حسني محلي
إردوغان يخطط ويسعى لنقل الغاز المصري والإسرائيلي، وبالتالي القبرصي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا بعد إقناع القبارصة اليونانيين بذلك، ولا يتجاهل في الوقت نفسه مساعي القاهرة و”تل أبيب” لنقل هذا الغاز والغاز القبرصي بحراً إلى اليونان ومنها إلى إيطاليا.
بعد أن ألغى أو أجّل زيارته إلى تركيا، والتي قيل إنها ستكون في 27 تموز/يوليو الماضي، زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موسكو في اليوم نفسه للمشاركة في القمة الروسية – الأفريقية، وسط اهتمام بالغ حظي به من الرئيس الروسي بوتين، الذي تشهد علاقاته مع الرئيس إردوغان المزيد من الفتور لأسباب عديدة.
ولم يكتف الرئيس السيسي بهذا الموقف، وقد يكون مقصوداً، فعاد إلى القاهرة ليستقبل ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان، العدو التقليدي والتاريخي والديني لتركيا والرئيس إردوغان، الذي يتغنى بأمجاد الإمبراطورية العثمانية، عدو اليونان وأوروبا المسيحية عموماً.
مع التذكير بأن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو كان ينوي هو أيضاً أن يزور اليونان قبل يوم من زيارته إلى أنقرة، وكان مقرراً أن تكون في 28 الشهر الماضي أيضاً. ومع التذكير أيضاً بالعلاقات المتينة بين كل من مصر والكيان الصهيوني، لا بدّ هنا أيضاً من الإشارة إلى اتفاقيات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين “تل أبيب” وكل من قبرص واليونان، كما هي الحال بين القاهرة واليونان وقبرص التي يمثلها القبارصة اليونانيون، وهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ 2004، ويعرقلون أي حوار مباشر مع أنقرة في ما يتعلق بانضمامها إلى الاتحاد.
بالعودة إلى زيارة متسوتاكيس إلى مصر ومباحثاته المهمة مع الرئيس السيسي، الجميع يعرف أن أنقرة لن ترتاح لأي تعاون استراتيجي بين القاهرة وأثينا، وسبق لهما أن وقعتا في 6 آب/أغسطس 2020 اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما، وذلك كرد على الاتفاقية التي وقعت عليها أنقرة مع طرابلس الغرب في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية والقيام بالمزيد من الخطوات العملية على طريق التعاون العسكري.
وأرسلت تركيا بموجب هذه الاتفاقية قواتها إلى ليبيا، ونقلت المرتزقة السوريين إلى هناك، ومن دون أن تبالي برد الفعل المصري المدعوم من الإمارات والسعودية وروسيا التي كانت وما زالت تدعم قوات خليفة حفتر المدعوم من اليونان أيضاً.
ومع التذكير أيضاً بالعلاقات التاريخية المهمة بين القاهرة وكل من اليونان وقبرص بعد الحرب العالمية الثانية إذ وقفت الدولتان إلى جانب القاهرة في قضاياها الوطنية (أرسلت أثينا الخبراء لتشغيل قناة السويس بعد تأميمها) والقومية بما في ذلك فلسطين في حين كانت أنقرة تعترف بالكيان الصهيوني، وتسعى لإقامة علاقات سرية معه لمواجهة التيار القومي العربي الناصري.
كما كانت أنقرة ترى في هذا التيار المدعوم سوفياتياً خطراً عليها وعلى المصالح الغربية بعد أن انضمت تركيا إلى الحلف الأطلسي 1952، وبعدها بثلاث سنوات أسست حلف بغداد.
الرئيس إردوغان الذي يخطط ويسعى لنقل الغاز المصري والإسرائيلي وبالتالي القبرصي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا بعد إقناع القبارصة اليونانيين بذلك، لا يتجاهل في الوقت نفسه مساعي القاهرة و”تل أبيب” لنقل هذا الغاز والغاز القبرصي بحراً إلى اليونان ومنها إلى إيطاليا.
ومن دون أن يهمل إردوغان دور الشركات العالمية الأميركية بمعظمها، بل يسعى لكسبها إلى جانبه في مخططاته هذه، ويريد لها أن تحظى بدعم واشنطن ما دام الهدف منها هو تعويض أوروبا خسائرها بسبب إغلاق أنابيب الغاز الروسية بعد الحرب الأوكرانية.
وبالعودة من جديد إلى الأهمية التي أولتها القاهرة لزيارة ميتسوتاكيس، لا بدّ من التذكير بزيارة وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير إلى أنقرة في اليوم نفسه ليوقع (إشارة إيجابية من السيسي لإردوغان) على العديد من اتفاقيات التعاون المشترك في مجالات عدة بما في ذلك إنشاء منطقة صناعية تركية في مصر.
وسط المعلومات التي تتحدث عن تعليمات الرئيس إردوغان لكل الجهات التركية بالقيام بمزيد من الخطوات العملية على طريق التنسيق والتعاون الاستراتيجي مع القاهرة، وذلك في إطار الانفتاح التركي على السعودية والإمارات، حليفتَي السيسي. وسبق لهما أيضاً أن وقعتا على العديد من اتفاقيات التعاون السياسي والعسكري مع أثينا ونيقوسيا.
في وقت يعرف الجميع أن الرئيس إردوغان ومهما كان حجم الضغوط التي يتعرض لها لا ولن ينسحب من ليبيا، جارة مصر الغربية، كما لن ينسحب من الشطر الشمالي من قبرص حيث يسيطر الجيش التركي على 36% من مساحتها منذ 1974. ومع أن المثل العربي يقول “أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب” فالجميع يعرف أن السيسي لن يكون مع “أخيه” الأسد ضد “ابن عمه” إردوغان، ولكن قد يكون مع “الغريب” ميتسوتاكيس وضد “ابن عمه” إردوغان بعد أن غدر الإخوة بأخيهم خلال سنوات ما يسمى بـ “الربيع العربي” الذي لعب فيه الرئيس إردوغان وما زال دوراً رئيسياً عبر حركات الإسلام السياسي، والتي تنضوي جميعاً تحت مظلة الإخوان المسلمين، وتأسست حركتهم بعد 5 سنوات من قيام الجمهورية العلمانية التي أعلن عنها مصطفى كمال أتاتورك في تشرين الأول/أكتوبر 1923.
ومع استمرار مساعيه للتخلص من إرث هذه الجمهورية العلمانية خدمة لمشاريعه العقائدية التي أقنع بها الناخب التركي، لا يتردد إردوغان في التراجع عن عقيدته هذه خارجياً، بالتخلي عن إخوان مصر إرضاءً للرئيس السيسي، ما دام السيسي لا يبالي باستمرار دعم إردوغان لإخوان سوريا وليبيا والعراق وأي مكان آخر في المنطقة.
وربما لهذا السبب اختارت القاهرة يوم زيارة ميتسوتاكيس إلى مصر لتعلن عن أسماء 16 من قادة الإخوان المسلمين وأدرجتهم في قوائم الإرهاب، مع التذكير بأن بعضاً من هؤلاء كان قد لجأ إلى تركيا بعد انقلاب السيسي على محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.
وتطالب القاهرة بهم كما تطالب بالعديد من الشخصيات الإخوانية المقيمة في إسطنبول، ومعروف عنهم أنشطتهم الإعلامية ضد السيسي، على الرغم من تعليمات السلطات التركية لهم بوضع حد نهائي لهذه الأنشطة.
ويبدو أن القاهرة ما زالت تنتظر المزيد من هذه التعليمات لوضع حد نهائي لنشاط الإخوان في تركيا حتى يتسنى لها أن تعلن رسمياً عن موعد زيارة السيسي إلى تركيا. ويبدو أن قرار القاهرة سيكون بالتنسيق والتعاون التكتيكي والاستراتيجي مع أبو ظبي والرياض بل وموسكو أيضاً، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر.
ويعرف الجميع أن الرئيس بوتين يريد أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد عبر اهتمامه الكبير بالسيسي خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا، ومن ثم إرسال بعض الإشارات الإيجابية إلى الرئيس إردوغان ليكون معه في خندق واحد، وهذه المرة ضد اليونان التي تحالفت مع واشنطن والحلف الأطلسي ضد روسيا، على الرغم من مذهب اليونان الأرثوذكسي كما هي حال القبارصة اليونانيين. ولا يخفون بدورهم قلقهم من الدعم الروسي لإردوغان لمواجهة الضغوط الأميركية والغربية على أنقرة في موضوع قبرص، التي كانت وستبقى من أهم عناصر المساومات الإقليمية والدولية، ما دام أنها تقع في مركز المثلث التركي-المصري -الإسرائيلي وهي قبالة السواحل السورية واللبنانية.
ومن دونها، لن يتسنى لإردوغان أو السيسي بل ونتنياهو وميتسوتاكيس تحقيق أيٍ من أهدافهم، ولكل منهم حساباته الخاصة ويعرف الجميع أنها تتناقض مع حسابات الآخرين الذين لا يبالون بذلك، ما دام لكل منهم دوره في مسرحية إن لم نقل مهزلة التناقضات التي لا يخجل منها أحد. فالشعوب مغلوب على أمرها ولا أحد يستأذنها في أي موضوع كما هي الحال في عداءات إردوغان مع جميع زعماء المنطقة ثم مصالحته لهم ولا فرق بينهم وبين إردوغان.
سيرياهوم نيوز1-الميادين