فراس ديب
قيلَ الكثير في حبِّ مصر وتاريخ مصر لكن بما يتعلق بآليةِ الحكم تحديداً هناك مقولة منسوبة للكاتب محمود السعدني يقول فيها: وكأنها ستصبحُ عادة الحكم في مصر بعد ذلك، كلما تولى فيها الأمر رجل قوي خلفهُ على العرش رجلٌ هزيل!
يقولون: إن دوام الأزمات يولدُ في السلوكِ البشري حالة من اللامبالاة، مشاهد الدم مثلاً تجعل خبرَ الموتِ اعتيادياً لا مفاجأةَ فيه، لكن أخطر ما قد تولدهُ هذهِ المشاهد هي ردات الفعل غير الموضوعية على أزمات الآخرين، هنا يدخل التشفي ليلعب دورهُ القميء في عمليةِ تصفيةِ الحسابات التي يدفع ثمنها الأبرياء ولا أحد غيرهم، فما الجديد؟
كان لجمهورية مصر العربية ولا يزال مكانة خاصة في قلبِ كلِّ ناطقٍ بالضاد، ليس فقط لأنها جارة التاريخ لكن لما يتمتع بهِ هذا البلد على المستوى الشعبي من محبةٍ واحترام، اليوم يكثر الحديث عن الوضع الاقتصادي المتردي لمصر الذي قد يضطر الحكومة لطلبِ المزيد من القروض الدولية بضمانِ عائداتِ قناة السويس وهو ما يعتبر من الخطوط الحمر، علماً أن الحديث لا يشمل مصرَ فحسب فإذا ما استثنينا الوضع الاقتصادي المتردي في سورية لكونها دولة في حالةِ حرب، فإننا هنا نتحدث عن دولٍ آمنة كلبنان مثلاً، بالتأكيد فإن عدداً لا بأس بهِ من هذه التقارير تدخل في سياق تصفية حسابات إخوانية مع الدولة التي لفظتهم بهمةِ شعبها وجيشها، تقارير لا تحمل إلا الأكاذيب التي تحلم بانهيار الدولة المصرية لا يشبهها إلا التقارير التي تبثها المعارضات السورية اليوم والتي تشمت بما يعانيهِ المواطن السوري في الداخل بعدَ أن أوصلتهُ هي نفسها إلى ما هو عليه عندما جعلت من نفسها ألعوبة بيد أعداء الوطن، ذات المعارض السوري الذي هلَّل لـ«قانونِ قيصر»، يشمت اليوم بما يسميها «طوابير المتة»، أي قذارةٍ حملتها تلكَ الأرحام التي أنجبتكم؟!
لكن بالسياق ذاته دعونا لا نغرق كثيراً في النومِ بالعسل، هناك مشكلة حقيقية تداهم الاقتصاد المصري هذا الكلام مثبت على الأقل بانهيار متسارعٍ لأسعار صرف الجنيه المصري بدأ منذ عام 2016 مع دخول تعليمات صندوق النقد الدولي حيّز التنفيذ من بينها خفض قيمة العملة التي اعتبرها الصندوق مبالغاً بها للحصولِ على قرضٍ قيمته 12 مليار دولار لمدة 3 سنوات، لكننا هنا لن ندخلَ أبداً في سياق التحليلات الاقتصادية لكن ما سنتحدث عنه هي الطريقة التي يتم فيها التعاطي مع ما يجري في مصر على المستوى الإعلامي، حيث يمكننا ببساطة أن نرى هذا التعاطي باتجاهين أساسين:
الاتجاه الأول لم يستطع حتى الآن أن يميِّز بين المصلحة العليا لمصر وبين الشعارات، تستطيع ببساطة أن تختلفَ مع كثير من الخيارات التي تتبناها السلطة الحاكمة في هذا البلد أو ذاك لكن لا يمكن أن تسمح لنفسكَ بأن تكون مساهماً بصبِّ الزيتِ على النار، هذا الاختلاف لا يجب أن يجعلكَ تتعامى عما هو مخبأ لمصر والمصلحة العليا للشعب المصري، هذا الاتجاه وإن كان من يقوده أشخاص يدَّعون الانتماء العروبي والدفاع عن القضية الفلسطينية فإن همهم الأول والأخير مايسمونه «رحيل نظام السيسي».
مبدئياً لا أعرف أي انفصام يعيشهُ أولئكَ الذين لا يحملون الجنسية المصرية ويكررون هذا الطلب، من أعطاكم الحق لتعويم هكذا فتنة، لماذا لا تتلهون بما يجري في بلدانكم؟ ثم إن كنتم فعلياً تتبنون هكذا مطلب فلماذا ترون بالتظاهرات في دولةٍ ثانية هي فتنة يقودها الشيطان الأكبر؟ هل يستطيع هؤلاء مثلاً أن يشرحوا لنا ما هي البدائل أو أي مجهولٍ ستدخله مصر فعلياً في حالِ تم ذلك؟ هل حقاً وبعدَ كل هذا الدمار والخراب الذي نشاهدهُ في شرقنا البائس هناك من عاقلٍ يُطالب برحيلِ نظام أي دولة؟
هناك من يتحدث في الإعلام مثلاً عن ضرورةِ عودة من يمثلون التيار العروبي في مصر هل هذهِ نكتة أم ماذا؟ أين هم هؤلاء الذين يمثلون التيار العروبي وكأنهم من عالم الجن نسمع عنهم لكننا لا نراهم، لماذا لا يستخدمون شعبيتهم الجارفة كما يصورها البعض للدفاع عن عودة السفير المصري إلى سورية على أقل تقدير؟ أحد هؤلاء الذين يقدمهم الإعلام كناطق باسم الأحزاب العروبية ويدَّعي الانتماء لفكر الراحل الكبير جمال عبد الناصر، كان خنجراً طعنَ أول ما طعن من سمّاها جمال عبد الناصر بـ«قلب العروبة النابض»، هل سمعَ أحد منا أن الدولة المصرية مثلاً أجبرت معتنقي الفكر العروبي على الانكفاء؟ على العكس لنعترِف أن ما تعيشهُ مصر من مساحة وهامش للحرية ربما هو حلم للكثير من المواطنين العرب، في مصر هناك برامج تناقش حتى أحاديث البخاري بكذبها وصحتها، هناك من ينتقد المؤسسات الدينية ودورها المريب في تجهيل المجتمع وفي دول أخرى يبدو حتى تناول إرهاب ابن تيمية، أو حتى كاريكاتير صغير يتناول تجار الدين جريمة، هناك من يستغلها لتكفيرك وليجعل من نفسهِ بطلاً قومياً، لماذا لا ننظر بعينِ الواقعية وبنظرة شاملة لما قد تؤدي إليه هكذا دعوات قبل حمل السيف للهجوم على مصر؟!
أن تحب نظام الحكم في مصر أو لا، هذا لن يبدل شيئاً في كون نظام الحكم هذا منتخباً من الشعب ويتمتع بشعبية جارفة أنقذَت مصر من براثن الإخوان وإجرامهم، ربما كانت لديهِ خيارات اقتصادية حالهُ كحال الكثير من الدول التي تبنت خيارات ما على جميع الصعد بعضها ينجح وبعضها يتعثر وقد يفشل، لكن هذا لا يعني أن أُصفقَ لفتنةٍ سيدفع ثمنها الطيبون من الشعب المصري تحديداً أن الأزمة الاقتصادية اليوم ليست مصرية ولا إفريقية، نحن نتحدث عن أزمة عالمية دفعت حتى الأوروبيين إلى الشارع، هل يستطيع هؤلاء أن يقارنوا ما خسره الجنيه أمام الدولار بما خسره اليورو أمام الدولار؟! باختصار لا يجوز مقاربة ما أنجزتهُ هذه السلطة فقط من باب الجلد.
الاتجاه الثاني هو اتجاه ليس موجوداً في مصر فحسب، لكنهُ موجود في كلِّ الدول العربية من دون استثناء، هم طبقة المصفقون أو كما نحب أن نسميهم «المطبّلين»، هؤلاء دورَهم القذر في هذه الحياة رؤية كل شيء من باب التجميل على مبدأ الشمس ساطعة والعصافير تزقزق، وربما نكاد نجزم بأن هؤلاء أخطر من الفئة الأولى لأن إتقانهم فنَّ التخدير وممارسةَ أسلوب التخوين لكل من يعارضهم بالفكرة هو إرهاب لا يقل عن إرهاب المتأسلمين، دائماً ما أُعطي كمثال حي أحد الإعلاميين المصريين الذي قال يوماً في برنامج رمضاني بأن حلمهُ كصحفي هو لقاء جمال مبارك، فعلياً أجرى بعدَ فترة لقاء مع نجل الرئيس الراحل وبعدَ انهيار النظام السابق وتولي الإخوان الحكم خرج هذا الإعلامي ليؤكد بأنهُ تعرض لضغوطات لإجراء اللقاء!
إعلامي آخر برتبة «مليونير» يرفع اليوم شعارات التحذير من انهيار مصر ويكيل الاتهامات للفشل الحكومي، كان حتى الأمس القريب مدافعاً شرساً حتى عن الأخطاء الحكومية، هنا تكمن القذارة في الدفاع عن المواقف تحديداً عند أولئكَ الذين يهربون من السفينة عندما يشعرون بأنها تغرق، هل تذكرون كم كان لدينا في سورية من مسؤولين ومصفقين سرقوا ما سرقوه وهم أول من حملَ راية ما يسمونها «إسقاط النظام الفاسد»! ربما رسالتنا اليوم ليست للمصريين فحسب لكن لكل الأنظمة الحاكمة في شرقنا البائس أن المصفقين كانوا إخوان الشياطين فاحذروهم، فعبارة صادقة فيها حقيقة ولو كانت صادمة من غيورٍ على بلده وأمته أفضل ألف مرة من أولئك الذين لا ثوابت لهم.
في الخلاصة، لسنا نحن كسوريين من يمارس قذارةَ التشفي بجريح، فكيف إن كان هذا الجريح مصر، إن كانت مصلحة مصر اليوم هي في الدفاع عن النظام الحاكم، فاحملوا أقلامكم واتبعوني لأن كل عبارة نكتبها لوأد الفتنة قد يكون فيها إنقاذ لروح بريئة، أما كفانا من دماءٍ في هذا الشرق البائس، ببساطة عندما تكون دولة عربية في أزمة إما أن نقول خيراً أو لنصمت كي لا نمارس ما فعله غيرنا بنا عندها نكون وإياه ننهل من ينابيع اللؤم، ولنتذكر هنا قول السعدني ولنسقطهُ على مسار الأحداث في مصر، أُسقطَ المهرج محمود مرسي فجاءَ بعده عبد الفتاح السيسي، ربما فعلياً هناك من ينتظر عودةَ مهرجٍ آخر لكننا لسنا من يفعل ذلك.
مصر العربية في أزمة؟ إذن كلنا مصريون.. نقطة على السطر!
سيرياهوم نيوز 1-الوطن