آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » معركة لبنان طويلة وبها يرتبط مصير المنطقة والعالم!

معركة لبنان طويلة وبها يرتبط مصير المنطقة والعالم!

 

 

وجّه نتنياهو في الأسابيع الماضية ضربات قاسية للمقاومة، إلا أن أداء المجاهدين في الميدان يثبت بأن حزب الله لا يزال قوة يحسب لها ألف حساب، ويثبت أن معركة نتنياهو في لبنان ستكون طويلة.

 

 

ليلة السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت محدثة انفجارات تردّدت أصداؤها لعشرات الكيلومترات. وما لبثت وسائل الإعلام الصهيونية أن أعلنت نقلاً عن مصادر عسكرية صهيونية أنّ هدف الغارة كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وفي اليوم التالي تمّ الإعلان من قبل حزب الله عن استشهاد السيد نصر الله في صدمة كبيرة لمناصري المقاومة ولمحبّيه، وفي العالمين العربيّ والإسلاميّ.

 

الفشل في تدمير حزب الله

ولقد ثار لغط كبير حول الظروف التي رافقت الاغتيال، وعن اختراق محتمل وخيانة وما إلى ذلك، وصولاً إلى الحديث عن صفقة تمّت بين إيران والولايات المتحدة لحلّ خلافاتهما، خصوصاً حول الملف النووي الإيراني، كان من بنودها تخلّي إيران عن حلفائها في المنطقة العربية. وبعد الاغتيال مباشرة خرجت أصوات “منتشية” بالـ “إنجاز” الإسرائيلي، معتبرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد استطاع حسم المعركة ضد محور المقاومة عبر توجيهه ضربة قاسية لبنية حزب الله التنظيمية، بدأت بتفجيرات أجهزة تلقّي الرسائل “بيجرز”، تلاها تفجير أجهزة اللاسلكي المحمولة “ووكي توكي”، وبعد ذلك اغتيال عدد من كبار القادة العسكريين في المقاومة، وصولاً إلى اغتيال السيد نصر الله. وقد توقّع المنتشون أن يستسلم حزب الله في لبنان تاركاً المقاومة الفلسطينية تختنق في غزة والضفة الغربية، خصوصاً أنّ المقاومة في لبنان تشكّل الرئة التي تتنفّس منها المقاومة الفلسطينية.

 

لكنّ أداء مجاهدي حزب الله في مواجهة محاولات التوغّل البريّ الإسرائيلية التي بدأت ليلة الاثنين – الثلاثاء، وقدرتهم على الصمود وإيقاع خسائر كبيرة جداً في صفوف جنود العدو الغازي أثبتت أنّ الضربات التي تلقّاها الحزب على يد الصهاينة لم تؤثّر على أدائه الميداني، ما أدّى إلى استنتاج مفاده أنّ المعركة التي سيخوضها العدو في لبنان ستكون طويلة. وما عزّز هذا الاعتقاد هو توجيه إيران ضربة صاروخية إلى القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية في الكيان الصهيوني نجحت فيها مئات الصواريخ الإيرانية بإصابة أهدافها بدقة بعد نجاحها بتجاوز منظومات القبة الحديدية والدفاع الجوي الصهيوني. وقد ساهمت هذه الضربة بنفي كلّ المزاعم بأنّ إيران تخلّت عن حليفها حزب الله وغيره من حلفائها في المنطقة.

 

هذا يدفعنا إلى مراجعة ما يجري من صراع في فلسطين ولبنان في ضوء الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع، حتى نتمكّن من التوصّل إلى تقدير لمسار هذا الصراع في المستقبل ونتائجه المرتقبة.

 

ظروف اندلاع عملية طوفان الأقصى

من هنا فإنه يجب علينا العودة إلى عام مضى حين اندلعت عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والظروف التي رافقتها. ويجب أن ننطلق من البعد الدولي حتى نفهم أكثر ما جرى.

 

لقد سبق اندلاع عملية طوفان الأقصى إطلاق روسيا لعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وذلك رداً على محاولات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” إدخال أوكرانيا في الحلف وتحويلها إلى قاعدة للضرب في العمق الروسي، وزعزعة الاستقرار في روسيا تمهيداً لتقسيمها ونهب خيراتها. ولقد شكّل هذا جزءاً من الاستراتيجية الأميركية أيضاً لتطويق الصين من الجهات كافة في إطار جهودها لمنع تحوّلها إلى قوة عظمى تواجه مخططات الهيمنة الأميركية العالمية.

 

والجدير ذكره أنّ عمليات تطويق القوى الأوراسية المتمثّلة بروسيا بالدرجة الأولى والصين بالدرجة الثانية كانت قد بدأت مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، والتي تمثّلت بتوسيع عضوية حلف شمال الأطلسي لتشمل تدريجياً دول أوروبا الوسطى وشرق أوروبا للاقتراب من العمق الروسي حول موسكو. كما ترافقت مع محاولات محاصرة الصين من الشرق وضرب أمن موسكو وبكين القومي عبر زعزعة دول آسيا الوسطى.

 

هذا ما دفع بكين وموسكو للتقارب في ما بينهما ودفن صراعات الستينيات والسبعينيات والتواصل مع دول في آسيا الوسطى لتشكيل مجموعة شنغهاي 5 في العام 1996، لتتحوّل إلى مجموعة شنغهاي للتعاون في حزيران/يونيو 2001 بعد انضمام كازخستان إلى المجموعة التي كان هدفها منع تمدّد نفوذ الولايات المتحدة إلى العمق الأوراسي.

 

وفي العام 2009 تشكّلت مجموعة البريكس من قوى غير غربية تضمّ كلّاً من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل لتعزيز التوجّه نحو إقامة منصات لعلاقات دولية خارج إطار الهيمنة الأميركية الغربية. ومع حلول خريف العام 2024 فإن دول البريكس التي توسّعت عضويتها لتضمّ إليها كلّاً من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة باتت تتحضّر لإطلاق عملة موحّدة لتكون بديلاً عن الدولار في التعاملات التجارية البينية، وكسر الهيمنة المالية الأميركية التي شكّلت أهمّ أداة للهيمنة الأميركية العالمية.

 

 

 

وحتى تعزّز الصين وروسيا من مساعيهما لتجاوز محاولات واشنطن لحصارهما فلقد أطلقت كلّ منهما مبادرة للربط البري في قلب أوراسيا، فكانت مبادرة حزام وطريق الصينية التي انطلقت في العام 2013، والتي تلتها مبادرة طريق شمال جنوب التي تنطلق من موسكو إلى أذربيجان وإيران لتصل روسيا بالمحيط الهندي.

 

واشنطن تخشى اندثار هيمنتها

بالنسبة للولايات المتحدة فلقد كان هذا يؤذن بنهاية الهيمنة الأميركية بصفتها امتداداً للهيمنة الغربية على العالم والتي امتدت لثلاثة قرون متواصلة، منذ النصف الأول من القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا.

 

ومن منطلق المصالح الاقتصادية ولكن الأهم منها المصالح الجيوسياسية المستندة إلى فرضيّات بالتفوّق العرقي الأوروبي والحضاري، فلقد كان هذا الأمر يمثّل كارثة كبرى ترقى إلى كارثة انهيار الإمبرطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي وما تلاها من عصور ظلام امتدت لألف عام، وفق ما يؤمن به المفكّرون الأوروبيون الغربيون وعلى رأسهم المفكرون الأميركيون.

 

هذا يفسّر الشراسة التي يتبعها الأميركيون في مواجهة خصومهم الأوراسيين والتي وصلت إلى درجات تصعيد غير مسبوقة مع انتخاب الرئيس جو بايدن في واشنطن في العام 2020. فالولايات المتحدة ترى أنها تدافع “عن شعلة الحضارة في مواجهة البربرية الآسيوية”.

 

وكجزء من محاولاتها لتطويق القوى الأوراسية ومنعها من الوصول إلى الشرق المتوسط فإنّ الولايات المتحدة سعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى فرض هيمنتها المطلقة على المنطقة ليس فقط للسيطرة على منابع النفط فيها، بل أيضاً لتحويلها إلى منطلق لضرب روسيا من الجنوب والصين من الغرب. هذا يفسّر سعي واشنطن لاحتواء إيران وضرب نظام الجمهورية الإسلامية فيها وفرض هيمنة “إسرائيل” كقطب أوحد في المنطقة ووكيل حصري للنفوذ الأميركي فيها.

 

مشروع الهيمنة في الشرق الأوسط

ومع حلول العام 2023 ومع فشل كلّ محاولات واشنطن لفرض الهيمنة المطلقة في المنطقة في ظلّ وقوف إيران وحلفائها في محور المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية، كان على الولايات المتحدة أن تتحرّك لحسم الوضع في الشرق الأوسط لصالحها.

 

لذلك فهي استغلت قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في نيودلهي في صيف العام 2023 لتعلن عن إقامة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي للوصل بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وتعطيل مبادرة حزام وطريق الصينية وشمال جنوب الروسية، وترسيخ نظام إقليمي شرق أوسطي تؤدي “إسرائيل” دوراً محورياً فيه بصفتها صلة الوصل بين الهند وأوروبا، وتهميش القوى العربية والإسلامية التي كان لها دور رياديّ مستقل في المنطقة، مثل مصر وتركيا وسوريا والعراق وإيران.

 

وحتى تكون “إسرائيل” عمود الأساس في هذا النظام الإقليمي الذي يجب أن يكون تابعاً للولايات المتحدة، فلقد كان لزاماً عليها ألّا تتقاسم فلسطين التاريخية مع دولة فلسطينية تقام في الضفة الغربية وغزة، ويجب ألّا تتقاسم هوية فلسطين التاريخية مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، ويجب ألّا تكون مهدّدة من فصائل مقاوِمة في الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان.

 

هذا ما جعل “إسرائيل” تخطّط لتوجيه ضربة للمقاومة في غزة تؤدي إلى تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، ثم توجيه ضربة للمقاومة في الضفة الغربية وتهجير الشعب الفلسطيني من هناك إلى الأردن، والانتهاء بتوجيه ضربة للمقاومة في لبنان وقلب المعادلات السياسية فيه لوضعه كلياً تحت الهيمنة الأميركية، ومن بعدها ضرب سوريا وتقسيمها إلى كيانات طائفية بالتوازي مع تقسيم العراق ومحاصرة إيران وضربها.

 

لكن عملية طوفان الأقصى في صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أجهضت المخطط الإسرائيلي، فاندفع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لترميم مخططه الذي تضعضع، عبر شنّ حرب إبادة ضدّ غزة بدعم أميركي، لأنّ واشنطن اعتبرت أنّ ما قامت به المقاومة الفلسطينية وجّه ضربة كبيرة لمشروع الهيمنة الأميركي في المنطقة. ولأن نتنياهو، وبعد عام كامل من الحرب على غزة لم يستطع تحقيق نصر كامل على المقاومة الفلسطينية، فإنه فكّر بتوجيه ضربة إلى المقاومة في لبنان في مسعى لتحييدها، وخنق المقاومة الفلسطينية، وضرب أهم حليف لإيران في المنطقة العربية والذي يشكّل حلقة وصل رئيسية بين طهران وحلفائها في محور المقاومة في العراق وسوريا وفلسطين واليمن.

 

وفي ذهن نتنياهو أنّ نجاحه في القضاء على حزب الله يشكّل مقدّمة لعزل إيران وتوجيه ضربة لها في العمق ما يخدم هدفه بالهيمنة الصهيونية على المنطقة العربية. وكان من شأن هذا أيضاً أن يمكّن واشنطن من جعل الشرق الأوسط قاعدة لضرب روسيا من الجنوب في الوقت الذي تهاجم فيه الولايات المتحدة موسكو عبر أوكرانيا.

 

خلاصة

لقد وجّه نتنياهو في الأسابيع الماضية ضربات قاسية للمقاومة، إلا أن أداء المجاهدين في الميدان يثبت بأن حزب الله لا يزال قوة يحسب لها ألف حساب، ويثبت أن معركة نتنياهو في لبنان ستكون طويلة.

 

كذلك فإن الرد الإيراني يثبت أن إيران مستعدة لمواجهة المشروع الأميركي الصهيوني وهي تلقى دعم موسكو في هذا الإطار، علماً أن رئيس الوزراء الروسي كان قد زار طهران قبل يوم واحد من هجوم حرس الثورة ضد “إسرائيل”.

 

كلّ هذا يؤذن بأن المعركة ستكون طويلة لأن أبعادها الإقليمية ترتبط بمنع الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط، ومنع الولايات المتحدة من تطويق القوى الأوراسية، وعلى رأسها روسيا والصين، ليس فقط لفرض نظام أحادي القطبية بل أيضاً لدحر الغرب وإنهاء هيمنته العالمية التي استمرّت لمدة ثلاثة قرون.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المقاومة تضرب وتُوجع في الجولان: لا حياد عراقياً بمواجهة العدوّ

    بغداد | أطبقت «المقاومة الإسلامية في العراق» على العدوّ الإسرائيلي، بإطلاق مسيّرتين على الجولان السوري المحتل، محقّقة إصابة مباشرة في قوة للعدوّ، الذي ...