شهدت قمة آلاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حدثاً مفصلياً في مسار العلاقات بين البلدين، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فبعد سنوات من التوتر والعقوبات والعزلة، جاءت هذه القمة لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تعيد رسم التوازنات الدولية، ليس فقط بين واشنطن وموسكو، بل أيضاً ارتباطاً بأوروبا والصين وبقية القوى العالمية.
أبعاد القمة: من الشكل إلى المضمون
منذ لحظة استقبال بوتين في الولايات المتحدة بالسجاد الأحمر والحفاوة الديبلوماسية، بدا واضحاً أن القمة تحمل أكثر من مجرد لقاء بروتوكولي. فالمشهد بحد ذاته مثّل كسراً تدريجياً للعزلة المفروضة على روسيا، ورسالة بأن العقوبات الاقتصادية قد تدخل مرحلة المراجعة أو التخفيف، حتى وإن لم يُعلن ذلك رسمياً.
أما على صعيد المضمون، فإن تصريحات ترامب بأن اللقاء كان “عشرة على عشرة” توحي بوجود تفاهمات مسبقة جرى إعدادها بعناية من قبل الفريقين، ما يعكس إرادة مشتركة بترجمة اللقاء إلى خطوات عملية في ملفات كبرى مثل أوكرانيا، استقرار الأسواق العالمية، والطاقة.
انفراج اقتصادي محتمل
الباحث الاقتصادي والسياسي د. محمد موسى، يوضح لـ”النهار” أن القمة لم تكن لتُعقد بهذه الرمزية لولا وجود نتائج ملموسة مرتقبة. ويضيف: “هناك اتفاق شبه جاهز بخصوص أوكرانيا بانتظار الضوء الأخضر الأوروبي، ومن المرجح أن يستثمر ترامب لقاءاته المقبلة مع الرئيس الأوكراني والأوروبيين لتمريره. أما اقتصادياً، فإن واشنطن تستفيد مباشرة من تهدئة الأسواق العالمية، إذ سينعكس ذلك على أسعار النفط والغذاء والأسمدة، ما يريح المستهلك الأميركي، ويدفع الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة، وهو ما يسعى إليه ترامب لتعزيز الانتعاش الاقتصادي”.
ويرى موسى أن هذه الانفراجة الاقتصادية تخدم أيضاً طموحات ترامب الشخصية، إذ يسعى لتقديم نفسه كـ”زعيم للسلام” وربما الترشح لنيل جائزة نوبل.
روسيا وكسر طوق العقوبات
من جهة أخرى، يؤكد موسى أن استقبال بوتين في الولايات المتحدة بحد ذاته يمثل فكاً تدريجياً للعزلة، ويمنح الاقتصاد الروسي متنفساً جديداً. ويضيف: “قد نشهد غض طرف أميركي عن بعض صادرات روسيا، على غرار ما فعله جو بايدن مع إيران، بما يتيح لموسكو استعادة جزء من نشاطها التجاري مع الصين والهند، وهما شريكان رئيسيان في تجارة الطاقة والمواد الخام. هذه الخطوات ستعيد تحريك الاقتصاد الروسي، وربما تنعكس أيضاً على الاقتصادات الآسيوية الصاعدة”.
الصين: لاعب ثالث حاضر في الغرفة
رغم أن القمة ركزت على الملفات الأميركية – الروسية، حضرت الصين بقوة كطرف ثالث مؤثر. فبحسب موسى، تمتلك بكين أدوات تسمح لها بالتحرك خارج المنظومة المالية الأميركية، سواء عبر “بريكس” أم عبر آليات التبادل بالعملات المحلية. ومع ذلك، تبقى الصين منفتحة على أي اتفاقات تسمح لها بالاستفادة من تهدئة التوترات الدولية، خصوصاً إذا كان الشريك الروسي جزءاً منها.
لقاء ألاسكا بين ترامب وبوتين يتجاوز البعد الديبلوماسي إلى إعادة تشكيل محتملة للنظام الاقتصادي العالمي. فالولايات المتحدة تسعى إلى استقرار الأسواق لدعم اقتصادها الداخلي، بينما ترى روسيا في القمة فرصة لكسر طوق العقوبات واستعادة دورها كقوة فاعلة. أما الصين، فتترقب وتستثمر بهدوء في أي انفتاح يمكن أن يعزز شراكتها مع موسكو بعيداً عن الضغوط الأميركية.
وبين هذه المصالح المتشابكة، يبدو أن العلاقات الاقتصادية الأميركية – الروسية تدخل مرحلة جديدة، قد تحمل معها توازنات مختلفة، لا تحدد فقط مستقبل موسكو وواشنطن، بل أيضاً موقع الصين وأوروبا في النظام العالمي المقبل.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار