آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » مفاجأة نواب الحاكم: أعطونا الغطاء الكامل أو عيّنوا البديل

مفاجأة نواب الحاكم: أعطونا الغطاء الكامل أو عيّنوا البديل

محمد وهبة

 

أطلق النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان إنذاراً مبكراً قبل 25 يوماً من انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، داعين إلى تعيين بديل، وملوحين بخطوات تبدو الاستقالة الأكثر احتمالاً بينها.

 

وعلّل أحد نواب الحاكم لـ«الأخبار» البيان بأنه «لا يمكن المضي في مجلس مركزي سيحلّ أحد أعضائه محل الحاكم بسبب شغور المنصب، من دون اتفاق القوى السياسية على خطّة تُترجم بقوانين في مجلس النواب، وعلى أساسها تُرسم السياسة النقدية». وقال نائب آخر «إن الوضع صعب ومعقد، وفصل السياسة النقدية عن الصراعات السياسية يتطلب وجود تغطية شاملة للفريق الذي يريد القيام بمهمة الحاكم، وهذا يعني إقراراً سريعاً لقوانين تسمح بالعمل خارج السجالات السياسية القائمة».

ad

 

عملياً، هذا ما يبرر بيان نواب الحاكم الأربعة، ومطلبهم بتعيين حاكم جديد، وتجاوز المادة 25 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أنه في حالة شغور منصب الحاكم يحلّ محلّه النائب الأول (وسيم منصوري)، وقد عبر الأربعة عن رغبتهم في ايجاد صيغة جديدة من التعامل مع الأزمة تتخذ على أساسها قرارات، وهي أيضاً تُترجم قلقهم من أن الآتي أعظم، وهم يرفضون تحميلهم مسؤولية سياسات رسمها ونفّذها سلامة بلا موافقتهم.

خيار «المصلحة العامة» الوارد في البيان هو الاستقالة الجماعية، وهو أشبه برد فعل على عجز قوى السلطة عن مقاربة علاجية للأزمة. لكنه خيار يهدف بالدرجة الأولى إلى تبرؤ النواب الأربعة من أي مسؤولية تجاه أي تطوّرات وتعقيدات وضغوط ستحصل لاحقاً، ولا سيما في حالة حلول منصوري محلّ سلامة، واستمر النواب الثلاثة الآخرون (سليم شاهين، بشير يقظان، ألكسندر موراديان) في مناصبهم. فما سيُطلب منهم، لجهة إنفاق ما تبقى من الدولارات، والسير بالتعاميم التي أصدرها سلامة، والتعامل مع منصة صيرفة كأمر واقع، إضافة إلى تمويل الدولة عبر طبع العملة، سيضعهم جميعاً في مواقف حرجة وتصادم مباشر مع القوى السياسية، ولا سيما أن مرجعيات سياسية كانت خلف تعيينهم في مناصبهم. ويتوقع أن تمارس هذه المرجعيات الضغط عليهم لاستصدار قرارات مرفوضة مسبقاً منهم. وهم يدركون أن الآليات الاصطناعية لضبط سعر الصرف لن تصمد طويلاً، ويعرفون كم تدنى حجم احتياط المصرف المركزي من السيولة بالدولار، وبينما يتحدث سلامة عن رقم يقارب 9.3 مليار دولار، يتردد أن الرقم الفعلي أقل، ويوازي 7 مليارات مودعة لدى مصارف خارجية إضافة إلى سندات قابلة للتسييل بقيمة ملياري دولار. كما يدركون أن عجز الخزينة كبير جداً، ومصادر التمويل تقتصر على طباعة الليرات. وهذا سبب إضافي لرفض تحمّل أي مسؤولية نيابة عن سلامة.

ad

 

كما بدا واضحاً أن نواب الحاكم ليسوا في وضع التعايش مع الأزمة كما هي حالها اليوم، سيما أن القوى السياسية تماطل في كل ما يتعلق باستمرارية الحكم. وقد ورد القلق من هذا الأمر في متن بيانهم الذي «أُعدّ بتأنٍّ»، إذ أشار إلى «تباينات سياسية تجلّت في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات الدولة ومؤسّساتها، وانعكاسها على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية»، كما لفتوا إلى أن هذا العجز يتزامن مع «مقاربات متناقضة للقوى السياسية تجاه معالجة الأزمة»، وأنه «في غياب خطّة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي، وتحقيق توازن في موازنة الدولة ما يسمح للمصرف المركزي وضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة، لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة». لذا، يطالبون بضرورة «تعيين حاكم في أقرب وقت، وإلا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة».

 

ad

صارحوا المسؤولين بأن الإدارة الحالية للأزمة لم تعد صالحة وهدّدوا بالاستقالة

 

كان النواب الأربعة قد أبلغوا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في اجتماعات مختلفة، نيتهم الاستقالة في حالة عدم تعيين حاكم بديل. وقال أحدهم إنه في الاجتماع الأخير مع ميقاتي، لم يقدّم رئيس الحكومة أي ضمانات مقابل استمرارهم في مناصبهم كما روّجت مصادره. بل توجد رواية يتناقلها مصرفيون، ومفادها أن ميقاتي سألهم عن ضمان سعر الصرف إذا وافق على مطالبهم بشأن ضبط «صيرفة»، فأتت إجاباتهم بالنفي، ليردّ ميقاتي بأن بقاء «صيرفة» ضروري.

لكن النواب الأربعة يعتقدون أن ما هو مطلوب كضمانة لبقائهم، يتجاوز ذلك. إذ إنه لا يكفي أن تكون الحكومة قد ناقشت الاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي. فهذا الاتفاق يتطلب ترجمته من خلال إصدار قوانين في مجلس النواب ومراسيم تنفيذية، وهو أمر لم يتم بعد رغم مرور فترة كافية. ومضمون الاتفاق نفسه، يتضمن شروطاً مسبقة توجب على القوى السياسية اتخاذ مجموعة من القرارات الموجبة على مجلسي الوزراء والنواب، كشروط مسبقة لتوقيعه من قبل مجلس المديرين في الصندوق، إلا أن أياً من هذه الشروط لم يتحقق منذ منتصف أيار 2022 حين وقع الاتفاق. وقبل كل ذلك، يعتقد أحد نواب الحاكم، أن المسألة يجب أن تبدأ بإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف، أي إعادة هيكلة القطاع المالي بكامله.

ad

 

 

سيناريوهات

بناء على بيان النواب الأربعة، تُطرح أسئلة حول سيناريوهات ما بعد الخطوة. وسط تضارب في المعلومات حول وجود اتفاق تام بين الأربعة على خيار الاستقالة. لكن المشكلة قد تنفجر بمجرد استقالة النائب الأول لتعطيل كل القرارات على المستوى التقريري والتنفيذي في مصرف لبنان. والغموض الذي ورد، مقصوداً، في البيان بحرفيته «المصلحة العامة»، يترك هامشاً واسعاً لواحد من بينهم أو أكثر ألا يستقيل. فالقوى السياسية التي عيّنت هؤلاء لا مصلحة لها في انهيار سعر الصرف الآن، وترى خطراً كبيراً في تعطيل كامل قيادة مصرف لبنان.

وفي حالة شغور منصب الحاكم، سيتعطّل المجلس المركزي، وسيؤثّر ذلك جوهرياً في كل ما يتعلق بسعر الصرف، وبعمل «صيرفة» ويؤدي إلى انفلات المضاربات؛ فالحاكم لديه صلاحيات لا حصر لها في قانون النقد والتسليف، لكن هناك قرارات مهمّة منوطة أيضاً بالمجلس المركزي؛ إذ تنصّ المادة 33 من قانون النقد والتسليف على أن المجلس يحدّد سياسة المصرف النقدية والتسليفية، ويضع أنظمة تطبيق قانون النقد والتسليف، ويتذاكر في طلبات القروض المقدمة في القطاع العام، ويضع سائر الأنظمة المتعلقة بعمليات المصرف، ويقرّر موازنة نفقات المصرف، ويوافق على مشروع التقرير السنوي الذي يتضمن الأرباح والخسائر. لذا، لا يمكن تخيّل مصرف مركزي بلا حاكم وبلا مجلس مركزي.

ad

 

وبين مرحلة ما قبل الشغور، ومرحلة ما بعده، يكون اللبنانيون أمام مرحلة الاستغلال السياسي المحلي والخارجي، والسؤال عندها يصبح: لمصلحة من ستميل كفّة تداعيات البيان في فترة ما قبل الشغور؟ هل ستتفق القوى السياسية على تعيين حاكم لمصرف لبنان، أم ستبقى عاجزة، كما هي حالها الآن، في انتظار ترتيب خارجي؟ وهل ستحاول القوى المحلية استغلال البيان لممارسة ضغوط بشأن دعوة الحكومة إلى جلسة لمناقشة التعيينات الشاغرة خلافاً للحصر الوارد في تصريف الأعمال؟ وماذا عن المرشحين لتولي منصب الحاكم في حالة التوافق على التعيين، إذ لم تصل المشاورات المستمرة داخل الكتل الطائفية إلى مرحلة إيجاد حلول للأزمة.

يشار إلى أن التمديد لسلامة، وإن كان رائجاً لدى بعض الأوساط الرسمية وحتى المصرفية، إلا أنه مرفوض ويكاد يكون من المستحيل اللجوء إليه، علماً أن سلامة نفسه، الذي يكرر أنه لا يريد البقاء دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته، «لا يبدو رافضاً بالمطلق للأمر»، وهو «ميّز بين رفضه لعب دور مستشار لدى رئيس الحكومة ووزير المال ونواب الحاكم، وبين إمكانية التمديد له، كونه يرى في الخطوة فائدة لمواجهة الحملات القضائية والسياسية ضده، وكله من زاوية القول إنه الرجل الذي لا يمكن الاستغناء عنه».

ad

 

 

بارود: حدود القانون في التعامل مع الشغور

مشكلة الفراغ المحتمل في قيادة مصرف لبنان، بعد بيان نواب الحاكم الأربعة، طرحت إشكاليات قانونية حول الملف برمته، وكيفية تعامل السلطات القائمة مع الأزمة. وبحسب الوزير السابق المحامي زياد بارود، هناك قراءة لحالتي التعيين والشغور الكاملَين. بالنسبة لتعيين حاكم بديل يقول بارود إنه «بحسب نص المادة 18 من قانون النقد والتسليف، يعيّن الحاكم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير المالية. الإشكالية هنا تتعلق بكون الحكومة مستقيلة. وعلى الرغم من أن اجتهاد مجلس شورى الدولة منذ 1969 يعتبر أن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال تنعقد في معرض مسائل ملحة ترتبط بمهل منعاً للفراغ، إلا أن الشغور في منصب الحاكمية لا يمكن افتراضه، لأن القانون لحظ في المادة 25 منه تولي النائب الأول للحاكم مهام الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد. وبالتالي، يصبح تطبيق اجتهاد مجلس شورى الدولة في غير محلّه، وأرى من الصعوبة بمكان أن تعمد حكومة تصريف الأعمال إلى تعيين حاكم جديد، في القانون كما في السياسة».

ad

 

 

 

(أرشيف ــ مروان طحطح)

 

أما بالنسبة لبيان نواب الحاكم فرأي بارود أنه «بيان استباقي يدق ناقوس الخطر، باعتبار أن الشغور في موقع متقدم في الدولة ليس تفصيلاً، خصوصاً في ظل الأزمة المالية والنقدية. لم أقرأ في البيان استقالة، وهذه الأخيرة ليست من دون مخاطر وتداعيات، علماً أن نواب الحاكم يقسمون اليمين أمام رئيس الجمهورية، ولا أرى سهولة في استقالتهم ببساطة ربطاً بواجباتهم. أما في القانون، فالاستقالة المدوّية، في حال حصلت، هي استقالة النائب الأول للحاكم، لأن المادة 25 من قانون النقد والتسليف تعطيه هو دون سواه من نوّاب الحاكم صلاحية تولّي مهام الحاكم. ولا انتقال من نائب أول إلى نائب ثان فثالث فرابع. حتى أن المادة 27 من القانون لا تعطي النائب الثاني إمكان تولي مهام الحاكم إلا في حال التعذر في تسلّم النائب الأول ووفقاً للشروط التي يحددها الحاكم حال ولايته، وثمة جدل حول ما إذا كان هذا الحل يبقى قائماً بعد نهاية ولاية الحاكم أم أنه يسقط، هذا في حال ممارسة الحاكم لهذه الصلاحية».

ad

 

وختم بارود «في حال استقالة النواب الأربعة، يتعطّل المجلس المركزي كلياً، علماً أنه يتعطّل أيضاً بمجرد استقالة النائب الأول، علماً أن المادة 30 من القانون واضحة لجهة أنه لا يمكن للمجلس المركزي أن يجتمع في غياب الحاكم أو من ينوب عنه».

 

سيرياهوم نيوز 1_ الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها

يقيم مصرف سورية المركزي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها بعنوان: “نحو إطار تمويلي ...