| محمد قاسم الساس
توقفت صحف ومجلات عربية كبرى عن الصدور مؤخراً، بعد أن فقدت قدرتها المالية، ونتيجة ضغوط الأعباء والالتزامات عليها، مثل صحيفة السفير والمستقبل والاتحاد اللبنانية، والحياة اللندنية، والوطن الكويتية، وغيرها من الصحف والمجلات العربية ودور النشر.
فالتقنيات الحديثة، وانتشار الإنترنت وسرعته، ونمط الحياة السريع الذي نعيشه، جعل الجمهور يبحث عن الأخبار المختصرة والسريعة، ما أدى إلى ازدهار النشر الإلكتروني، وتحول المعلنين إليه، لانخفاض قيمة إعلاناته مقارنة بتكلفة الإعلان في النسخ المطبوعة.
وبين الجيل القديم الذي لا يزال يتمسك بقراءة الصحيفة الورقية، وجيل الشباب (جيل السمارت فون)، صراع قد تكون الصحيفة الورقية ضحيته، فهل نحن أمام حتمية انتهاء جيل الصحافة الورقية وقرائها، للولوج أمام حقبة جديدة ترفع راية التكنولوجيا عالياً؟
نجد أن التنافس شديد وقاسٍ بين الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، وذلك لعدة أسباب أولها ارتفاع سعر الورق وكلفة المطابع وتراجع الإعلانات، عوامل ساهمت بأضعاف «الورقي» في السنوات الأخيرة. كما أن نحو 60 بالمئة من السكان هم من فئة الشباب إجمالاً، وهي الفئة التي نشأت في عصر الأجهزة الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا تتعامل مع الجريدة بطريقة وجدانية، تتعلق على سبيل المثال بالاعتياد على قراءة الصحف اليومية وملمس الورق ورائحة الحبر وما إلى ذلك، بل إنها تسير وفق إيقاع العصر السريع، حيث مصدر أخبارها هو هاتفها النقال أولاً.
المعادلة بالإجمال غير متكافئة اليوم، في وقت يسبق فيه الموقع الإلكتروني الصحيفة في نشر الخبر، وباتت منصات التواصل الاجتماعي منبراً لتداول الأخبار حتى قبل أن تصل إلى الصحف.
علينا أن نعترف بأن الصحافة الورقية لم تعد تقدم ما يغري القارئ في ظل الهجمة الالكترونية، فوسائلها في جذبه ما زالت كما هي رغم تطور آليات العيش والتكنولوجيا، ولاسيما تلك التي يستلم مسؤوليتها صحافيون تقليديون أو كلاسيكيون من الصعب تغيير نظرتهم إلى المهنة كما ألفوها منذ ثلاثين أو أربعين عاماً.
لا نعلم إذا كان بالإمكان إيجاد أساليب استقطابية لدى أصحاب بعض الصحف لاستعادة القارئ، فالأمر صعب للغاية، ولاسيما أن دور الصحيفة بات مقتصراً على تحليل الخبر، وسرد خلفياته، لا في نشره متأخراً فحسب، فلم يعد الخبر طازجاً في الصحيفة.
الصحافة الإلكترونية هي صحافة إعلانية إخبارية، لا تعتمد على النقد الفني بقدر اعتمادها على النسخ لتحركات الشخصيات العامة وتسويق أعمالهم. لذلك تبقى الصحافة المكتوبة لها قيمتها المعنوية، مقابل خسارتها للقيمة الورقية، وهذه حقيقة ملموسة.
وعن إمكانية إيقاف الطبعات الورقية لاحقاً، والاكتفاء بالمواقع الالكترونية لها، بالتأكيد سوف تتوقف الطبعات الورقية التي لم تؤهل نفسها للمواقع الإلكترونية، على أن تكمل الواحدة الأخرى، المواقع الإلكترونية هي السائدة اليوم، ولم يبق من الصحافة الورقية إلا القلة كقيمة إعلامية.
خسارة القارئ تكمن في الرأي الصحيح والنقدي للصحافة المكتوبة، مقابل صحافيين يتقنون فن النسخ. حيث لم يعد استقصاء الخبر هدف الإعلام الإلكتروني على عكس ما اعتادته الصحافة المكتوبة، والتي في معظمها صحافة غير أكاديمية، إضافة إلى أن معظم المواقع الإخبارية اعتادت على سياسة النسخ واللصق لا سياسة خلق الأفكار.
إن تطور العصر وتحولاته هما السبب المباشر لتراجع قوة الصحف الورقية، علماً أنه ومع مرور الوقت ستلحظ المواقع الإلكترونية ما لحظته الصحف الورقية، بسبب سيطرة منصات التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا)، التي ستعمل على إزالة المواقع الإلكترونية، كما زالت المواقع الإلكترونية المطبوعات الورقية.
لقد تحولت بعض المواقع الإلكترونية إلى مجرد ناقل لأخبار تنشرها منصات التواصل الاجتماعي، من دون التأكد من مدى صحتها، كما أنها تنقل «تغريدات» على «تويتر» وأخباراً وصوراً من خلال «فايسبوك»، و«انستغرام»، بحيث لم يعد هناك من صانع للخبر إلا بنسبة محدودة. «مهنة المتاعب» هذه كما يصفونها، باتت قائمة على الاستسهال والنسخ. وهذا يؤسفنا، نحن من اختبرنا صناعة الخبر، والقيام بالصحافة الاستقصائية ميدانياً، والحصول على السبق بمصداقية، فاذا بكل ذلك يصبح ترفاً في المهنة اليوم.
ربما تحتاج الصحافة الإلكترونية اليوم إلى وجود ضوابط وقواعد، للحفاظ على ألق المهنة بشكلها المعاصر. ولعل حب المهنة والعمل بأصولها والارتكاز على الخبرة والجهد الخاص، كلها عوامل تساعد على بلوغ الأهداف المرجوة. من خلال تطبيق بعض ما تعلمناه من عملنا في الصحافة الورقية اليومي على مدى سنوات طويلة. علماً أن الطريق ليس سهلاً ويحتاج إلى نفَس طويل، في ظل وجود مواقع تعتمد على أخبار مثيرة أو فضائحية، وتتمسك بكل ما يزيد من عدد قرائها، ولو من باب الابتذال أو التلصص على خصوصيات الغير، وخاصةً أن القارئ بات قادراً على التمييز بين الغث والسمين.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن