آخر الأخبار
الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » مسيحي – مسلم: استعادة نغمة شاذّة عن الواقع

مسيحي – مسلم: استعادة نغمة شاذّة عن الواقع

صفية أنطون سعادة

 

 

لا يملّ اللبنانيون، أو بعضهم على الأقل، من تكرار مقولات لم تعد تنطبق على الواقع اللبناني في القرن الواحد والعشرين، ولم يعد لها من علاقة حول مآلات ومصير لبنان، اللهم إلا تتبّع طريق الخراب والانهيار تبعاً للأزمة «عليّ وعلى أعدائي يا ربّ»، وكأنه لم يكفهم الدمار الذي نتج عن حرب أهلية قاموا بها بأنفسهم خلال 15 سنة لا نزال نعاني من نتائجها حتى اليوم.طالعتنا مقالة نقولا ناصيف في جريدة «الأخبار» يوم الثلاثاء الماضي (9 نيسان، 2024)، وعنوانها «بري يفك الاشتباك بين الراعي ونصرالله»، وفيها إعادة للمقولات الممجوجة الآنفة الذكر، إذ فوجئت بأنه يوازي بين البطريرك الراعي وسماحة السيد نصرالله ارتكازاً على مفهوم ديني تقسيمي، إسلامي – مسيحي، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.

يؤكد الكاتب أن «المشكلة الجديدة الناشئة تشي بانتقال السجال حول تداعيات حرب غزة – جنوب لبنان، إلى المراجع الدينية. كلاهما، الراعي ونصرالله، مرجعيتان دينيتان وسياسيتان في آن». لا أدري كيف يستطيع أن يقارن الكاتب بين شخصيتين من غير الممكن مقارنة أحدهما مع الآخر للأسباب الآتية:

لا ينظر العالم العربي، والعالم ككل، إلى نصرالله بصفته رجل دين، بالرغم من عمامته، بل بصفته قائداً لجبهة مقاومة تواجه إسرائيل التي تريد أن تبتلع المشرق العربي بأكمله، وأن تستعمله كأداة طيّعة في يدها، عدا مطامِعها المعروفة والمعلنة في أراضي ومياه لبنان، وسوريا (الجولان)، والعراق، والأردن (الوطن البديل، كما لبنان وطن بديل أيضاً في روزنامتها).

أمّا على الصعيد اللبناني البحت، فحين يأتي الموفدون الأجانب إلى لبنان لا يقصدون نصرالله على أساس أنه مرجعية دينية، بل لأنه يقود جهاداً وطنياً يصبو إلى تحرير الأرض، بما فيها أراض لبنانية ومياه لبنانية لا تزال إسرائيل تستحوذ عليها، ولا يعمل أي طرف آخر على تحريرها. وقد دلّ تاريخنا منذ عام 1948، عام إعلان نشوء دولة إسرائيل، على أنه لم يحصل أي تحرير لأراض عربية من سطوة إسرائيل إلا بالقوة، وكل الديباجات السياسية التي خطّها لبنان الرسمي بعد احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982، لم تؤدّ إلى تحريره. فقط فعل المقاومة استطاع ذلك، ونتيجة تضحيات شبان وشابات من كل الطوائف اللبنانية. نصرالله يمثّل مقاومة تفعل، وتنصرها فئات من كل الطوائف، ولا يمثّل طائفة من الطوائف كما يفعل البطريرك الراعي.

آن الأوان لكتّابنا للانتقال من المقولات القديمة الملّية التي تحدد الهوية على أساس النسب

 

أمّا المواقف الانقسامية على فالق ديني كما يوردها الكاتب، فمردّها إلى التقسيمات القروسطية التي عفا عليها الزمن، من ملل ومذاهب لا تتطلع إلى شعب وأهدافه الوطنية بمعزل عن دينه، بل تريد إلغاء وجود وطن عبر حروب طائفية ستدفع هي ثمنها كما حصل في الحرب الأهلية الأخيرة. هذه الحروب يستعملها الغرب الاستعماري لإضعاف المقاومة، لأنه يؤازر إسرائيل، مستعمرته الرابضة كخنجر في المنطقة، والتي طالما هي موجودة لا أمان ولا ازدهار لنا.

لقد آن الأوان لكتّابنا للانتقال من المقولات القديمة الملّية التي تحدد الهوية على أساس النسب (ماروني، أرثوذوكسي، درزي، سني، شيعي)، إلى المقولات المعرفية الحديثة التي بنت الأوطان عبر إلغاء الهوية على أساس النسب واستبدلتها بالهوية الوطنية الجامعة التي وحدها تستطيع أن تضع المداميك الراسخة، لا المتحركة، لبناء وطن قوي. والمثير للدهشة أن المسيحي الذي يعتز بأنه قريب من الغرب وتقاليده هو في الحقيقة الأبعد عن هذا الغرب الذي بنى هويته على المواطنة لا على الدين!

أخيراً، خروج بعض الأصوات التي تؤكد بأننا نستطيع أن نكون كدول الخليج، وننعم بالهدوء والطمأنينة، فأريد أن أحيلهم إلى الخرائط التي بيّنها رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أخيراً، والتي لا تشذ عن تاريخ كل القيادات الصهيونية، وتؤكد أن حدود إسرائيل هي نفس حدود المشرق العربي، ولا تشمل الخليج العربي، أي أن هذه الحرب مفروضة فرضاً علينا، ونحن لم نخترها.

فعل المقاومة، سواء أكنّا مسيحيين أم مسلمين، هو الرد الوحيد الممكن إن شئنا أن نكون أحراراً، وكل مقاومة لدحر عدو هي عمل توافق عليه القوانين الدولية، ومن يريد أن يستسلم لإسرائيل ليس من الضروري أن يستعمل ثوباً طائفياً.

 

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماذا نفعل بعد شهر رمضان؟

    ماذا نفعل بعد رمضان هو عنوان الجلسة الحوارية التي أقيمت ظهر أمس في صالة الرحمة في طرطوس لطلاب التعليم الشرعي، ضمن خطة عمل ...