طفي ظلّ جمود المسار التفاوضي بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي بشأن التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، كُشف، أول أمس، عن مقترح جديد، قدّمه رجل الأعمال الأميركي – الفلسطيني، بشارة بحبح، يتضمّن تعديلات على خطة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. وبحسب ما أفادت به «القناة الـ 12» العبرية، فإنّ المقترح المطروح يتضمّن إطلاق سراح نصف المحتجزين الإسرائيليّين من الأحياء والقتلى في المرحلة الأولى التي يليها وقف لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، تجري عبرها مفاوضات للتوصّل إلى اتّفاق نهائي، على أن يُستكمل الإفراج عن باقي المحتجزين، في حال تمّ التوصّل إلى اتّفاق.
أمّا إذا فشلت المفاوضات، فيُمنح العدو «حرية استئناف القتال» أو تمديد الهدنة مقابل إفراجات إضافية. كما يتضمّن المقترح الجديد الإفراج عن 125 أسيراً فلسطينياً من المحكومين بالمؤبّد، و1111 معتقلاً من أبناء قطاع غزة، إلى جانب تسليم 180 جثماناً، وتقديم «حماس» تقارير طبّية عن جميع الأسرى الأحياء في غضون عشرة أيام.
وفي وقت تتمسّك فيه حركة «حماس» بضمان إنهاء كامل للحرب المتواصلة وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع، قال المحلّل السياسي الإسرائيلي في «القناة الـ12»، يارون أفراهام، أمس، إنّ هناك «إشارة إيجابية» من «حماس» تجاه المقترح الجديد. وأضاف: «أقول ذلك بتحفّظ شديد وبالقدر اللّازم من الحذر، لكنّ مصدرَين تحدثا معنا – أحدهما إسرائيلي والآخر أجنبي – أكّدا على بداية لتحرّك ما، بل وحتى على انفتاح من جانب حماس تجاه المقترح الجديد، بشكل قد يقود إلى تفاهمات».
ورأى المحلّل أنّ «التقدّم مع حماس يأتي نتيجة ضغط قطري كبير يمارَس على قيادة حماس في الخارج، والتطور في القضية الأهم بالنسبة إلى حماس: الالتزام بإنهاء الحرب»، لافتاً إلى أنّ «الصيغة الجديدة تبدو وكأنها قابلة لأن تُفهم بشكل أكثر إيجابي، خصوصاً إذا رافقتْها تصريحات أميركية، أو ضمانات أميركية لفظية – وإن لم تكن مكتوبة – بأنّ واشنطن ستبذل كل ما بوسعها لإنهاء الحرب». وتابع إنّ «كل شيء لا يزال ممكناً، وهذه النظرة المتفائلة قد تتلاشى. نوع من الحراك الذي يبعث على أمل حذِر لدى الأطراف التي تدير المفاوضات».
ترى القاهرة أنّ «تل أبيب» تحاول شراء الوقت عبر تكتيكات الهدن المؤقّتة، بينما تواصل تنفيذ أهدافها الميدانية
أمّا على المقلب المصري، فيؤكّد أحد كبار المسؤولين المشاركين في ملف الوساطة، أنّ القاهرة لا تزال تنظر إلى التهدئة بوصفها «ممرّاً إجبارياً» لاستعادة الاستقرار، لكنها «لا ترى أي جدوى من الاستمرار في جولات تفاوضية شكلية»، مضيفاً أنّ القاهرة «شعرت في الأيام الأخيرة بقلق إضافي بعد تأجيل زيارة ويتكوف إلى المنطقة». ويضيف المسؤول، في حديثه إلى «الأخبار»: «نحن لا نمارس هواية سياسية، لدينا آليات واضحة وأهداف محدّدة: وقف إطلاق النار، وعودة النازحين، وتبادل الرهائن. وكل ما دون ذلك هو مضيعة للوقت، وغطاء لعمليات تطهير غير معلنة». وتابع: «نحن نعلم تماماً أن هناك في إسرائيل من يراهن على الإنهاك، سواء لحماس أو للمجتمع الدولي، ونحن بدورنا نحذّر من العواقب».
وفي السياق نفسه، تقول مصادر مصرية رفيعة المستوى، في حديثها إلى «الأخبار»، إنّ هذا التأجيل يمثّل «تراجعاً واضحاً عن الانخراط المباشر»، في وقت تحتاج فيه الأزمة إلى «تدخّلات سريعة»، لافتة إلى أنّ «الولايات المتحدة وعدتْ مصر القيام بخطوات جادّة في اتّجاه دفع إسرائيل نحو الموافقة على تهدئة، تشمل هدنة طويلة الأمد، وإعادة إعمار القطاع، لكن تلك الوعود لم تتجاوز حتى الآن مرحلة التصريحات». وتضيف إنّ القاهرة تنظر بـ«قلق بالغ» إلى ما تصفه بـ«الانسحاب التدريجي» من قِبل الإدارة الأميركية من ملف الضغط المباشر على إسرائيل، وحكومة بنيامين نتنياهو، نظراً إلى أنّ وعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «لم تُترجم بعد إلى خطوات ملموسة».
وفيما تشير المصادر إلى أنّ هناك «تغيّراً نوعياً» في الموقف الإسرائيلي، تلمّسته القاهرة عبر «توسيع رقعة الإخلاء داخل القطاع، إلى حدٍّ بلغ مرحلة استخدام النزوح الجماعي كسلاح استراتيجي للضغط على حماس، وتفكيك بيئتها الاجتماعية والسياسية»، فهي تُعدّ الأمر «تطوّراً خطيراً من شأنه تقويض أي إمكانية لعودة الاستقرار، أو حتى إطلاق مفاوضات حقيقية». وفي هذا الإطار، حذّرت القاهرة من تجاوز «الخطوط الحمراء في التعاطي مع المدنيّين الفلسطينيّين»، وذلك في اتّصالاتها عبر القنوات الرسمية، مشيرة إلى أنّ «الاستمرار في هذه السياسات قد يؤدّي إلى انفجار إقليمي أوسع، لن يكون من السهل احتواؤه لاحقاً»، وفقاً للمصادر.
ويأتي هذا فيما ترى القاهرة أنّ «تل أبيب تحاول شراء الوقت عبر تكتيكات الهدن المؤقّتة، بينما تواصل تنفيذ أهدافها الميدانية»، معتبرةً أنّ الحكومة الإسرائيلية تدير المفاوضات كـ«غطاء سياسي، وليس باعتبارها مساراً جدّياً للوصول إلى تهدئة دائمة».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار