آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » مصادر المياه تحت السيطرة الصهيونية

مصادر المياه تحت السيطرة الصهيونية

 

بدر الحاج

 

أخيراً حقق الصهاينة حلمهم القديم بالسيطرة على القسم الأكبر من مصادر المياه القريبة من حدود فلسطين الشمالية بعد احتلالهم قمم جبل الشيخ ومساحات شاسعة من جنوب دمشق، إضافة إلى سيطرتهم على مرتفعات إستراتيجية في جنوب لبنان. ومنذ بداية المشروع الصهيوني حاول الصهاينة بمساعدة البريطانيين قضم ما أمكنهم من الأراضي الشمالية التي تحد فلسطين والواقعة تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي بهدف الوصول إلى منابع المياه.

 

وبالفعل حققوا نجاحات في هذا الإطار وسيطروا على بحيرة طبريا خزان المياه الأكبر في فلسطين. وطالبوا في مذكرتهم إلى مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919 بأن تكون حدودهم الشمالية في نقطة جنوب صيدا وتتجه شرقاً لتشمل منابع مياه الأنهر. كانت المياه بمنزلة العمود الفقري لمشروع الاستيطان اليهودي. إقامة دولة يهودية في فلسطين تعني استقدام ملايين من المهاجرين اليهود وتأمين أراض زراعية لهم، وإقامة مصانع وتشييد مستوطنات، وبقدر ما يتدفق المستوطنون بقدر ما يكون الحلم الصهيوني على طريق الإنجاز.

 

لم تكن فلسطين في القرن التاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين مهيأة لاستقبال وتوطين ملايين المستوطنين، فالأراضي الزراعية بحاجة إلى كميات من المياه لكي تكون قادرة على استيعاب المهاجرين، لذلك بدأ الصهاينة العمل على تطوير المصادر المائية المتوافرة في فلسطين، ولم يكن أمامهم من حل لأزمة توافر المياه إلا بالعمل الدؤوب على القضم الزاحف شمالاً باتجاه الوصول إلى منابع المياه.

 

هناك الكثير من الأبحاث التي تتحدث عن محاولات الصهاينة سد نقص المياه بتنشيط العمل على تحلية مياه البحر بالتعاون مع الأميركيين في عام 1964 بعد إعلان الرئيس جونسون تقديم المساعدة لإقامة محطة نووية لتحلية المياه، ورغم ذلك استمرت الأزمة ولم تفلح محاولات إنشاء مشاريع المطر الاصطناعي وتكرير مياه المجاري في تلبية حاجات المستهلكين بعد استقدام المزيد من المستوطنين. إضافة الى كون تلك المشاريع باهظة التكاليف ولم تكن بديلاً من المياه المتوافرة في أنهر الشمال. لذلك جرت محاولات عدة للاستيلاء على مصادر المياه، لكن معارضة الاحتلال الفرنسي أجهضت تلك المحاولات.

 

اليوم، تبدّل المشهد جذرياً لمصلحة الصهاينة لأنهم فرضوا سياسة الأمر الواقع بالقوة على حكّام بيروت ودمشق. وكما فرضوا أنفسهم بقوة السلاح في فلسطين، وهجروا وقتلوا شعبها، يكررون الأسلوب في احتلالهم لمناطق شاسعة من سوريا والتمركز في جنوب لبنان. لقد أجبروا حكام «القاعدة» في دمشق على سحب ميليشياتهم من الجنوب السوري، وأعلنوا رسمياً أن جبل العرب وسكانه تحت حمايتهم. موقف حكام دمشق من كل هذه التطورات صمت مطبق ومزيد من اللقاءات مع القادة الصهاينة لحل «الأمور العالقة» برعاية أميركية وتغطية عربية.

 

لن تصر إسرائيل فقط على الاحتفاظ بالغجر التي تعد وفقاً لرأي الخبراء الصهاينة أكبر خزان ماء جوفي في الجنوب، بل ستحقق طموحها القديم الذي وضع مخططه الأساسي جون كوتون عام 1954 لتحويل نهر الليطاني إلى إسرائيل

 

 

القاعدة عبر التاريخ: إذا لم تدافع عن أرضك وتدحر الاحتلال عنها، لا مجال أمامك إلا القبول بجزمة المحتل على رقبتك. والأرض التي لا تدافع عنها لا تستحقها. يُضاف إلى ذلك أنّ للمحتل الصهيوني شروطاً كي يوافق على بقاء أي حاكم في السلطة. من أول هذه الشروط منع قيام جيش سوري من جديد بعد أن تم تدمير كل مقومات الجيش السوري وقواعده. وهذا ما أعلنه الكولونيل موشيه جلعاد عندما قال عن المفاوضات مع السوريين: «نوقش خلال المفاوضات، حيث استفسر السوريون عن رأي إسرائيل بإقامة جيش سوري، ردت إسرائيل بصورة واضحة أنه لن يتم إنشاء جيش سوري في سوريا إنما سيتم إنشاء شرطة قوية فقط».

 

لم يسبق في تاريخ سوريا الحديث، منذ هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى، ورغم تبدل الأنظمة والضباط الذين تولوا الحكم، أن طلبت سلطة سورية رأي إسرائيل في ما إذا كانت تسمح أو لا تسمح بإقامة جيش سوري. هذا وحده سبب واضح يكشف حتى للعميان حقيقة «ثورة إرهابيي الناتو» في الشام. إذاً، المطلوب إسرائيلياً شرطة قوية لقمع أي رد فعل من السوريين ضد السلطة الحاكمة التي فرّطت علناً بالأرض السورية والتي تذعن لكل المطالب الصهيونية.

 

ما يسري على حكّام دمشق يسري على حكّام بيروت. توماس برّاك أعلن أن الأميركيين يسلحون الجيش اللبناني لقتل اللبنانيين أعداء إسرائيل فقط. إذاً، ممنوع على الجيش أن يتسلّح إلا لأهداف تُرسم له، وظيفته بالنسبة إلى الأميركيين، أي إلى الإسرائيليين، قمع كل صوت يرفض المشروع الصهيوني. ومن دون الخوض في التفاصيل، فإن الجرائم اليومية التي يرتكبها العدو ورد فعل السلطة اللبنانية، هذا إذا سمح لها بالرد بعبارات منتقاة مثل «ندين بأشد العبارات، ونطالب المجتمع الدولي – أي أميركا – التدخل لوقف الاعتداءات»، يثبت أن سلطة الإذعان بانتظار أن تتيح لها الظروف إصدار أوامر إلى الجيش لسحق المقاومين، واذا تأكد عجزه فالاحتياط جاهز، هناك الميليشيات التي سبق لها أن تحالفت مع إسرائيل والتي تتسلح من الأميركيين وهي تحرض يومياً، وبعض مرتزقة الأميركيين يهددون حتى بتدخل جنود الجولاني.

 

أمام هذا المشهد لا خيار أمام السلطتين في دمشق وبيروت إلا نسيان جميع مصادر المياه في الجنوب وتلك المتدفقة من جبل الشيخ، ولن تصر إسرائيل فقط على الاحتفاظ بالغجر التي تعد وفقاً لرأي الخبراء الصهاينة أكبر خزان ماء جوفي في الجنوب، بل ستحقق طموحها القديم الذي وضع مخططه الأساسي جون كوتون عام 1954 لتحويل نهر الليطاني إلى إسرائيل، وهذا يعني السيطرة الفعلية على النصف الجنوبي من وادي البقاع ومعظم جنوب لبنان أسفل نهر الزهراني.

 

وهذا ما نرى خطواته الأولية اليوم. مصادر المياه هي أوكسجين مشاريع الاستيطان الصهيونية المستقبلية. كل نقطة مياه سوف يحاولون السيطرة عليها، ولنتذكر أنه وفقاً لضباط الأمم المتحدة وخبراء المياه في لبنان أمر الصهاينة سعد حداد أثناء احتلالهم جنوب لبنان منع المزارعين من حفر آبار جديدة، وحتى الآبار القديمة جرى سدّها بالطوب.

 

يبدو أن تحقيق حلم الصهاينة الأوائل بالسيطرة على الليطاني يحققه الصهاينة الحاليين ليس بالديبلوماسية، ولا بإستراتيجية «البرستيج» اللبنانية الاختراع، ولا بالتوسل والإذعان كما يفعل حكّام بيروت، بل بالقوة. لا حدود لطموحاتهم المستقبلية، غداً قد ينتقلون إلى مرحلة جديدة يأمرون فيها أنصارهم في جميع مواقع السلطة بإعادة كتابة المناهج التربوية لمصلحة السردية الصهيونية، وقد باشرت أنظمة عربية تنفيذ ذلك، إضافة إلى منع أي مطبوعة أو جهاز إعلام من التعرض للمشروع الصهيوني بسلبية.

 

ختاماً، يتداول شعبياً بأن عنترة سُئل يوماً كيف أصبحت عنترة الذي يهابه الجميع؟ كان جوابه نزلت إلى الساحة وتحدّيت الجميع احتقرتهم وأهنتهم، ولم أجد أحداً يحاول مهاجمتي أو ينتفض لكرامته. بمعنى أدق، إنه زمن الانصياع، لذلك بسهولة يمكننا وصفه أيضاً بأنه الزمن الصهيوني.

 

* كاتب لبناني

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا “صام” نتنياهو عن الكلام وقاطع “قمة السلام” في شرم الشيخ؟ وما هو التصريح الخطير للجنرال الإيراني شمخاني الذي يرسم ملامح الحرب الإسرائيلية الكبرى القادمة؟

ليس من عادة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي “الصوم” عن الكلام، والتوقف عن اصدار التهديدات، والأكثر من ذلك عدم المشاركة او ارسال من ينوب عنه ...