كان ذلك في النصف الأخير من شهر كانون الأول/ديسمبر 1990، وكنت في تونس في إطار جولة في دول المغرب العربي تحضيراً لانعقاد المؤتمر القومي العربي الثاني في عمان/الأردن، (المؤتمر الأول كان في تونس في ربيع 1990)، عندما دعاني إلى العشاء القائد الفلسطيني الشهيد والصديق الغالي هايل عبد الحميد (أبو الهول) عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، حيث التقيت في منزله بالشهيدين صلاح خلف (أبو أياد) ومحمد العمري..
طبعاً كان الحديث يومها حول الحشود العسكرية في الجزيرة العربية لغزو العراق بذريعة “تحرير الكويت”، ولا أنسى كلاماً قاله يومها الشهيد أبو أياد معلقاً على تلك التطورات،
“انت تعلم معارضتي لغزو العراق للكويت، وذلك أولاّ من منطلق مبدئي يرفض احتلال أي بلد عربي لبلد عربي آخر.. وثانياً لقناعتي أن ما جرى كان فخاً منصوباً للعراق يراد من خلاله تدمير هذا البلد العربي الذي يشكّل أحد أبرز ركائز الأمن القومي العربي وأحد قلاع العمل القومي العربي، خصوصاً أن تدمير العراق يراد منه أيضاً تصفية القضية القلسطينية برمتها وإدخال الوطن العربي برمته في صراع عربي – عربي لن يستفيد منه إلاّ أعداء العرب.
وأردف الشهيد أبو أياد – رحمه الله – قائلاً” هذه الحرب على العراق سنعرف متى تبدأ ولكننا لن نعرف متى تنتهي، وهي لا تستهدف العراق وحده بل تستهدف الوطن العربي بأسره ومعه دول الإقليم كله..
وأذكر يومها أن الشهيد أبا الهول – رحمه الله – علق على خطورة الأوضاع قائلاً، وهو المعروف بعلاقته الوثيقة بالرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر حين كان ممثلاّ لحركة (فتح) في القاهرة أواخر الستينيات من القرن الماضي، فقال، “لو كان عبد الناصر موجوداً لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من الخطورة، وهو الذي وقف قبل سنوات بوجه الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم الذي هدّد باحتلال الكويت..”
بعد ثلاثة أسابيع على هذا اللقاء الهام جرى اغتيال القادة الثلاث: أبو أياد، وأبو الهول، ومحمد العمري، بطريقة شبيهة باغتيال القادة الثلاثة (كمال ناصر، كمال عدوان، أبو يوسف النجار وزوجته) في محلة فردان في بيروت في 10 نيسان/أبريل 1973..
وقد جاء هذا الاغتيال في تونس عشية انطلاق حرب الخليج الثانية على العراق فيما رأى كثيرون أن اغتيال القادة الثلاث كان المشاركة الإسرائيلية في تلك الحرب التي منع الكيان الصهيوني من المشاركة “العلنية” فيها، وقد اختير لتلك الحرب، كما لاغتيال القادة الثلاث موعداً عزيزاً على كل قلب عربي، وكل أحرار العالم، وهو عيد ميلاد القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر (15/1/1918).
منذ ذلك اللقاء، وأنا استعيد كلام أبي أياد حول الحرب على العراق التي نعرف متى تبدأ ولا نعرف متى تنتهي، وأذكر أنه مثلما كانت حرب تدمير العراق إيذاناً ببدء النظام العالمي الجديد بقيادة واشنطن، فأن الحرب على العراق واحتلاله والمقاومة البطولية التي أبداها أحراره وفرسانه بعد عام 2003، كان إيذاناً ببدء أفول ذلك النظام العالمي الجديد..
واليوم وبعد 32 عاماً على بدء تلك الحرب على العراق، وما تلاها من حروب ومجازر ومآسي، وما تخللها من أخطاء وخطايا وقع بها كثيرون، لا بد مراجعة جريئة وموضوعية يقوم بها كل المعنيين بالشأن العراقي، من داخله وخارجه، لتلك الأخطاء والخطايا، فنعّتز بما أنجزّته المقاومة العراقية من ضربات ضد الاحتلال الأمريكي، ونتخلص من تداعيات الأخطاء والخطايا التي ارتكبها الجميع عشية تلك الحرب وفي التطورات التي تلتها، لكي نغلق كل الثغرات القائمة في جدار التماسك العراقي والعربي والإقليمي، ونعيد للعراق ألقه، وللأمّة فاعليتها، ولفلسطين حريتها، ولسورية وليبيا واليمن استقرارهم وازدهارهم والطبع وحدتهم
المراجعة.. المراجعة.. المراجعة.. هي ما نحتاج إليها من الجميع اليوم دون مكابرة ودون تشبث بالمواقف..
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم