القاضي حسين حمادة
يذهب بعض الآراء إلى وجود إشكالية في تطبيق القوانين السورية النافذة على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، بحجة أن التشريع السوري لم يميّز صراحة بين الجرائم العادية والجرائم الدولية، مما قد يفضي إلى اعتبارها جنايات عادية مشمولة بالتقادم.
غير أن هذا الرأي، في تقديرنا، يفتقر إلى السند القانوني، ويتعارض مع المبادئ العامة في القانون الجزائي السوري، ولا سيّما نظرية الظروف القاهرة وأثرها على وقف وانقطاع التقادم .
ولتوضيح ذلك نبين التالي :
أولًا: الإطار القانوني للتقادم في التشريع السوري
ينصّ القانون السوري (قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات) على سقوط دعوى الحق العام بالتقادم، وفق مدد تختلف باختلاف نوع الجريمة، وذلك استنادًا إلى:
• المواد (437) وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• المواد (162 – 167) من قانون العقوبات السوري.
وتكون مدد التقادم على دعوى الحق العام على النحو الآتي:
• الجناية: عشر سنوات.
• الجنحة: ثلاث سنوات.
• المخالفة: سنة واحدة.
ويبدأ سريان التقادم من اليوم التالي لوقوع الجريمة، وينقطع بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الملاحقة القضائية، كما قد يتوقف في حال وجود مانع قانوني، مع التأكيد على أن القوانين الجزائية لا تُطبّق بأثر رجعي إلا إذا كانت أصلح للمتهم.
ثانيًا: الظروف القاهرة وأثرها على التقادم
أخذ التشريع السوري صراحةً بنظرية الظروف القاهرة، باعتبارها موانع حقيقية تحول دون تحريك دعوى الحق العام، ويترتب عليها قانونًا وقف سريان التقادم أو عدم بدء احتسابه أصلًا.
وخلال سنوات النزاع في سوريا، شهدت البلاد ظروفًا استثنائية تمثلت في:
1 – غياب قضاء مستقل ومحايد،
2 – خضوع مسار العدالة لهيمنة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية،
3 – تعرّض الضحايا وذويهم لمخاطر فعلية عند محاولة التبليغ أو الادعاء.
وهي ظروف تشكّل مانعًا قهريًا عامًا حال دون ممارسة الحق في التقاضي، ولا يجوز قانونًا تحميل الضحايا أي آثار سلبية ناشئة عن أوضاع لم يكن لهم يد فيها.
ثالثًا: الالتزامات الدولية وعدم تقادم الجرائم الجسيمة
أكد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على مبدأ عدم إفلات مرتكبي الجرائم الجسيمة من المساءلة، واعتبرا أن العوائق البنيوية التي تحول دون الوصول إلى العدالة تبرّر استبعاد مدد زمنية معينة من حساب التقادم، ولا سيّما استنادًا إلى:
• المادة (29) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،
• الاتفاقيات الدولية التي كرّست مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية الجسيمة
• القواعد العرفية الآمرة التي تحظر إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.
وبناءً عليه، فإن التمسّك بتطبيق قواعد التقادم الداخلي على الجرائم الجسيمة وجرائم الحرب يُعدّ مخالفًا للالتزامات الدولية العامة.
الخلاصة
لكل ما تقدّم، نخلص إلى ما يلي:
1 – اعتبار الفترات التي استحال فيها الوصول إلى قضاء مستقل بسبب ظروف قاهرة، فترات موقوفة أو مستبعدة من حساب التقادم.
2 – عدم جواز التمسّك بالتقادم في الجرائم الجسيمة التي حالت الظروف القهرية دون ملاحقتها.
3 – تمكين القضاء الوطني من النظر في هذه الجرائم دون عائق التقادم، تكريسًا لمبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
(أخبار سوريا الوطن1-صفحة الكاتب)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
