عملياً على الأرض، يرجع، على نحو أساسي، إلى تمسك السيد أبي مازن بخيار التسوية ومسار “أوسلو”، وإسقاطه خيار المقاومة في كل أشكالها، الأمر الذي عارضته جميع الأطر الوطنية، باستثناء حركة فتح، التي يسيطر عليها السيد أبو مازن.
– معضلة الشرعية والتمثيل:
إن غياب الاستحقاق الانتخابي، أو التوافقي، عن المؤسسات الفلسطينية، أدّى إلى عدم وجود إطار وطني جامع وممثل للشعب الفلسطيني، وأفقد مختلف المؤسسات الفلسطينية شرعيتها. وفي حال أصبح موقع الرئاسة شاغراً، فلن تحظى أيّ مؤسسة فلسطينية (المجلس التشريعي؛ المجلس الوطني؛ الرئاسة) بإجماع وطني/ قانوني/شرعي، يؤهّلها لملء فراغ المرحلة الانتقالية. وأضاع الرئيس أبو مازن فرصة تاريخية في استعادة تلك المؤسسات شرعيتها، بعد إلغائه مسار الانتخابات العامة، والذي كان مقرَّراً أن يبدأ قبل نحو عام، ويجدد الشرعيات الثلاث، التشريعية والرئاسة والمجلس الوطني، على الرغم من حصوله، في حينه، على تنازلات جوهرية من حركة حماس، ولاسيما تعهّدها عدمَ ترشيح منافس له لمنصب الرئاسة.
– المعضلة الفتحاوية:
يُعَدّ أبو مازن آخر قيادات الجيل الأول في حركة فتح، ويُفترض أن يخلفه في قيادة الحركة أحد قادة الجيل الثاني. لكنّ الحالة الفتحاوية، في عهد أبي مازن، لم تفرز قائداً يحظى بمكانة الرجل الثاني، بل أفرزت “قرناء متشاكسين”، الأمر الذي أدى إلى ترهّل البيئة التنظيمية الفتحاوية، التي أصبحت رهينة لمزاج الرئيس وفريقه المصغّر، وهو ما أدّى إلى إذكاء الخلافات الداخلية لحركة فتح، والصراع على خلافة الرئيس بدأت ملامحه تطفو على السطح، فلا تحظى أيّ شخصية قيادية فتحاوية بإجماع داخلي. وأحد أهم العوامل التي دفعت أبا مازن إلى إلغاء الانتخابات العامة، هو انقسامات حركة فتح إلى عدة تيارات، أبرزها الفريق الموالي له والمدعوم منه، ويمثّله حسين الشيخ، والفريق المنافس له داخل مؤسسة التنظيم، بقيادة جبريل الرجوب، بينما يشكّل مروان البرغوثي وناصر القدوة، المفصول من الحركة، تياراً مستقلاً. والتيار الآخر يتبع محمد دحلان، المفصول أيضاً. وبينما ارتفعت أسهم حسين الشيخ بعد قرار أبي مازن تعيينَه أمينَ سرّ المنظمة، وتكليفه عدداً من مهمّات الرئيس، ارتفعت، في المقابل، حدة صراع الخلافة، والذي قد لا يخلو من شكله العنيف والمسلح.
– المعضلة الإسرائيلية:
يدرس العدو كل السيناريوهات لمرحلة ما بعد أبي مازن، ويدرس جميع الخيارات، ويسعى لفرض أجندته على واقع الضفة الغربية، حتى لا يتحول غياب أبي مازن إلى كابوس يغيّر البيئة الأمنية التي شهدت استقراراً وتعاوناً غير مسبوقَين، بين السلطة والاحتلال، ولاسيما على المستويين الأمني والاقتصادي، ومن دون تقديم أثمان سياسية.
تؤكد مصادر خاصة أن المستويين السياسي والأمني للعدو يتّفقان على دعم حسين الشيخ لقيادة السلطة وحركة فتح. وأجرى وزير حرب العدو، بيني غانتس، ورئيس الشاباك، رونين بار، اتصالات خاصة بكل من الإدارة الأميركية وأطراف إقليمية، من أجل تسهيل تسلُّم الشيخ مقاليد السلطة. وتمخَّضت عن تلك الاتصالات القراراتُ الأخيرة الصادرة عن أبي مازن.
– موقف القوى الفلسطينية:
ترفض القوى الوطنية الفلسطينية، في كل توجهاتها، فرضَ خيارات خارجية/إسرائيلية، لخلافة أبي مازن، وتتمسك بالخيار الديمقراطي/التوافقي. وباتت القوى الرئيسية، باستثناء حركة فتح/أبي مازن، أكثرَ انسجاماً وتنسيقاً، ولاسيما حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والمبادرة الوطنية، وتيارات فتح (البرغوثي/القدوة، دحلان، وربما أخرى…)، والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وفصائل المقاومة، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني وقطاع عريض من الشعب الفلسطيني، الأمر الذي لن يجعل تمرير الخيارات الإسرائيلية/الإقليمية أمراً سهلاً.
تُعَدّ المرحلة الانتقالية بعد وفاة/عدم أهلية أبي مازن المرحلةَ الأكثر خطورة، وسيفتح الصراع الداخلي لحركة فتح، من جهة، والصراع بين محاولات فرض الخيار الإسرائيلي والخيار الوطني، من جهة أخرى، البابَ أمام دخول المشهد الفلسطيني مرحلةً جديدة، الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية التداعي العاجل إلى التوافق على خريطة طريق ومسار وطني وخيارات تغلّب المصلحة الفلسطينية، وتتجاوز الخيارات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد أبي مازن.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين