يوماً بعد آخر، يزداد التأكّد بأنّ دعوة الرئيس المصري للحوار الوطني لم تكن سوى خطوة لاستكمال الشكل “الديكوري” للخطوات المنوي اتخاذها، مع الاستعداد لواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر في العصر الحديث
القاهرة | على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على دعوة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للحوار الوطني السياسي، إلّا أنّ أطر هذه الخطوة لم تتبلور، إلى الآن، بناءً على إعلان الأكاديمية الوطنية للتدريب، التي أسّسها السيسي، عبر المخابرات مباشرة، لتكون الجهة المسؤولة عن إدارة الحوار.
الصيغة التي تروّج لها الأكاديمية التي يشرف عليها مدير المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، تتمثّل في استقبال طلبات الراغبين في الاشتراك بالحوار، والمواضيع التي يسعون إلى طرحها، إضافة إلى الاستعداد لجدولٍ زمني يتضمّن مناقشات عدّة، خلال الجلسات التي ستستضيف الوجوه ذاتها التي استضافتها جلسات مؤتمر الشباب.
غير أنّ ما تقدّم يبدو كأنّه رُسم ليوحي بأنّ السيسي لا يعرف ما هي مفردات الحياة السياسية التي يجب أن يجري تداولها في الحوار، كما لو أنّ نظامه متفاجئ من أنّ هناك حاجة إلى حوار وطني، بعدما أغلق باب النقاش في أيّ مواضيع، منذ سنوات. سلوكٌ يتزامن مع وجود عدد من قيادات الأحزاب خلف القضبان، بالإضافة إلى مئات الشباب الذين أصبح أقصى أمل بالنسبة إلى ذويهم، الحصول على عفو رئاسي عنهم، ضمن قوائم العفو المرتقبة.
وفي أفضل الأحوال، عمل السيسي على التمهيد للحوار، من خلال دعوة عدد من قيادات المعارضة إلى إفطار الأسرة المصرية، فكان لقبول المعارض حمدين صباحي الدعوة ثمنٌ جرى تسديده، على الفور، عبر العفو عن الناشط السياسي، حسام مؤنس، بقرار جمهوري فوري لإثبات حسن النية. غير أنّ ما لا تدركه المعارضة، أو ربّما تتجاهله، هو أنّه يجري الترتيب لهذا الحوار، ليكون جزءاً من واجهة لتحمّل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية، إضافة إلى التمهيد لبقاء السيسي على رأس السلطة، بعد انتخابات عام 2024، وإعطاء شرعيّة له أمام المجتمع الدولي.
أمّا على أرض الواقع، فلن يحدث تغيير مهمّ في السياسات الأمنية، بل اختلافات طفيفة يجري العمل على صياغتها. ففي مقابل تقديم حدٍّ أدنى من التنازلات، يرغب النظام في الحصول على تأييدٍ لسياسات القمع الأمنية، والسياسات الاقتصادية، وخصوصاً في ظلّ إصرار صندوق النقد الدولي على بعض الشروط التعجيزية، لمنح قرضٍ جديد يدعم الاقتصاد المصري، بينما يزيد من إفقار المواطنين.
تبدو الأحزاب المعارِضة مجبرة على الانخراط في شكل الحياة السياسية الذي يرسمه السيسي
وفي هذا السياق، تبحث أحزاب سياسية عدّة، على غرار “التجمّع والكرامة” و”المصري الديموقراطي”، لاستغلال الحوار المزمع، من أجل الظفر بفرصة للعودة إلى الحياة السياسية، بعد جمودٍ استمرّ أكثر من سبع سنوات، وتحديداً منذ التنازل عن تبعيّة جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية. إلّا أنّ هذه العودة ستكون منقوصة، ومحاطة بقيود جديدة، سواء في إطار العمل السياسي، أو حتى في الأفكار والقناعات التي تجري صياغتها للعرض أمام الرئيس.
بناءً عليه، تبدو الأحزاب التي يفترض أنّها معارِضة، مجبرةٌ على الانخراط في شكل الحياة السياسية الذي يرسمه السيسي، لدعم مشاريع التنمية، بالتوازي مع الإقرار بالجمهورية الجديدة، واعتبارها دولة يفترض أن ينتقل إليها المصريون متخلّصين من أعباء الماضي، بغضّ النظر عمّا سيؤدّي إليه هذا الأمر من إفقار.
وعلى غرار الحوارات التي جرت إبّان نظام حسني مبارك، من المتوقّع أن لا يؤدّي الحوار إلّا إلى تشكيل لجان، بحيث تكون كلّ لجنة مسؤولة عن ملف، مع غياب جدول زمني ملزم لعملها، ولا سيّما في ظلّ تعدّد القضايا المطروحة والخلافات التي بدأت في الظهور بين مختلف الأحزاب، التي وصلت إلى اتّهام بعضها البعض بأنّها بلا شعبية حقيقية. وقد جاء كلّ ذلك، فيما أُغلق باب الحوار باكراً أمام أيٍّ من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، باستثناء ممثّلي حزب “النور”، المتوقّعة مشاركتهم على استحياء.
سيرياهوم نيوز3 -الأخبار