| مصعب أيوب
يعبر الإنسان الفنان بريشته وبالألوان عن أحاسيسه بمجموعة مختلجات عقلية ومبادئ من التفكير، وهي لا تخرج عن الواقع أبداً، تبدأ منه وتنتهي فيه، فالفن يستخدم الفلسفة للوصول إلى مناطق الجمال في الواقع فيجمع بين الجميل واللاجميل والتنظيم والعشوائية لتعكس ما يجول في خفايا روحنا.
افتتحت مساء أمس وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح معرضاً فنياً تحت اسم «عيون سورية» في غاليري دمشق وقد احتضن أعمالاً لجيلين من الفنانين وضم 7 لوحات لفنانين من رواد الفن التشكيلي السوري هم (نصير شورى- فاتح المدرس- محمود حماد- نعيم إسماعيل- لؤي كيالي- مروان قصاب باشي- نذير نبعة) و7 لوحات من أعمال الفنانين المعاصرين (سعد يكن- بهرام حاجو- علي مقوص- فؤاد دحدوح- حمود شنتوت- أحمد معلا- نزار صابور) بأحجام تنوعت بين الصغير والمتوسط والكبير، وبتقنية الأكريليك والأتربة الملونة بأسلوب تعبيري مفعم بالحياة عبر اعتماد التضاد بين تفاصيل المشهد والأشخاص في التكوين العام للوحة.
دعوة إلى الفن
أشارت د. لبانة مشوح إلى أن اللوحات المعروضة متميزة بكل ما تعنيه الكلمة لأنها أعمال مهمة وتحمل أسماء فنانين رواد وكبيرة جداً ونحن ننتقل إلى جيل من القدامى وليسوا من الحداثيين الشباب الذين أخذوا على عاتقهم أن ينقلوا الفن التشكيلي نقلة نوعية.
فقد استلهموا من التجريد والتراث ما أمكنهم ليطوروا هذا الفن، وأوضحت أن أهمية هذا المعرض تأتي من ملاحظة تطور الحركة الفنية السورية عند الكبار فهم أصحاب بصمة في المشهد الثقافي العربي ونحن فخورون بهم جميعاً، وأنا أدعو جميع الفنانين إلى سورية التي تحتضن الفن وترعاه وتقدره، متمنية أن تتم إقامة ورشات عمل ويبثوا عطر الفن في كل مكان وتحديداً لطلاب الفن التشكيلي والفنون الجميلة ويطوروا الذائقة الفنية ويسهموا في تطوير الفن التشكيلي السوري المهم.
وختمت أن الوزارة مؤخراً تعمل على إعداد مشروع لإحداث متحف الفن التشكيلي السوري الرقمي وكل المعنيين بهذا الفن مدعوون للمشاركة في إنجاز هذا المشروع المهم.
وبينت أنه من دواعي سرورها الحشد الفني والجماهيري الكبير الذي شهده المعرض وهو ما يدل على أهمية هذا الفن والذائقة الفنية العالية عند المهتمين فيه.
الفن من وإلى الإنسان
في تصريح خاص لـ«الوطن» أوضح الفنان سعد يكن أن المشهد التشكيلي السوري غني ومتنوع وأهمية هذا المعرض تنطلق من فكرته المميزة التي تركز على الإشادة بهذه الإنتاجات الفنية، فهو قدم صوراً واقعية للتشكيل السوري في آخر خمسين عاماً ولذلك هو ضروري والمشاركة فيه مهمة لنا جميعاً، وبين أن المعرض يحمل قيمة فنية وجمالية كبيرة جداً وهو من أكثر المعارض أهمية مؤخراً لأنه واقعي بما يقدمه التشكيل السوري المعاصر، ولاحتضانه القمة الإنسانية والفنية والتشكيلية ومنه نستطيع إيجاد أساليب مختلفة لمواضيع مختلفة بريشة فنانين مختلفين وهو ما يصب في نهاية الأمر في مصلحة دعم الحركة التشكيلية السورية.
وتابع أن المعرض يجمع كوكبة متنوعة من الفنانين بمستوى واحد وقيمة معينة ويقدم وجهات نظر حقيقية، وأشار إلى أن المهم أن يجد كل عمل فني مساحته الخاصة وإضاءته، وأن يتسق مع ما حوله، وتابع قائلاً: أحرصُ على تناول مواضيع إنسانية نعيشها جميعاً وأخصص مساحة في كل مرحلة لموضوع معين بحيث يتناسب مع عنوان التجربة وأبعادها سواء كان ميثولوجيا (أسطورة) أو فكراً أو أدباً أو موسيقا.
محاكاة الواقع
ومن خلال لقاء «الوطن» الفنان سائد سلوم أشار إلى أن الأعمال تميزت بالواقعية، فالعمل الفني يخاطب العقل والتفكير ويرمي إلى خلق الجمال فاللوحات تجعلنا نبحث عن الحقيقة وهذا من اختصاص اللوحة الفنية لأنها تعبير عن متصورات الفنان ونقل مقدرته الفكرية والحسية، ومهمة الفن أن يحاكي الواقع ويحوله ويعيد تركيبه ويخلقه من جديد من خلال الكثير من المتناقضات وأوضح سلوم أن أعمال المعرض حملت الاختلاف الذي طرأ على الواقع الإنساني والاجتماعي.
وبيّن أن الزائر يشاهد الرؤية والطبيعة والحياة من خلال المعروضات وكذلك الوجود وحتى الفن ومراحله وتطورها كان في مناطق مختلفة زمانياً ومكانياً وهو ما تعكسه هذه الأعمال وبالتالي نشهد بأعيننا تطورات هذه الرؤية، وكل عمل فني له رؤية مختلفة ويمكن أن يكون بحثاً أكاديمياً لمدرسة معينة في العمل الفني، كما بين أن القيم الجمالية تطغى على اللوحات وتجعلها في صدارة المشهد لأنها تستعيد التاريخ القديم والتراث وذاكرتنا القديمة وتضعها بين أيدينا في مشهد بصري جديد ومبهر وكأنه في وقتنا المعاصر، فعلى الفنان العريق أن يمزج في أعماله بين الرؤى الفكرية، وبين الثقافة الفنية.
فرصة للمقارنة
الفنان نزار صابور أوضح أن فكرة المعرض مهمة لخلق مقارنة بين تجربة الستينيات المهمة والتجربة الحالية الممتدة من الثمانينيات حتى اليوم، وأشار إلى أنه اختار عملاً قديماً منذ العام1999 والهدف أن يربط بين الجيلين حيث إنه في تلك الفترة ظهر جيل جديد من الشباب ممن أنهوا دراستهم الأكاديمية أو عادوا من الاغتراب وحاولوا الاستفادة مما توافر حولهم ولاسيما أثاث المنزل أو أي قطع أو تحف منزلية لا نفع منها وكان يتم تسخيرها لتكون مرآة تعكس الإحساس المرهف بداخلنا وكان هو واحداً منهم.
وبيّن أن المعرض اليوم جاء للمقارنة بين ما أنتج في الماضي وما أنتج اليوم لترد الأعمال على بعضها في تناغم أحياناً واشتباك وتلاحم في أحيان أخرى لتبحث هذه الطفرة الفنية.
واختتم حديثه قائلاً: الفن يبعث على الأمل، وله دورٌ مهمٌّ خلال الظروف غير الطبيعية معتبراً أنه رغم اليأس الذي ألمّ بالبشرية فإن الفن كالحياة لا تموت.
سيرياهوم نيوز1-الوطن