آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » مسرحية الانتخابات.. نحو صوملة ليبيا

مسرحية الانتخابات.. نحو صوملة ليبيا

يبدو واضحاً أنَّ واشنطن ولندن لن تستعجلا، ومعهما أنقرة وروما، القيام بأيِّ إجراء من شأنه أن يحسم موضوع الانتخابات في ليبيا.

كما كان متوقعاً، فشلت كل المساعي الدولية والإقليمية والداخلية لإتمام الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقرراً في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي في ليبيا، وهو اليوم الذي استقلَّت فيه ليبيا عن إيطاليا قبل 70 عاماً، من دون أن يمنع يوم الاستقلال هذا بعض الأطراف الليبية من التحالف مع إيطاليا، كما لم يمنع تركيا من التنسيق والتعاون معها في ليبيا، التي اقتطعتها روما من الدولة العثمانية في العام 1911، وعاد الإيطاليون واحتلوها بعد عقود، بحجة التخلّص من القذافي، عندما شاركوا في الحرب الأطلسية ضدَّها بقرار من مجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير 2011.

بالعودة إلى موضوع الانتخابات، وبعد عمليات المد والجذر والشدّ والمدّ بين مختلف الأطراف الليبية، ولكلٍّ منها من يتبنى رؤيتها في المحاكم والمفوضية العليا للانتخابات والعواصم الخارجية، اعترفت المفوضية بفشلها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية الخاصة بالانتخابات.

وكان من أهم أسباب فشلها هو عدم التزام رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بتعهّداته في ما يتعلَّق بعدم ترشيح نفسه للانتخابات، بعد أن خالف القانون الذي يفرض عليه الاستقالة من منصبه قبل 3 أشهر من الانتخابات، وهو ما لم يفعله، واستمرَّ في حملاته الانتخابية مستغلاً سلطاته الحكومية، في الوقت الذي يعرف الجميع أنَّ الطرف الأكثر تأثيراً في تأجيل الانتخابات، إن لم نقل إلغاءها، هو الفصائل المسلحة بمختلف ميولها، وجميعها موالية لتركيا، فقد هددت هذه الفصائل كل من يسعى للانتخابات وتوعّدته، كما رفضت أي تعاون مع الهيئة العليا للانتخابات، بعد أن رفضت إخراج المرتزقة السوريين من ليبيا، وهو شأن تركي.

كما فشلت أيضاً كلّ المطالب الإقليمية والدولية في إقناع أنقرة أو إجبارها في هذا الموضوع، وفي موضوع سحب القوات التركية أيضاً، من دون أن يكون هناك أيّ ضغط جدي في هذا المجال، إقليمياً كان أم دولياً، وكأنّ الجميع راضٍ عما هو عليه الوضع، وهو ما ثبت في تصريحات السفيرة البريطانية.

السفيرة البريطانية في طرابلس، كارولين هورندال، أعلنت تأييدها لبقاء الدبيبة في السلطة حتى موعد الانتخابات القادمة، وهو مطلب تركي وإيطالي في الوقت نفسه، بعد أن خدم الدبيبة ومعه محمد المنفي الدول الثلاث منذ انتخابهما في 5 شباط/فبراير العام الماضي بدعم مباشر أو غير مباشر من ستيفاني وليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالوكالة آنذاك، فكافأها الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش بتعيينها مستشارة له للشأن الليبي، وهي الأدرى بشؤون المنطقة العربية، لأنها عملت سابقاً في معظم عواصمها كدبلوماسية أميركية، إن لم نقل باسم المخابرات المركزية “CIA”، وأعلنت (الخميس) تأييدها لاستمرار الدبيبة في السلطة.

وفي جميع الحالات، ومع الغموض المخيّم على احتمالات المرحلة القادمة في ما يتعلق بإجراء الانتخابات أو عدمها، يبدو واضحاً أنَّ واشنطن ولندن لن تستعجلا، ومعهما أنقرة وروما، للقيام بأيِّ إجراء من شأنه أن يحسم موضوع الانتخابات، ما دامت معطياتها الحالية لمصلحة أطراف أخرى، وفي مقدمتها سيف الإسلام القذافي، بعد أن فاجأ وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو الجميع عندما قال إنَّ حفتر توسّل إليهم لزيارة أنقرة ولقاء إردوغان، إلا أنَّهم رفضوا ذلك. هذا بالطبع إلى أن تتّفق العواصم الأربع في ما بينها على آلية جديدة تساعدها، بل تضمن لها فوز أتباعها في طرابلس، ولو كان ذلك بقوة سلاح الميليشيات المسلحة بأطيافها الإسلامية المعتدلة، وأغلبها متطرفة.

تدفع مثل هذه الاحتمالات البعض إلى الحديث عن “صوملة ليبيا” في حال استمرار الانقسام الجغرافي والعشائري، بانعكاسات ذلك على الساحة السياسية، التي باتت مرشّحة إلى العديد من السيناريوهات التي لن يُحسد عليها الشعب الليبي كله، وخصوصاً مع استمرار سياسات النهب والسطو والفساد والسرقة بكلِّ أطرافها الداخلية المدعومة خارجياً، بعد أن بات واضحاً أن الدبيبة بتصريحاته الأخيرة عن دستور جديد لن يسمح بإجراء الانتخابات إلا إذا ضمن نجاحه فيها.

وهذا هو حال الصومال الَّذي ما زال يعيش تبعات حربه الأهلية التي بدأت بعد إطاحة حكم الرئيس زياد بري في العام 1991. وقد شهد هذا البلد العربي منذ ذلك التاريخ، وما زال، العديد من التدخّلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وخصوصاً بعد بروز دور حركة الشباب والمحاكم الإسلامية المتطرفة عسكرياً وسياسياً.

وجاء دخول تركيا على الخط الصومالي في الأشهر الأولى من “الربيع العربي”، ليجعل الصومال ساحة لصراعات أكثر تعقيداً، بعد أن أصبحت العديد من الدول العربية والأفريقية والغربية طرفاً في هذه الصراعات للحصول على حصّة الأسد في ثروات هذا البلد المهمّ، بما فيها الذهب والنحاس، بل وربما البترول في بحره، إضافة إلى موقعه الاستراتيجي القريب من باب المندب وكل من إثيوبيا والسودان وكينيا واليمن، وهي جميعاً دول مهمة جداً، وفق حسابات العديد من الأطراف، وفي مقدمتهم “إسرائيل”، والآن تركيا، بانفتاحها على القارة السمراء.

وجاءت الأزمة الأخيرة بين الرئيس محمد علي فرماجو المدعوم من أنقرة ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي المدعوم من مصر والإمارات، ليضع البلاد أمام تحديات جديدة وخطرة، مع استمرار سيطرة حركة الشباب على مساحات واسعة من البلاد، في الوقت الذي تسعى بعض الولايات، مثل جوبالاند وبونتلاند، للانفصال عن الصومال، بتحريض من دول غربية، منها إيطاليا وفرنسا، فقد رفض الرئيس فرماجو أكثر من مرة إجراء انتخابات رئاسية، على الرغم من رفض البرلمان التمديد له، كما فشلت الانتخابات البرلمانية التي بدأت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، وكان من المفترض أن تنتهي في 24 كانون الأول/ديسمبر، وهو ما لم يتحقق بسبب غرابة هذه الانتخابات، فقد تم خلال الفترة المذكورة انتخاب 24 عضواً فقط من أصل 275، وذلك بسبب استمرار الخلاف حول العديد من القضايا السياسية والجغرافية والقبلية والأمنية.

وعلى الرغم من حديث واشنطن وعواصم غربية، ولو بشيء من الخجل السياسي، عن ضرورة الالتزام بالشرعية الدستورية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال (وهذا هو حال المسرحية في ليبيا)، فالمراقبون يستبعدون مثل هذا الاحتمال، بعد أن اقتنع الرئيس فرماجو بأنّه الأقوى، إن لم يكن سياسياً، بل عسكرياً ومالياً، بفضل الدعم الذي يحظى به من تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية كبيرة قرب العاصمة مقديشو، وتقوم بتدريب القوات المالية له.

كما تنفّذ تركيا العديد من المشاريع المهمة، بالتنسيق والتعاون من الموالين لفرماجو، الَّذي نجح في كسب ود العديد من القبائل إلى جانبه، بفضل الدعم التركي الكبير، مع استضافة تركيا الآلاف من الصوماليين (كما هو الحال مع الليبيين) في جامعاتها ومؤسساتها للتعليم والتدريب المجاني، بعد أن أرسلت العديد من طائراتها المسيّرة إلى هذا البلد، وهو ما فعلته مع ليبيا خلال حكم حكومة السراج.

وقد وقعت أنقرة معها في 27 تشرين الثاني/نوفمبر اتفاقيات أمنية وسياسية وبحرية، جعلت تركيا عنصراً أساسياً ومهماً في مجمل معادلات ليبيا، كما هو الحال الآن في الصّومال، وقبلها في سوريا والعراق، بعد أن خسرت مصر وتونس والمغرب بسقوط الإخوان المسلمين فيها، من دون أن يكون واضحاً من سيواجه تركيا ومخططاتها في الصومال وكيف سيكون ذلك، بعد أن حقَّقت ما حقَّقته في ليبيا وسوريا، والعراق أيضاً، وذلك بسبب غياب الموقف العربي الموحّد ورضا واشنطن والعواصم الغربية، ولو بشكل غير مباشر، على الدور التركي، ما دام يزعج موسكو وجميع حلفائها في المنطقة ويقلقها، والتي يبدو أنَّ بايدن لم يقرّر مصيرها بعد، وهو بانتظار الاتفاق النووي مع إيران من عدمه.

(سيرياهوم نيوز-الميادين2-1-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

انطلاق القمة العربية في المنامة.. بن سلمان يطالب بوقف العدوان على الفلسطينيين والحفاظ على أمن منطقة البحر الأحمر.. وملك البحرين يدعو إلى “مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط”.. وعباس يتّهم حماس بـ”توفير ذرائع” لإسرائيل لتهاجم غزة

  قال رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، إن السعودية تدعم إقامة دولة فلسطينية والاعتراف الدولي بها، مشيراً في المقابل إلى أن ...