أحمد العبد
رام الله | حداداً على شهداء قطاع غزة، لن يحتفل الفلسطينيون المسيحيون بأعياد الميلاد لهذا العام، فيما ستقتصر شعائر الأعياد على الصلوات، التي لن تكون مُيسّرة هي الأخرى تماماً، وتحديداً في مدينة القدس المحتلة، إذ حوّلت إسرائيل المدينة إلى ثكنة عسكرية على مدار العام، فيما تنشر حالياً حواجزها وعناصر شرطتها في كل الأزقة والشوارع والميادين، وهو ما يترافق مع اعتداءات مباشرة من قبل الجنود والمستوطنين، تحول دون ممارسة المقدسيين حياتهم، بما في ذلك صلواتهم، بحرية. وعلى خلفية كلّ ما تقدّم، لم يكتفِ المسيحيون بإلغاء الاحتفالات بالأعياد، بل وجّهوا في خلال الأسابيع الماضية مراسلات إلى جميع المرجعيات الدينية والحقوقية في العالم بضرورة العمل على وقف هذه الحرب، وكان من أبرزها توجّه وفد من كنائس بيت لحم، في نهاية تشرين الثاني، إلى واشنطن، لتسليم الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسالة تدعوه إلى إنهاء العدوان على غزة. وفي هذا الوقت، تتوالى الإدانات للزيارة التي قام بها رؤساء الكنائس المسيحية في القدس إلى مقر إقامة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، بحلول موسم الأعياد، وكان من بين الإدانات ما أصدره المجلس الرعوي التابع لكنيسة رام الله للروم الملكيين الكاثوليك، الذي استنكر «مثل هذه اللقاءات التي لا تعبر عنا ولا تمت لنا بصلة».
على أن استهداف المسيحيين في غزة، كما في الضفة أو القدس المحتلتين، لم يبدأ مع بدء العدوان، بل هو ممتدّ إلى ما قبل ذلك. ويُشار، هنا، إلى ما تعرّض له رجال الدين المسيحيون، في بداية أكتوبر الماضي، ما قبل معركة «طوفان الأقصى»، من اعتداءات من قِبَل مجموعات المستوطنين في القدس، بالضرب والبصق عليهم، فضلاً عن اعتداءات من قِبَل عناصر شرطة الاحتلال. وفي تعليقه على هذه الحادثة وقتها، قال «مجلس الكنائس العالمي» في القدس إن المسيحيين يتعرّضون لـ«الاضطهاد» من قبل جماعات إسرائيلية متطرفة، منتقداً صمت الحكومة الإسرائيلية إزاء هذا الوضع، مضيفاً: «نشعر بالاضطهاد لنا كمسيحيين وللمسيحية كدين في البلد. يوجد اضطهاد يهودي إسرائيلي يتم تشجيعه سواء من خلال إهمال الشرطة أو بالكلام الذي يصدر عن وزراء الحكومة الإسرائيلية».
ولا تقتصر المضايقات على تحديد أعداد المصلين والمسار الذي يتخذونه في القدس، بل تصل إلى تواطؤ شرطة الاحتلال مع المستوطنين وعناصر الجماعات اليمينية الذين ينتشرون في حواري وأزقة المدينة، حيث يتعرّض المؤمنون المسيحيون للسباب والشتائم. وفي كثير من المرات تتدخّل شرطة الاحتلال لتعتدي بالضرب عليهم في حال حدوث تلاسن مع المستوطنين. وتُقدّر أعداد المسيحيين الفلسطينيين في القدس بنحو 8 آلاف، حيث عملت إسرائيل منذ احتلال المدينة بشقّيها الغربي عام 1948، والشرقي عام 1967، على انتهاج سياسة طاردة لهم. ولعلّ ما تقدّم يُفسِّر إصدار الكنائس نحو 12 بياناً خلال الشهور الماضية، اثنان منها على الأقل دعوا إلى توفير الحماية الدولية لهم، من هذه الهجمات التي تزداد عادة في فترة الأعياد.
وجّه مسيحيّو فلسطين مراسلات إلى جميع المرجعيات الدينية والحقوقية في العالم بضرورة العمل على وقف هذه الحرب
وحول ذلك، يقول رئيس «أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس»، عطالله حنا، في حديث إلى «الأخبار»، إن «ما يتعرّض له المسيحيون من استهداف هو ذاته الذي يتعرض له كل الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال والاستهداف والقمع والظلم، فالاحتلال لا يميز بين مسيحي ومسلم»، مضيفاً أن «المسيحيين في القدس يعانون من عنصرية الاحتلال والمستوطنين، الذين يشتموننا ويبصقون علينا وعلى رموزنا الدينية التي تزعجهم وتستفزّهم وخاصة الصليب». ويؤكد أن هذه الممارسات موثّقة «حين يمرون قرب الكنائس أو الرموز المسيحية»، متابعاً أن «الاحتلال في القدس يستهدف المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية وكذلك الحضور والأوقاف المسيحية من منطقة باب جديد، مروراً بباب الخليل، ووصولاً إلى الحي الأرمني، وفي كل أحياء القدس».
ويشير حنا إلى أن أعداد المسيحيين في فلسطين في «تراجع دراماتيكي بسبب إجراءات الاحتلال والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، ونسبتهم لا تتجاوز الواحد في المئة، بينما يبلغ عددهم في القدس 8 آلاف شخص»، واصفاً هذا التراجع بـ«الخسارة لكل فلسطين». ويؤكد أن «المسيحيين الباقين رغم الآلام والسياسات الاحتلالية الطاردة متمسّكون بانتمائهم إلى فلسطين وإيمانهم ورسالتهم من الأرض المقدسة»، مضيفاً أن «هذه العنصرية لن تؤثر علينا وعلى صمودنا، هم يسعون لمضايقتنا لكننا باقون وجذورنا عميقة في تربة الأرض ولن يتمكن أحد من اقتلاعنا».
وحول أوضاع المسيحيين في غزة، يقول حنا إن «نزيف غزة هو نزيفنا وآلام غزة هي آلامنا، إذ كلنا مستهدفون في غزة والضفة والقدس، وما يجري ليس حرباً ضد مدينة أو فصيل وإنما يستهدف كل الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته، ولذلك فإن رسالة الكنائس هي إلى كل المرجعيات الدينية المسيحية والكنائس حول العالم للالتفات إلى فلسطين وغزة، وأن يتذكروا بأن أرض الميلاد هي فلسطين وأن يرفعوا الصوت عالياً لكي تتوقف الحرب». ويشير إلى أن «عدد المسيحيين في غزة يصل إلى نحو ألف شخص، بعدما تراجع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، في ظل الحروب المتلاحقة على القطاع، والحصار المفروض منذ 17 عاماً والظروف الصعبة والمأساوية»، لافتاً إلى أن «كل المسيحيين في غزة متواجدون في الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، والتي لم تنجُ من الاعتداءات التي ارتقى في خلالها العديد من الشهداء».
وارتفعت وتيرة الاعتداءات على المسيحيين في القدس، منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي تضمّ في عضويتها وزراء فاشيين، منحوا المستوطنين الضوء الأخضر لممارسة العربدة ضد من يشاؤون، حتى بات هؤلاء يخطّون عبارات من مثل «الموت للمسيحيين» و«الموت للأرمن»، بالعبرية، في كل مكان، مثلما حدث على جدران «دير سانت جيمس» (القديس يعقوب) الأرمني قبل شهور. وفي تشرين الثاني الماضي، قام مستوطن متطرف بتخريب تمثال للسيد المسيح في كنيسة الجلد المقامة في المكان الذي يُعتقد أن المسيح حمل فيه الصليب. كما شهدت القدس قيام مجموعة من المستوطنين بإلقاء الكراسي والطاولات في محيط منطقة بالقرب من مقر جماعة «حراسة الأراضي المقدّسة» الدينية، ما جعل الحي المسيحي أشبه بساحة معركة. وفي واقعة أخرى، تعرّضت مقبرة مسيحية في القدس للتخريب، كما حطّم المستوطنون شواهد قبور وصلبان أكثر من 30 قبراً في المقبرة البروتستانتية، وخطّوا شعارات عنصرية على جدران البطريركية الأرمنية.
وأثار هجوم المستوطنين على المسيحيين، في أكتوبر الماضي، ردود فعلٍ دولية غاضبة، ما دفع حكومة الاحتلال إلى إدانته ورفضه، لكنّ عدداً من الإسرائيليين قالوا في منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إن «البصق على المسيحيين هو عادة يهودية قديمة». وبالمثل، قال وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، إن «هناك عادة يهودية قديمة، أن تبصق عندما تمر بالقرب من دير أو كاهن، يمكنك أن توافق على ذلك أو لا توافق»، متسائلاً: «لماذا نحوّل البصق على المسيحيين إلى مخالفة جنائية؟».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية