- سناء إبراهيم
- السبت 29 كانون الثاني 2022
تعيش مدينة حلب، التي مثّلت في ما مضى خِزانة سوريا، حالة من الركود، بفعْل عجز صناعيّيها عن النهوض بمنشآتهم على رغم إرادتهم ذلك. وفيما يُعزى هذا الركود، في جزء منه، إلى تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، باعتبار حلب جزءاً من الكلّ السوري، يرى صناعيو المدينة أن معاناتهم تتحمّل مسؤوليتها الدولة بشكل رئيس، كونها لا تزال تتعامل معهم بمنطق الجباية لا الرعاية، كما يقول بعضهمحلب | عاشت سوريا، لسنوات طويلة، على «سُمعة» مدينة حلب التي تُصنِّع وتنتِج وتُصدِّر. وطوال هذه السنوات، واظب أهالي المدينة على التوجّه إلى مصانعهم ووُرشهم يومياً، متأبّطين القاعدة التي تقول: «لكي تعيش كما يليق بك، فلا بدّ من أن تصنع ثوبك بنفسك». وعلى أساس تلك القاعدة، ازدهرت المدينة حتى أصبحت العاصمة الصناعية للبلاد، والتي تحوي 38 ألف منشأة صناعية متوزّعة على مساحتها، وتُصدّر منتجاتها إلى أكثر من 102 دولة في العالم، من أفخر أنواع الألبسة والمنسوجات والصابون وزيت الزيتون والحبوب والأثاث والأدوية وهياكل السيارات والبرمجيّات. وحتى عام 2011، ظلّت حلب أشبه بخزانة سوريا ومصرفها المالي، محتلّةً المرتبة الأولى بين المحافظات من حيث المساهمة في الاقتصاد السوري، حيث بلغت مساهمتها في الناتج المحلّي الإجمالي ما يعادل ربع إنتاج سوريا (24%)، وفقاً للتقديرات الرسمية.
في تموز 2012، فقدت الدولة السورية سيطرتها على 70% من أحياء حلب الشرقية، فيما أدّت المعارك إلى تهجير أعداد كبيرة من السكان، وتدمير أبنية المدينة وأسواقها القديمة. ونال القطاع الصناعي الحلبي حصّته الكبرى من ذلك، حيث انهارت المعامل، ونُهِبت الورش، وسُرِقت الآلات، وفرّ الصناعيون وقُتل بعضهم. وفي كانون الأول 2016، أُعلن عن استعادة السيطرة على حلب، ليبدأ الحديث سريعاً عن إعادة تشغيل عجلة الإنتاج في المدينة، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر هذه المرّة، إذ إن جزءاً كبيراً من المنشآت لم يستطع العودة إلى العمل، فيما تلك التي استأنفت الإنتاج تواجِه عقبات كثيرة. وبحسب عضو «غرفة صناعة حلب»، محمد صباغ، الذي تحدّث إلى «الأخبار»، فقد «عادت 18 ألف منشأة وورشة للعمل منذ عام 2017، توزّعت على الصناعات النسيجية والكيميائية والغذائية والهندسية، لكن أصحاب الورش والمنشآت الصناعية هذه، ما زالوا يشْكون انقطاع الكهرباء وفقدان الوقود وغياب أسواق التصدير، وعدم تنشيط المعابر الحدودية التي لم تعمل بشكل حقيقي حتى الآن، وخصوصاً معبرَي البوكمال مع العراق، ونصيب مع الأردن».
تعمل حلب اليوم بطاقة إنتاج تقارب الـ30% ممّا كانت تعمل به قبل الحرب
خمس سنوات مرّت على تحرير العاصمة الاقتصادية التي شهدت أكبر نسبة دمار في البلاد، وفقاً لبحث أجراه «معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب» (UNITAR)، لكنّها اليوم تحظى بالحصّة الأقلّ من الدعم الحكومي وعملية إعادة إعمار الأحياء السكنية والبنية التحتية، وفقاً للصناعي الحلبي، عاطف طيفور. ويرى طيفور، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المطلوب اليوم هو تنفيذ توصيات المؤتمر الصناعي الثالث حلب – 2018 ، ومنها تعويض الصناعيين عن معاملهم وآلاتهم التي دُمّرت ونُهبت، وتحفيز الصناعات المُعدّة للتصدير، وتخفيض تكاليف الإنتاج، خاصة سعر الكهرباء، وأجور النقل وارتفاع أسعار المحروقات». والأهمّ من كلّ ذلك، بحسبه، هو «التوصية المتعلّقة بمنع ومحاربة التهريب، حيث تستمرّ معاناة الصناعة المحلية من وجود سلع مهرّبة منافسة في الأسواق». وفي ظلّ تدوير توصيات المؤتمرات الصناعية، ومراوحتها في أروقة الحكومة، لم ينجح صناعيّو حلب في النهاية في تأمين أسواق خارجية لتصدير إنتاجهم، حتى مع الدول الصديقة كالصين وروسيا، كما لم ينجحوا في اختراق الأسواق العربية حتى الآن.
وتعمل حلب اليوم بطاقة إنتاج تقارب الـ30% ممّا كانت تعمل به قبل الحرب، ما يعني أن الصناعة السورية استعادت بعضاً من عافيتها فقط. صحيح أن الصناعي الحلبي قادر على النهوض من جديد، وأنه ليس بحاجة في ذلك إلّا إلى البُنى التحتية والاقتصادية المناسبة، إلّا أن الحكومة، وفقاً لأحد الصناعيين الذي فضّل عدم ذكر اسمه، «ما زالت تتّبع أسلوب الجباية بدلاً من الرعاية، وتتّخذ من العقوبات على سوريا سبباً وحيداً لكلّ ما يعصف بنا، بدءاً من الطوابير على محطّات الوقود، مروراً بفقدان السلع، وصولاً إلى تآكل مستوى الرواتب والأجور». ويضيف أن «العقوبات مؤثّرة طبعاً، لكنها ليست هي المسؤولة عن ما نحن فيه». ويشير إلى أن «الاقتصاد السوري لم يكن مرتبطاً بالاقتصاد الأوروبي أو الأميركي بشكل كامل، حتى يُصاب بالشلل والعطب التامَّين كما هو اليوم»، متابعاً أن «معظم الشركاء التجاريّين الحقيقيين لسوريا، لا يطبّقون عقوبات عليها، والعراق مثلاً كان يستقبل في عام 2010 نصف صادراتنا غير النفطية (48.1 %)، ما يساوي 114 مليار ليرة في ذلك الوقت». كما يُبدي الصناعي دهشته من «إصرار الحكومة على الابتعاد عن القاعدة التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في حلّ الأزمة الاقتصادية، وهي الإنتاج المحلّي، خاصّة إذا ما تَوفّر لهذه القاعدة مَن يرفعها ويطبّقها، ولا سيّما صناعيو حلب الذين نزحوا إلى اللاذقية عقب اندلاع الحرب، فلم يكتفوا بمضاعفة عدد سكان المدينة الساحلية، بل ضاعفوا من حركتها الاقتصادية وحوّلوا المدينة الساحلية من مدينة سياحية، إلى مدينة مليئة بورش الخياطة وتصنيع الأحذية والألبسة». ويختم حديثه قائلاً: «تحن قادرون على العمل والإنتاج والنهوض، لكن على الدولة أن تتركنا نعمل، وأن لا تُعاملنا وفق مبدأ الجباية، من دون الرعاية».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)