قد تكون مصافحة سريعة هي النتيجة الأكثر ترجيحًا للمحادثات الدبلوماسية التمهيدية المقرّر عقدها اليوم السبت بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين.
وربما تكون كافيةً لاستمرار المناقشات، وربما تُفضي إلى أول مفاوضات رسمية وجهاً لوجه بين البلدين منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي قبل سبع سنوات.
ستكون المحادثات، المقرّر عقدها في عُمان، بمثابة جلسة جسّ نبض لمعرفة ما إذا كان في إمكان إدارة ترامب والسلطات الإيرانية الانتقال إلى مفاوضات شاملة للحدّ من البرنامج النووي الإيراني.
يُبدي كلا الجانبين انعدام ثقة كبير حيال الآخر، نظرًا لانسحاب ترامب من اتفاق عام 2015 الذي توسّطت فيه إيران مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، وفرضه عقوبات قاسية على طهران خلال ولايته الأولى.
يريد ترامب الآن إبرام صفقة – لإظهار مهاراته التفاوضية ومنع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل إلى صراع أكثر حدّة من شأنه أن يُفاقم التوتّرات في الشرق الأوسط. وكتب وزير الخارجية عباس عراقجي في صحيفة واشنطن بوست هذا الأسبوع أنّ المسؤولين الإيرانيين متشكّكون، لكنّهم “مستعدّون للانخراط بجدّية وبهدف إبرام اتفاق”.
أهداف اجتماع السبت متواضعة، تعكس الفجوة بين الجانبين: الاتفاق على إطار عمل للمفاوضات وجدول زمني. ليس من الواضح ما إذا كان المبعوثون سيتحدثون مباشرة، كما أصرّ ترامب، أم سينقلون رسائل عبر وسطاء عُمانيين يتنقّلون بين الغرف، كما أشار عراقجي.
يعتزم الوفد الإيراني التعبير عن انفتاحه على الحديث عن تخفيضات في تخصيب اليورانيوم والسماح بالمراقبة الخارجية، وفقًا لمسؤولين إيرانيين كبيرين. لكنّهما قالا إنّ المفاوضين غير مهتمّين بمناقشة تفكيك البرنامج النووي، وهو ما أصرّ عليه مسؤولو إدارة ترامب.
يتوقّع الخبراء أن تكون المصافحة أو لقاءً قصيرًا آخر وسيلة لإرضاء الجانبين وإرسال بادرة حسن نيّة دون مفاوضات مباشرة.
وقال ترامب إنّه سيعتمد على حدسه فيما إذا كانت محادثات السبت، المتوقّع عقدها في مجمع ساحلي، ستتطوّر إلى مفاوضات أخرى. وقال هذا الأسبوع: “عندما تبدأ المحادثات، تعرف ما إذا كانت تسير على ما يرام أم لا. وأودّ أن أقول إنّ الاستنتاج سيكون عندما أعتقد أنّها لا تسير على ما يرام. وهذا مجرّد شعور”.
ما هو على المحكّ؟
المسألة هي تراجع نفوذ الاتفاق النوويّ الأصلي عندما انسحب ترامب من الولايات المتحدة – قبل انتهاء أشدّ قيوده قسوة في تشرين الأول (أكتوبر).
عُرف الاتفاق بخطة العمل الشاملة المشتركة، وأُبرم في عهد الرئيس باراك أوباما، وكان ثمرة سنوات من المفاوضات الفنية المضنية التي اتُفق فيها على رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
تسع دول فقط في العالم تمتلك أسلحة نووية، وإضافة إيران إلى القائمة قد تُشكّل تهديدًا وجوديًا لخصمها الرئيسيّ، إسرائيل، وربما لدول أخرى. كما أثار الخبراء مخاوف من أن تُشارك إيران قدراتها النووية، ربما مع جماعات إرهابية.
لطالما أكّدت إيران أنّ أنشطتها النووية قانونية ومُخصّصة للأغراض المدنية فقط، مثل الطاقة والطبّ، وليست للأسلحة. لكنّها قامت بتخصيب اليورانيوم، المكوّن الرئيسي للقنبلة النووية، بما يتجاوز المستويات اللازمة للاستخدام المدنيّ.
في السنوات التي تلت انسحاب ترامب من الاتفاق، سارعت إيران بثبات في تخصيب اليورانيوم إلى درجة أنّ بعض الخبراء يقدّرون أنّها قد تصنع سلاحًا نوويًا قريبًا. انهار اقتصادها تحت وطأة العقوبات الأميركية، وفرض ترامب هذا الأسبوع إجراءات جديدة تستهدف تجارة النفط الإيرانية.
وتعتقد حكومة إسرائيل أنّ طهران ستوسّع برنامجها النووي وتسعى جاهدة إلى تدميره.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع: “الاتفاق مع إيران مقبول فقط إذا تمّ تدمير المواقع النووية تحت إشراف الولايات المتحدة. وإلّا، فإنّ الخيار العسكري هو الخيار الوحيد”.
بينما كان عراقجي مشاركًا عن كثب في المفاوضات السابقة، فإنّ المبعوث الأميركي المتوقّع ستيف ويتكوف لا يتمتع بخبرة تُذكر في الجوانب التقنية للبرنامج النووي الإيراني. وكان من المقرّر أن يصل إلى عُمان بعد زيارةٍ له إلى سانت بطرسبرغ يوم الجمعة لإجراء محادثاتٍ مع الرئيس فلاديمير بوتين حول وقف إطلاق نار محتمل بين روسيا وأوكرانيا. ومن شبه المؤكّد أنّ إيران ستمدّد المحادثات الدبلوماسية لمدّة عام.
سيناريوات التفاوض
وقال إليوت أبرامز، مبعوث ترامب إلى إيران خلال ولايته الأولى: “لديهم فرصة لإثارة خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة بالدخول في مفاوضات يخدعون فيها ويتكوف ويوهمونه بأنّها ستُثمر الكثير… وهكذا تبدأ المفاوضات، ما يُثني إسرائيل، وتستمرّ، وتستمرّ”.
وأضاف أنّه “يمكن التوصّل إلى اتفاق جديد بسرعة كبيرة” – لكن من المرجّح أن تلتزم إيران بما لا يزيد عمّا وافقت عليه في اتفاق عام 2015. مثل هذه النتيجة ستُثير غضب إسرائيل.
كما قد لا يكون كافيًا لترامب، الذي طالب سابقًا بفرض قيود أكبر على صواريخ إيران وقواتها الشيعية بالوكالة في العراق ولبنان واليمن، أن يدّعي أنّه توصّل إلى اتفاق أفضل من أسلافه الديمقراطيين.
دبلوماسية أم صراع؟
يتوقع أبرامز أن إسرائيل ستضرب إيران في النهاية على أي حال. منذ الخريف الماضي على الأقل، تُجهّز إسرائيل صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، بما في ذلك صواريخ قادرة على ضرب أهداف تحت الأرض، لشن غارة جوية على إيران. كما نشرت إدارة ترامب تعزيزات عسكرية استثنائية في المدى، بما في ذلك حاملتا طائرات، وقاذفات شبح إضافية من طراز B-2 وطائرات مقاتلة، بالإضافة إلى دفاعات جوية.
ومع ذلك، يرغب ترامب بشدة في تجنب حرب جديدة في المنطقة، والتي حذّر مستشاروه من أنها ستستنزف الموارد العسكرية بعيدًا عن التهديدات المحتملة الأخرى، مثل الصين، وتنتقص من جهوده ليكون رئيسًا للسلام.
وقالت دانا سترول، التي كانت أكبر مسؤول في البنتاغون لسياسة الشرق الأوسط خلال إدارة بايدن: “الرئيس لا يريد حقًا استخدام الجيش هنا”.
وعلى غرار الطريقة التي تعامل بها الرؤساء الآخرون في الآونة الأخيرة مع إيران، قالت، يبدو أن ترامب قد فكر “كيف ستبدو الحملة العسكرية، وما يمكن أن تحقّقه بالفعل، واختار تجربة المسار الدبلوماسيّ أوّلاً”.
وأشارت إلى أنّ ترامب يخطّط لزيارة قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أقرب وقت الشهر المقبل. وقالت: “ما يسمعه من جميع القادة العرب الذين يتحدّث معهم هو أنّهم لا يريدون المزيد من الحروب”.
وأكّد ترامب أنّه مستعدّ للأسوأ. وقال يوم الأربعاء: “إذا تطلّب الأمر تدخّلاً عسكرياً، فسنستخدمه”، مضيفاً أنّ إسرائيل “ستكون بالتأكيد الرائدة في ذلك”.
إيران أيضاً تُجهّز نفسها. كتب عراقجي: “تذكّروا كلامي: إيران تُفضّل الدبلوماسية، لكنّها تعرف كيف تدافع عن نفسها. نسعى للسلام، لكنّنا لن نقبل الخضوع أبداً”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار