يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يواصل تنفيذ مخطط إسرائيل الكبير لإشعال المنطقة بأكملها بنيران الحرب والتصعيد العسكري، وغير مُكترث إطلاقًا لكل النداءات والمطالبات العربية والدولية وحتى الأمريكية لوقف التصعيد وجر المنطقة نحو الهاوية الكبيرة.
الخطوات التي يسير عليها نتنياهو تبدو متناسقة وتدريجية في تصعيدها لحد كبير، فبعد “شبه الانتهاء” من حربه على قطاع غزة، وتنفيذ مخطط السيطرة على مفاصل غزة ومحاصرتها بشكل كامل وتجهيزها للإدارة والحكم العسكري تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، بدأت أوراق تصعيد أخرى تظهر وهذه المرة في لبنان.
هذه الأوراق جاءت بعد سلسلة من الغارات العنيفة والدقيقة إن جاز لها التعبير على مراكز القيادة القوية في “حزب الله” وهو ما برز خلال اغتيال أبرز قادة الحزب وصفه الأول، والغارة الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت وراح ضحيتها أبرز قادة مجموعة “الرضوان” التابعة للحزب.
الاغتيالات المركزة فتحت باب التساؤل واسعًا حول توقيتها ودوافعها وما ان كانت الشرارة الأولى للحرب الكبيرة على لبنان.
وتعد وحدة “الرضوان” رأس الحربة في العمليات البرية والهجومية لحزب الله، وقد تردد اسمها مرارًا خلال الأشهر الـ11 الأخيرة منذ بدء التصعيد العسكري بين الطرفين.
وفقًا لوسطاء دوليين، طالبت إسرائيل بإبعاد وحدة “الرضوان” عن حدودها الشمالية، في محاولة لتقليل التهديدات التي تشكلها على أمنها.
-
ورقة الحرب
ونعى “حزب الله” 16 عنصرا استشهدوا بضربة اسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية بينهم قياديان على الأقل، فيما كانت اسرائيل أعلنت تنفيذ ضربة “دقيقة” على ضاحية بيروت الجنوبية أدت إلى “القضاء” على إبراهيم عقيل و”نحو عشرة مسؤولين” آخرين في الحزب.
وبعد نعيه قائد قوة الرضوان قوة النخبة في حزب الله ابراهيم عقيل، نعى الحزب في بيانات متتالية 15 عنصرا، بينهم القيادي أحمد محمود وهبي الذي “تولى مسؤوليّة وحدة التدريب المركزي”، وفق بيان للحزب.
ووصف حزب الله في بيان وهبي بأنه “قاد العمليّات العسكريّة لقوّة الرضوان على جبهة الإسناد اللبنانيّة منذ بداية معركة طوفان الأقصى وحتى مطلع العام 2024” ثم تولى “مسؤوليّة وحدة التدريب المركزي”.
وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن المسؤولين الستة الكبار في حزب الله الذين اغتالتهم إسرائيل كانوا يشغلون مناصب رئيسية في الحزب وكانوا حلقة وصل هامة في العلاقة مع إيران.
وبحسب ما أوردت الصحيفة فإن إسرائيل اغتلات منذ 8 أكتوبر حتى الآن، 496 عنصرا من “حزب الله”، بينهم عدد من كبار المسؤولين الذين خدموا لسنوات عدة في مناصب رئيسية في الحزب، وكان كل منهم “حلقة وصل مهمة في ربط حزب الله بالمحور الإيراني”، وفق تعبير الصحيفة.
وكان حزب أعلن الجمعة اغتيال القيادي إبراهيم عقيل وهو من مؤسسي حزب الله، وأحمد محمود وهبي، قائد عمليات قوة الرضوان منذ العام 2024، في هجوم إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية.
وفي غارة أيضا على الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو الماضي، اغتالت إسرائيل رئيس أركان حزب الله فؤاد شكر، وفي 3 يوليو من العام الجاري، جرى اغتيال محمد نعمة ناصر الملقب بـ “أبو نعمة”، أحد كبار قادة حزب الله في لبنان، وقائد وحدة “عزيز”، بغارة من مسيرة في مدينة صور.
وفي 12 يونيو اغتيل سامي طالب عبد الله، أبو طالب، الذي كان قائدا لوحدة النصر التابعة لحزب الله والمسؤولة عن القطاع الشرقي لجنوب لبنان، وفي 8 يناير من هذا العام، اغتالت إسرائيل بغارة من مسيرة على بلدة خربة سلم جنوب لبنان، القيادي الكبير في حزب الله وسام الطويل، الذي كان من مؤسسي وحدات النخبة في الحزب ولعب الطويل دورا مركزيا في توجيه العمليات العسكرية في جنوب لبنان.
وفي ذات السياق، أفاد مسؤولون أميركيون لصحيفة “بوليتيكو”، أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تمثل بداية لحملة عسكرية أوسع تهدف إلى إضعاف قدرات حزب الله.
ومن المرجح أن تتصاعد الحملة لتشمل المزيد من العمليات.
ويقول مختصون أمنيون وخبراء في الشأن الإسرائيلي، إن الاحتلال اتخذ قراراً بالتصعيد على الجبهة اللبنانية بعد وضع هدف إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان ضمن أهداف الحرب.
-
فخ نتنياهو
ويضيف المختصون في تحليلات وتصريحات نشرت لهم على وسائل إعلام مختلفة، أن إسرائيل مأزومة بعد اقتراب عام من الحرب على غزة دون تحقيق أياً من الأهداف التي وضعت، وجبهة الاسناد اللبنانية إحدى أسباب ذاك الفشل.
وتابع المختصون:” الاحتلال ينشر ثلث قواته على الجبهة اللبنانية، ولا يستطيع سحب أي منها لقطاع غزة، رغم الانهاك الذي أصاب المقاتلين في غزة، وحجم الخسائر الذي منيت به، ويفضل سحب قوات من الضفة الغربية بدلاً من الجبهة اللبنانية خوفاً من مفاجئة أو هجوم استباقي، وهذا يزيد من حجم الضغط عليه”.
وترى إسرائيل في زيادة الضغط على الاحتلال محاولة لثني الحزب عن اسناد غزة، بما يحقق الهدوء وإمكانية استمرارية القتال في غزة، وصولاً لتحقيق ما يزعم من أهداف الحرب.
كما أن الاحتلال يرغب في توجيه ضربة لحزب الله بعد خفض وتيرة القتال واقتراب العمليات العسكرية في القطاع من نهايتها، بما يضعف قدرات الحزب اللبناني، ويقلل من ضغط سكان الشمال الذين اتهموا الحكومة بالتخلي عنهم.
ويعتبر المختصون أن الاحتلال يرمي لأبعد من ذلك، من خلال توجيه ضربات قوية للحزب لدفعه نحو رد فعل قوي، بما يمنحه شرعية لشن حرب محدودة أو واسعة قد تقود لحرب شاملة يكون الاحتلال فيها المستفيد الأكبر.
وأشار المختصون إلى أن الحرب الشاملة ستكون أضرارها واسعة على جميع الأطراف، لكنها ستجبر واشنطن على الدخول المباشر، وتمنح إسرائيل حرية العمل دون سقوف وصولاً لضرب طهران وابطال المشروع النووي الذي يعد الهاجس الأكبر لها.
ويقول الخبراء إن حزب الله لا يزال يسير بنسق منضبط ولا يتعامل بردات الفعل، بما لا يعطي للاحتلال تلك الأهداف، ويبقي على حالة الاستنزاف قائمة لأطول فترة ممكنة وهو ما يزيد من الضغط على إسرائيل ويفشل مخططاته.
ويلفتوا إلى أن الحزب يدفع أثمان كبيرة، لكنه في ذات الوقت يسير بشكل أو بأخر نحو إفشال خطط الاحتلال وأهدافه، بما يحقق نصراً استراتيجياً لمحور المقاومة. ” الأمين العام للحزب صرح بكل وضوح أنهم يبحثون عن أهداف الاحتلال لإفشالها، وهدف الاحتلال إيقاف جبهة الاسناد وهذا لن يكون إلا بوقف العدوان على غزة، وعلى هذا الهدف سيسير الحزب مع توجيه ضربات نوعية كرد فعل على عمليات الاغتيال، وبما لا يمنح الاحتلال شرعية الحرب”، وفق مختصون.
-
ما هي وحدة الرضوان؟
تشارك وحدة “الرضوان” في أكثر المهام تعقيداً، ويُنظر إليها كعنصر رئيسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتأسست وحملت اسمها تيمنا بالقيادي الراحل عماد مغنية، الذي كان يعرف بلقب “الحاج رضوان”، والذي اغتيل في دمشق عام 2008.
ولعبت الوحدة دورا حاسما في تطوير القدرات العسكرية للحزب، وكان مغنية مسؤولاً عن العديد من العمليات النوعية، خاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أما بعد اغتياله فقد أصبحت الكتيبة ذراعا للمقاومة داخل الحزب، وهي تعمل على مواصلة إرثه العسكري.
وتتميز الوحدة إضافة إلى أنها واحدة من أهم مكونات كتائب حزب الله، بتدريبها المتقدم وتجهيزها بعتاد عسكري حديث، ويخضع أفرادها لتدريبات عسكرية شاقة تشمل القتال البري وحرب العصابات والعمليات الخاصة، وتتركز على اللياقة البدنية العالية والقدرة على تنفيذ المهام في ظروف صعبة ومعقدة.
وتُشارك الوحدة في مهام خاصة تتطلب مستوى عاليا من الاحترافية، بدءاً من الهجمات المتقدمة إلى تنفيذ الكمائن واستهداف المواقع الاستراتيجية. كما تُستخدم في العمليات التي تهدف إلى استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية وتحييد خطر القوات البرية الإسرائيلية، وتشارك في تكتيكات حرب الأنفاق.
ولعبت الوحدة دوراً بارزاً في حرب تموز/ يوليو 2006 ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشاركت في العديد من العمليات الهجومية والدفاعية التي أحدثت تأثيرا كبيرا في مسار الحرب، ومن بين هذه العمليات كانت الهجمات على المواقع العسكرية للاحتلال الإسرائيلي المتقدمة، وتنفيذ الكمائن بالصواريخ المضادة للدروع.
تمتاز وحدة “الرضوان” بقدرات عسكرية متقدمة تشمل الأسلحة المتطورة حيث تتسلح بمجموعة من الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ المضادة للدروع والمدافع الرشاشة وأجهزة الاتصال الحديثة، وتستخدم تقنيات متطورة مثل الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية.
وتعتمد على تكتيكات معقدة تشمل حرب الأنفاق والكمائن الدقيقة، وتستخدم أيضاً تكتيكات المفاجأة والهجوم المباغت، ما يمنحها تفوقا في المواجهات غير المتكافئة، كما طورت الوحدة قدرات في مجال الحرب الإلكترونية والتجسس، مما يمكنها من استهداف خصومها بشكل أكثر دقة وفعالية.
ورغم السرية التي تحيط بتنظيم وحدة الرضوان، يُعتقد أنها تتكون من عدة وحدات صغيرة ومتخصصة وتتبع مباشرة لقيادة حزب الله المركزية، ويتم اختيار مقاتليها بناءً على معايير صارمة تشمل الخبرة القتالية واللياقة البدنية العالية والولاء الكامل للحزب.
مع بداية معركة طوفان الأقصى، قال رئيس بلدية “كريات شمونة”: ما دامت قوة الرضوان التابعة لحزب الله موجودة على الحدود، فلن نعود للمستوطنة.
فيما أعلن رئيس مجلس مستوطنة المطلة: “مستوطنو المطلة لن يعودوا إلى منازلهم إذا لم يكن حزب الله وقوة الرضوان بعيدين عن مكان وجودهم اليوم، لأن ما حدث في غلاف غزة إذا حدث في شمال فلسطين فالقتلى سيكونون أضعافاً”.
ويبقى التساؤل هنا..
هل سينجر “حزب الله” لفخ نتنياهو؟ وكيف سيكون الرد على اغتيال قادة “الرضوان”؟ ومن يملك قرار الحرب الكبيرة الأن؟.. وماذا عن الدول العربية؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم