د. غسان شحرور
قبل أيام، وتحديداً في 9 يناير/ كانون الثاني 2025 صوت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على تمرير مشروع قانون “مكافحة المحكمة غير الشرعية”، بدعم من معظم الجمهوريين و45 من الديمقراطيين. ويعتقد كثيرون أن التشريع مصمم لحماية القادة الإسرائيليين من المساءلة، في وقت يتزايد فيه قناعة خبراء ومنظمات حقوق الإنسان بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
كمدافع طويل الأمد عن الصحة وحقوق الإنسان ونزع السلاح الإنساني، أجد أن تمرير هذا المشروع مقلق للغاية. فهو يعكس عقليّة تفضّل المصالح السياسية على العدالة العالمية، الأمر الذي يقوض كلاً من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) والمعايير الدولية التي تحمي العدالة والإنسانية، ولاسيما اتفاقات ومعاهدات أنجزتها البشرية عبر العقود الأخيرة لأنها وبكل بساطة التزامات وتعهدات وقواعد ينبغي تنفيذها واحترامها والتقيد بها من قبل كل أطرافها على أسس العدالة والمساواة.
في 11 ديسمبر 2024، أكد خبراء الأمم المتحدة المرموقون في جنيف عند طرح المسودة أن هذا القانون سيشكل “سابقة خطيرة” من خلال تقويض تطبيق القانون الدولي في كل مكان.
نعم، إن هذا المشروع يعطي الأولوية للتحالفات والمصالح السياسية على حساب مبدأ العدالة وضمان المساءلة، مما يقوض تطبيق القانون الدولي إذ تعد معاهدات مثل نظام روما، واتفاقيات جنيف أساسية لمنع الفظائع وضمان العدالة العالمية، وحماية الإنسان والمدنيين بشكل عام، ومع ذلك، فإن هذا التشريع يهدد بشكل فظيع مصداقيتها من خلال تمكين العدالة الانتقائية والإفلات من العقاب، وهكذا، من المؤلم بشكل خاص أن نرى المشرعين من دولة كانت تاريخياً تعد نفسها رائدة عالمياً في حقوق الإنسان تتبنى مثل هذا الموقف المشين.
تهديدات لنزع السلاح الإنساني
من الجدير بالذكر أن المجتمع المدني، بالتعاون مع الدول والمنظمات الدولية، يقود عملية نزع السلاح الإنساني ويقوم بنشرها وجعلها عالمية، ومن المعروف أن معاهدات نزع السلاح الإنساني مثل معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)، واتفاقية الذخائر العنقودية (CCM)، ومعاهدة حظر الألغام تعتمد على التعاون العالمي والامتثال الكامل بكل موادها لحماية المدنيين ومنع انتشار الأسلحة غير الإنسانية، لكن هذا المشروع يقوض تلك الجهود من خلال وضع سابقة تسمح للدول بتجاهل التزامات المعاهدات لأغراض سياسية بل وتهديد كل من يطالب بالإلتزام وتنفيذ هذه الاتفاقيات. مثل هذه الإجراءات تزيد من المخاطر التي تشكلها هذه الأسلحة وتعرقل التقدم نحو نزع السلاح وحماية المدنيين الأبرياء.
تآكل التزامات حقوق الإنسان
يتناقض هذا المشروع أيضاً مع مبادئ معاهدات حقوق الإنسان الرئيسة، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب. من خلال استهداف مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وأنصارها، فإن التشريع يضعف الآليات المصممة لمكافحة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وكافة الجرائم ضد الإنسانية. كما يقوض التضامن الدولي والثقة، الأمر الذي يهدد قدرة المجتمع الدولي على حماية الفئات الضعيفة والحفاظ على العدالة.
نزع السلاح العالمي في خطر
تتمثل التأثيرات الأوسع لهذا التشريع في أطر نزع السلاح التي تهدف إلى تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين وتعزيز السلام، بما في ذلك: • معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW) • اتفاقية الذخائر العنقودية (CCM) • معاهدة حظر الألغام (معاهدة أوتاوا) • اتفاقية الأسلحة التقليدية المحددة (CCW) • اتفاقية الأسلحة الكيميائية (CWC) • معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) • معاهدة تجارة الأسلحة (ATT) وغيرها. تعتمد هذه المعاهدات كما نعلم على الأنظمة القضائية الدولية لضمان الامتثال وتنفيذ كل موادها. إن تقويض المحكمة الجنائية الدولية وآليات مماثلة يضعف هذه الأطر والآليات، مما يعرض للخطر عقودًا من التقدم في نزع السلاح والمساءلة.
كما هو معلوم، من دون أنظمة تطبيق موثوقة، تتراجع التزامات الدول تجاه هذه الاتفاقيات، مما يؤثر سلباً على حركة نزع السلاح العالمية.
سابقة خطيرة
العقلية وراء هذا التشريع تضع سابقة خطيرة، مما يشجع الدول الأخرى على تجاهل المعاهدات الدولية وتطبيع الإفلات من العقاب. قد يُترك ضحايا جرائم الحرب والفظائع دون عدالة، بينما تتعرض جهود المساءلة والسلام للخطر بشكل كبير.
أستطيع القول أن تمرير مشروع قانون “مكافحة المحكمة غير الشرعية” من قبل مجلس النواب الأمريكي يعد أكثر من مجرد قضية سياسية داخلية؛ إنه تهديد مباشر للعدالة العالمية وحقوق الإنسان وجهود نزع السلاح. من خلال هذا القرار، فإن المشرعين في مجلس النواب الأمريكي، للأسف، يقوضون حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية. لهذا يجب على المجتمع الدولي من حكومات العالم والمجتمع المدني والحقوقي مقاومة مثل هذه المواقف الخطيرة وإعادة تأكيد التزامه بالقانون الدولي والعدالة وحماية الإنسانية.
نعم، فقط من خلال العمل الدولي الجماعي يمكننا حماية عقود من التقدم في هذه المجالات الحيوية.
المصادر:
-
شاون زانغ، “خبراء الأمم المتحدة يهاجمون مشروع القانون الأمريكي الذي يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية”، صحيفة “تروث أوت”، 12 يناير 2025.
-
نبذة عن القانون الدولي الإنساني
-
مزيد من المعلومات حول نزع السلاح الإنساني
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم